رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

لورنس عواد يكتب : آذار أمن وأمان

لورنس عواد يكتب : آذار أمن وأمان
جوهرة العرب - لورنس عواد

قبل  مئة عام ونيف كان المجتمع الأردني يتمتع بالأمن والأمان فقد فرضت العادات والتقاليد والقضاء العشائري أمنا وأمانا بمفهومها العشائري لهذا كان تاريخنا مملوءا بالقصص التي يتوارثها الآباء والأبناء من الأجداد وأحد المؤشرات الحقيقية القابله للقياس هو الكم الهائل من المسلسلات البدوية التي طرحت هذه القضايا برمتها , لهذا مجتمعنا الآن سلمي بالفطرة وهنا السلمية ليست بالضرورة أن تكون نابعه عن ضعف أو عن جبن فمعركة الكرامة دليل واضح على ما تحمل هذه النفوس المؤمنة بالسلم المجتمعي من شجاعة وإقدام وبالغالي والنفيس عندما يتعلق الأمر بكرامة وطن وكرامة أمه .

فالجلسة الأولى لمجلس السياسات بعد حادثة مستشفى السلط أو فاجعتنا بمستشفى السلط تطرق رئيس المجلس إلى المئوية الأولى معاتبا ومستهجنا من تراكم مخلفات الفساد بأنواعه وعند الإمعان والنظر إلى ما تم توجيه الحكومات منذ إستلام الملك عبد الله المعزز نجد أن هنالك تفاوت حقيقي وفجوة معرفية ما بين صاحب القرار وصناع القرار , وكأن السلطة التنفيذية  تفتقر إلى مضمون المعرفة فيما يتم من توجيهات وهنالك جهل واضح في تطبيق ورسم خطط لتلك الأفكار وذلك النهج الذي يطرحه ملك شاءت الأقدار أن يكون حكمه متمم المئوية الأولى ومنشئ  المئوية الثانية فبين طموح ورؤى ملك أراد أن يختتم المئوية الأولى ببناء على ما تم بناؤه من الآباء والأجداد وتأسيس ما سيكمل به الأبناء والأحفاد , فكانت الأولى بحاجة إلى حزم وعزم والثانية أحوج ما تكون إلى همم لا يفتقرها بنوا هاشم , وفي ظل شح الرجال الرجال الذين لا يملكون سوى أجندة وطن  ومن كثرة ضعاف النفوس يكاد يكون التقدم بالمستوى المطلوب من المحال وفي ظل هذه البيئة الخصبة ومع المتغيرات المتسارعه في العقد الأخير في المنطقة نبت وترعرع فكر خارجي معادي وفكر داخلي ترعرع على جهل في العمل السياسي , وبين تلك التيارات التي أطلق عليها تيارات الشد العكسي وبين صراعات الصالونات السياسية وحب الظهور لبعض الشخصيات التي ترسخ لديها اليقين بأن اقصر طرق الظهور هو الإنتقاد المبني على وجهات النظر فأصبح الناتج من المطالبين بالإصلاح والسلطة التشريعية زمرة منظرين لنظريات لا تقبل التطبيق على أرض الواقع فهؤلاء يفتقرون لمهارة  صياغة وإيجاد تشريع يضع السياسة والإقتصاد على الطريق الصحيح , أما تلك فأظهرت الإنتقادات وتفننت في وضع نظريات قد يكون منها ما هو صحيح ومنها ما هو باطل ولكنهم ينتقدون ويعترضون بطريقة لا تقل خطأ عما وقع به هؤلاء .
وعلى سبيل المثال وليس على سبيل الحصر بل مثال يضرب به المثل  لما نادى به رأس الهرم في السلطة التنفيذية وما أطلق عليه مصطلح الأمن والأمان فللأسف الشديد فهم من البعض أو الأغلب إن صح التعبير على أنه مفهوم عسكري أمني لا مصطلح تبنى به الأوطان وتتقدم به الأمم , فالأمن قبل أن يكون أمنيا بالمفهوم العسكري هو أمن حياة أمن ماء أمن غذاء أمن تعليم  أمن صحي أمن أسرة أمن مجتمع بأكمله , أما الأمان فهو الطمانينة ولا تأتي  الطمأنينة إلأ بالثقة  وهنا لا ننكر تلك الهاوية بين الشعب والسلطة التشريعية فالثقة معدومة ولكثرة الإنتقاد الشعبوي من السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية اتسعت الهاوية بين الشعب والحكومة مما ساعد في توسع الفكر المغلوط المعادي لأي قرار حكومي لإنعدام الثقة مما ساهم في الإرتباط الغير شرعي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لدرجة أصبح الإرتباط بينهم عميق يحمي الفساد والفاسدين من خلال لوبي متمركز في مفاصل الحكومة ويعزز المصالح الشخصية ويساند تيار الشد العكسي الذي لا يتوانى في وضع العصا في عجلة التقدم بأي لحظة ويستغل بطريقته القذرة ما تقع به الحكومة من أخطاء أو ما يقع به الشخصيات العامة من مواقف بشكل عام.

24 آذار  هو ليس يوم عابر أو تقويم بل هو رمز لإحدى الحراكات وليدة الربيع العربي والتي  قد علا سقف مطالبها بطريقة جعلت النقاش بها أرض خصبه للإنتقاد أو للتأييد , مع أنها لا تقل تنظيرا عن  آخر خمس مجالس نيابية  سابقة مع إضافة المجلس الحالي , لعدم إمتلاكها رؤية أردنية واضحة للإصلاح السياسي أو الإقتصادي فمن لا يملك الرؤيتين معا لا يملك سوى التنظير وحب الظهور وجر البعض إلى دوامة ضبابية , فلو أرادوا الطريق الصحيح لكانوا حزبا سياسيا , ولو أرادوا العمل وإصلاح المجتمع لكان لهم ممثلين نيابيين أسوة بالحركة الإسلامية على سبيل المثال  فهم أفقرنا فكريا في مفهوم الأمن والأمان ويجهلون الرمزية الأردينة ويجهلون تلك الفطرة التي ولد عليها الآباء وتربى عليها الأحفاد , فللأردن خصوصيته ورمزيته بصلابه صخور البتراء وبخصابه سهول إربد , فلمن  سلك مثل هذه الدرب يقول له العرب لقد سلكت مسلكا وعرا , وهنا لمن يدعي ويردد ليس هكذا تورد الإبل علينا أن نتمعن جيدا بهم فقد لا ينطبق عليهم  إلا صاحب كلمة حق يراد بها باطل وليس هكذا تورد الإبل , أما لإنتقاداتهم وتجييش الرأي العام لأفكار مغلوطة هم أولى بأن يقال لهم ليس هكذا تورد الإبل .