تعثّرت أسعار السلع وتوقفت مسیرة ارتفاعھا التي دامت شھراً. وبشكل مفاجئ، بقیت التوقعات الأساسیة القویة للقطاع على
حالھا، وأدى الارتفاع المستمرّ لعائدات سندات الخزانة الأمریكیة إلى انخفاض المستوى العام في الرغبة بالمخاطرة في
الأسواق. وفیما خضع النفط الخام لتصحیح كبیر طال انتظار الكثیرین لھ، انخفضت تداولات مؤشر بلومبیرج للسلع بنسبة %3
لیسجل أكبر خسارة أسبوعیة لھ منذ أكتوبر.
وتم ضبط التوجّھات بحسب التطوّرات الفردیة التي شھدتھا كل سلعة. وللأسبوع الثالث على التوالي، استند التوجھ العام على
التطوّرات في أسواق السندات الأمریكیة. كما شھدت السلع والأسھم والسندات عملیات بیع مكثّفة یوم الخمیس، بعد إخفاق
اجتماع اللجنة الفدرالیة للأسواق المفتوحة بطمأنة السوق بشأن المخاوف من استمرار ارتفاع العائدات والتضخّم. وسیسمح بنك
الاحتیاطي الفدرالي بشكل رئیسي بتوجّھات حادة وغیر منتظمة لكل من الاقتصاد ومعدّلات التضخّم. وظھر ذلك في المخاوف
التي انتابت الأسواق جرّاء التصریحات بشأن السماح بارتفاع التضخّم أكثر من %2 لفترة متواصلة.وتمثّلت السلع الفردیة الأكثر عرضة لأحدث جولات المخاطر في تلك التي تحمل أكبر قدر من المضاربة. وبشكل عام، شھد
قطاع السلع انتعاشاً كبیراً الشھر الماضي لأسباب قویة تحدثنا عنھا مطولاً في التحدیثات السابقة. وخلال الشھور التسعة
الماضیة، ونتیجة للزخم القويّ في الأسعار، اتجھ مدیرو الأموال أو المضاربون نحو تجمیع انكشاف قیاسي للسلع. ومع
استثناءات قلیلة، أحدھا الذھب، ارتفع صافي عقود الشراء المجمّعة في العدید من الأسواق إلى درجة یمكن معھا وقوع تصحیح
حادّ استجابة لأي تغییرات في التوقعات الأساسیة و/أو الفنیة على المدى القریب.أظھر النفط الخام في الأسابیع الأخیرة مؤشرات متزایدة على وصولھ إلى نطاقھ السعريّ المحتمل على المدى القصیر، إلا أنھ
تعرّض لأكبر انخفاض منذ أكتوبر بعد تلقیھ ضربة مزدوجة یوم الأربعاء من وكالة الطاقة الدولیة واللجنة الفدرالیة للأسواق
المفتوحة. وفي أحدث تقاریرھا الشھریة عن أسواق النفط، طرحت وكالة الطاقة الدولیة تساؤلات بشأن بعض الأسباب التي
دعمت ارتفاع أسعار برمیل خام برنت مؤخراً إلى 70 دولار أمریكي. كما تم التعاطي بلا مبالاة مع خطورة حدوث دورة فائقة
جدیدة على وجھ الخصوص، والعجز الذي یلوح في الأفق على المدى القصیر.
ولم تقتصر رؤیتھم على وفرة المخزونات النفطیة بالرغم من الانخفاض المطرد عن الفائض الھائل والمتراكم خلال الربع الثاني
من عام 2020 ،وإنما سلّطوا الضوء أیضاً على الكم الھائل من الطاقة الإنتاجیة الفائضة، والتي تقع حالیاً في نطاق 8 ملیون
برمیل یومیاً، والتي یعیقھا أعضاء أوبك بلس. وعلى خلفیة الھشاشة المستمرّة لانتعاش الطلب على الوقود، ولا سیما في ظل
المشكلات التي یواجھھا طرح اللقاح في عدة مناطق حول العالم وفي مقدمتھا أوروبا، قد ینتھي المطاف بتوقعات نمو الطلب
العالمي بنحو 5.5 ملیون برمیل یومیاً في عام 2021 ،إلى حدّ اعتبارھا تفاؤلاً مفرطاً.
وبناء على ھذه التطورات، یبدو أن تقیید أوبك بلس لمستویات الإنتاج كان الدافع الرئیسي وراء ارتفاع الأسعار منذ مطلع نوفمبر
بنسبة %80 ،عند إطلاق أول التصریحات الخاصة بالتوصّل إلى لقاح؛ ما یترك الأسعار عُرضة لأي أخبار سلبیة معنیة
بالطلب. ما أفسح المجال بمجرّد انخفاض أسعار خام برنت دون عتبة 50.66 دولار، لتتجھ في مسار تنازليّ مستمرّ تقریباً
باتجاه 5.61 دولار أمریكي. وفیما تعكس ھذه المستویات المنخفضة الجدیدة الوضع الراھن في سوق النفط، تتمثل الخطورة في
أن المضاربین لم یعدّلوا مراكزھم بالكامل حتى الآن.
من جھةٍ أخرى، وبعد الصراع الذي خاضوه العام الماضي لدعم الأسعار، من غیر المرجّح أن یقف أعضاء أوبك بلس على
الحیاد إذا ما انخفضت الأسعار أكثر. ونتوقع في ھذه الحال إطلاق مداخلات شفویة لتشكیل خط الدفاع الأول، وإن لم یكن ذلككافیاً سیتم تمدید فترة التخفیضات الحالیة أو زیادة معدلات تخفیض الإنتاج. وتمتلك أوبك بلس، وفي مقدمتھا المملكة العربیة
السعودیة، الكثیر من الأدوات التي أكدت استعدادھا لاستخدامھا عند الضرورة.
من وجھة نظر فنّیة، كسرت أسعار خام برنت توجھاتھا التصاعدیة من نوفمبر، لكنھا وجدت الدعم حتى الآن مع المتوسط
المتحرك الوسیط لمدة 50 یوماً عند 50.61 دولار، بینما سیدعم ارتفاع أسعار الإغلاق الأسبوعي الإقبال على المخاطرة، وقد
یشیر إلى ارتداد خلال الأیام المقبلة.
تلقّى الذھب دفعة أولیة بعد أن أكدت اللجنة الفدرالیة للأسواق المفتوحة اتخاذ موقف أكثر توافقیة عبر الحفاظ على توقعاتھا
المستقبلیة بمعدلات غیر متغیرة حتى عام 2024 .وبینما أعطت الضوء الأخضر الملائم للأصول الخطرة والمضاربین على
انخفاض أسعار الدولار، بدأ الخوف یسري في السوق بعدما طرحت تساؤلات مستمرة حول ارتكاب الاحتیاطي الفدرالي "خطأ
في السیاسة" عند رؤیتھ لارتفاع العائدات الأمریكیة الأطول أمراً جیداً بالكامل.
واستنتجت السوق أن بنك الاحتیاطي الفدرالي سیقبل التوجھات غیر المنتظمة للاقتصاد والتضخّم، مع السماح للتضخم بالارتفاع
أكثر من %2 لفترة طویلة من الزمن. وبعد التعاطف الأولي الذي كان یظھره مع فئات الأصول الأخرى، بدأ الذھب استقطاباً
متزایداً للعروض، وحاول إعادة طرح مفھوم الانكماش الذي كان غائباً تماماً خلال الشھور القلیلة الماضیة. ویمكن رؤیة الدلائل
على النجاح في العلاقة بین الذھب والعائدات الحقیقیة المستحقة لأجل 10 سنوات في الولایات المتحدة الأمریكیة. وفي 8
مارس، عندما وصلت تداولات العائدات الحقیقیة إلى %6.0 ،-كان الذھب یتحدّى عتبة الدعم عند 1680 دولار، أي أقل بـ 60
دولار تقریباً من مستواه الحالي.
وبینما تُركت السلع الأخرى مثل النفط والحبوب عُرضة للحد من المخاطر، نظراً لمراكزھا المتقدّمة، كان الذھب خارج قائمة
السلع المفضلة للمستثمرین. وأدى ضعف الزخم في الشھور الأخیرة إلى توجھ صنادیق التحوط نحو تخفیض صافي عقود
ملیون أونصة)، بتراجع %85 عن الذروة الأخیرة في فبرایر 2020 .الشراء المجمّعة في مؤشر كومكس الأمریكي للعقود الآجلة للذھب إلى أدنى مسوبحسب تقریر بلومبیرج، شھد إجمالي الحیازات في الصنادیق المتداولة في البورصة والمدعومة بالسبائك انخفاضاً مستمراً
خلال الأیام الثلاثین الماضیة، ووصل إلى أدنى مستویاتھ في تسعة شھور عند 144,3 طن، بانخفاض %9 عن ذروتھ في العام
الماضي. ومع ذلك، كانت الصین واحدة من المناطق التي عاكست ھذا التوجّھ. وبحسب مجلس الذھب العالمي، ازدادت حیازات
الصنادیق المتداولة في البورصة خلال فبرایر بنحو 8 طن لتسجل مستوى قیاسیاً یبلغ 6.68 طن، بعد الاضطرابات التي
واجھھا المستثمرون في سوق الأسھم الصینیة.
وفي الوقت الحالي، لا یزال الذھب عالقاً في منطقة محایدة بالرغم من التحسن الطفیف الذي تشھده التوقعات الفنیة. ویتطلب
تغییر ذلك واستقطاب طلب متجدد، ولا سیما من الحسابات الممولة بالقروض، استرداد عتبة 1765 دولار للأونصة. وحتى
ذلك الحین، تبقى توقعاتنا حیادیة على المدى القریب، بالرغم من تفاؤلنا بقدرة الذھب على الانتعاش خلال المدى المتوسط، ومن