رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

مقاربة لقاء صحفي مع الشريف الحسين بن علي عام 1928

مقاربة لقاء صحفي مع الشريف الحسين بن علي عام 1928
جوهرة العرب - المستشار الاعلامي جميل سامي القاضي 
 
تكاد تكون الثورة العربية الكبرى وقائدها الشريف الحسين بن علي ، من اكثر الثورات الكبرى في التاريخ التي تعرضت للظلم والتهميش ، وقلب الحقائق وتشويه طهرها وتلون منتسبيها وحنث داعميها ، الى جانب تحشيد الاعلام المدعوم بقوة المال للاساءة لهذه الثورة المجيدة مع الضرورة بمكان الاعتراف بضعف دور الاعلام المؤيد لها ، فكان الظلم من الجميع ، واقصد بالجميع القوى التي ثارت عليها والقوى التي تحالفت معها الى جانب ابناء الثورة ذاتها .
وفي هذا اللقاء الصحفي الذي نقوم باستعراضه يكشف لنا عن الكثير من الحقائق ، ويساعدنا في فهم الحقيقة من مصدرها الاصلي من قائد الثورة العربية الكبرى الشريف حسين بن علي والتي اجرها الصحفي مراد غريب في - 23 تشرين الثاني من عام 1928 ، في قبرص وكان في استقباله الامير طلال بن عبدالله حفيد الشريف الحسين ، والذي كان يعمل مرافقاً لحاكم قبرص الانكليزي "لاكتساب الخبرة"،وبذات الوقت يعمل لخدمة جده الحسين مع عمه الامير زيد بن الحسين الذي كان يلازم والده ، ويكشف عن وجود مستشار خاص للملك الحسين بن علي وهو الملا سعيد .
ويصف مراد غريب الشريف الحسين في تلك المقابلة قائلاً : كان الحسين يلبس عقالاً أبيض مصنوع من الحرير، وكوفية بيضاء أيضا، وجهه عريض وعيناه غائرتان قليلاً مائلتان من الطرف الوحشي وفيهما بريق، حدقتاه صغيرتان وحاجباه عريضان مائلان مثل عينيه، وما زال لونهما يميل إلى السواد على عكس لحيته الكثيفة المدببة التي كانت بيضاء كالثلج.
ويقول عن هذه المقابلة بانها ستكون شهادة بامانة لتنقل للأجيال التي ستقرأ التاريخ الذي سيحاول فهم . ا الزلزال الذي حصل في المنطقة وقلب الأمور رأساً العقد الثاني من القرن الماضي ، وتنبع اهمية هذه المقابلة مع أحد أبرز الشخصيات التي كانت وراء هذا التغيير الكبير، قائد الثورة العربية الكبرى ومطلق رصاصتها الاولى شريف مكة وملك العرب الحسين بن علي ، الذي رحب بهذا اللقاء . 
 وقام بطرح سؤال يعد اليوم مرتكزاً اساسياً لكل من تناول الثورة العربية الكبرى :[ لقد رفعت الثورة العربية شعار الوحدة والاستقلال، فلم تتحقق الوحدة ولا تحقق الاستقلال، وتحولت بلدان المنطقة الى أراض مستباحة ومحتلة من قبل الدول الغربية، حلفاء الثورة العربية ، وكان من نتائج الثورة أيضا أن خسرتم الإمارة التي حكمها جدادكم لسبعمائة عام ..؟] 
ونحن اليوم بعد مرور نيف ومائة عام ، نطلع على رد الشريف الحسين ونتمعن بالاجابة كي نعي شخصية هذا الرجل الشريف ..فكان رده شاملاً وافياً وقال فيه : " بسم الله الرحمن الرحيم أحمده وأصلي على نبيه الكريم، وأسأله التيسير والهدى والرحمة والغفران ، ما زال هدفنا هو هو، وما زالت المعركة قائمة، والمعارك كرّاً وفرّاً، وتحقيق مثل هذا الحلم الكبير قد يستلزم بعض الوقت. صحيح أنه خاب أملنا بالإنكليز ولم تفِ الدول الحليفة لنا بوعودها ولكن مصير العرب ليس معلّقاً بيد أحد، ستنتصر إرادة العرب في النهاية وسيكون ما نريد".ونستنتج من جوابه بأن الثورة مستمرة وان الارادة العربية هي التي تحقق مصير الامة .ثم انتقل الصحفي مراد بمحاولة الاستعلام عن اهداف الثورة العربية الكبرى ، فكانت الاجابة واضحة وثابتة وهي " هدف الثورة منذ رفعناه في 9 شعبان سنة 1334 هجرية ( موافق لـ 10 حزيران عام 1916 )، هو ذاته، الوحدة والحرية والاستقلال". 
ثم انتقل الى سؤال يتردد دوماً على السنة المؤرخين والمهتمين والذي يتمحور حول المقولة التي تحاول فهم رؤية الحسين للعثمانيين : هل كنتم تعتبرون بأن العثمانيين محتلّون؟ واضاف بانهأ من المعلوم بأن أمراء مكة هم أول من اعترف بالدولة العليّة، والشريف بركات الثاني جد الحسين بن علي قد أرسل مفاتيح الحرمين إلى السلطان فور سقوط دولة المماليك وانتقال الخلافة إليهم، ومعروف بأنكم من أكثر الناس ولاءً ونصرة لسلاطين آل عثمان وأكثرهم حرصاً على الحفاظ على هيبة الدولة وتماسكها.) والان تقول وحدة وحرية واستقلال .. وحدة من؟ والحرية لمن؟ والاستقلال عن من؟ تلك الشعارات ماذا كنتم تقصدون بها بالتحديد؟]
ولنستعرض اجابة قائد الثورة العربية الكبرى التي تبين رأي قائد الثورة في العثمانيين وحزب الاتحاد والترقي : "كل من له إلمام بسيط بالتاريخ يعلم أن أمراء مكة المكرّمة كانوا أول من اعترف بالدولة العليّة رغبة منهم في جمع كلمة المسلمين وتقوية سلاطين آل عثمان العظام، طاب ثراهم وجعل الله تعالى دار الخلد مثواهم ولبناء أحكام دولتهم على الشريعة الغراء . واستمر معنا هذا إلى أن نشأت في الدولة جمعية الاتحاد والترقي، وقبضت على إدارة الدولة وتحكّمت في جميع شؤونها، فحادت بها عن صراط الدين ومنهج الشرع القويم وقامت بسلب شوكة السلطان المعظّم، وماله من حق التصرّف الشرعي والقانوني أيضا وجعلوه منفذا للقرارات السرية لجمعيتهم ".واضاف لذلك نحن لم نقم بالثورة على الدولة العثمانية، ولا على الخليفة، وإنما على هذه الجمعية التي اغتصبت حق آل عثمان الكرام وجعلته في أيدي هؤلاء الشواذ الذين ليس لأكثرهم في الشعب التركي الاسلامي أصل راسخ ولا في الاسلام علم صحيح ولا عمل صالح .. "
وعليه فقد اوضح الشريف بأن الثورة لم تكن ضد ( سلاطين آل عثمان العظام طاب ثراهم ) انما هو ضد جمعية الاتحاد والترقي التي (اغتصبت حق آل عثمان الكرام ثم يصف ( الاتحاد والترقي ) الذين ليس لهم في الشعب التركي اصل راسخ ولا في الاسلام علم صحيح .ومن هنا فأن على كل باحث تاريخي اوسياسي عليه ان يعنون بأن الثورة العربية ضد جمعية الاتحاد والترقي وليست ضد الدولة العثمانية .
ويسترسل الحسين حديثه ويقول عن الجمعية واسباب الثورة عليها "ولماذا لا نثور؟ فهم لم يكتفوا بأنهم استأثروا بالحكم بالقوة، وإنما خاضوا بالدولة غمرات الحرب الأوربية الساحقة الماحقة وألقوا الدولة في التهلكة واستنزفوا ثروتها. هم انحرفوا عن صراط الدين، وسمحوا للمجلّات والصحف بأن تُجاهر بالطعن بالإسلام. ألغوا التزام الصلاة لتلاميذ المدرسة الحربية، وجاءت أوامرهم خلال شهر رمضان إلى الجنود تحتم عليهم ألا يصوموا رمضان. سلبوا السلطان المعظّم حقوقه وأصبح لا قدرة له على اختيار أصغر موظفيه أو تعيين أي مسؤول في الدولة ولا حتى شيخ الإسلام. " ويضيف "...لقد أسقطوا بقايا شروط الخلافة التي يطالب بها المسلمون كافة. ويأتي بعدها إسرافهم في أموال الدولة وإضاعتهم لعدة ممالك من ممالكها مثل البوسنة والهرسك والممالك الألبانية والمقدونية وطرابلس الغرب وبرقى..وينتقل للحديث عن افعال حزب الاتحاد والترقي في العرب ( وأما ما خصوا به العرب ولغتهم فهو أعظم ذنوبهم بالنسبة إلينا، لقد حاولوا قتل اللغة العربية، وقتل اللغة العربية كما تعلم قتل للإسلام نفسه. لكل هذا، كان يجب أن نثور عليهم، فنحن لا نريد أن نكون شركاء لهم في هذه الآثام ولا نوافق زعماءهم على ما اشتهروا به من الكفر والالحاد".)
وفي هذا السرد يبين الاسباب الموجبة للثورة على الاتحاديين الذين اغتصبوا السلطة وعاثوا الفساد في الدولة الاسلامية واضاعوا مجدها وحاربوا اهلها ال عثمان والعرب مادة الاسلام .
وينتقل الصحفي في محاورته للحسين محاولاً الوصول لاجابة تدور على السنة الكثيرون ، اليوم بعد تسعة عقود : لماذا لم تحاولوا أن تجعلوها ثورة اصلاحية شاملة عربية تركية على الجمعية ولماذا تثورون على الأتراك وأنتم شعب واحد لمدة أربعة قرون تعيشون في دولة واحدة على السرّاء والضرّاء. هل كان عداؤكم للأتراك أم للجمعية ؟
فكانت الاجابة كما يصفها الصحفي سريعة من قائد الثورة : "بالطبع ليس لدينا أي عداوة مع الأتراك فقد كانت مقاومة أخوتنا الترك للجمعية أشد من مقاومة العرب، ونحن كنا نعتقد اعتقاداً راسخاً بأن ما قمنا به... بأن ثورتنا التي قمنا بها، هي ثورة لتحقيق أماني المسلمين الصادقين حتى الأتراك منهم وهم كثر".
وينتقل بعدها للحديث بانه لم يكن في تلك الثورة مشاركة الا من الحجاز ولم يشارك بها باقي مناطق الجزيرة العربية ، فرد الحسين بانه ليس الحجاز فقط بل كل العرب في سوريا والعراق أيضا (يقصد زعماء وأعضاء الجمعيات العربية السرّية التي تبنّت نهجاً قومياً عربياً). لقد حصلت على تفويض من رجالات العرب هناك بأن أقود ثورتهم. ثورتنا نحن العرب ضد الأتحاديين .
ثم وضع سؤالاً يحاول فيه معرفة هل كانت هناك محاولات للقيام باتصالات مع الاستانة بهدف الوصول الى تفاهمات ؟ : 
وجاء رد الشريف في تسلسل تاريخي .." في البداية قدمنا كثير من المظالم والاحتجاجات خاصة عندما أرسلوا لنا بدايةً الوالي وهيب بك، حيث بدأ بمصادرة صلاحياتنا وأعمالنا .. ( فقد كانت الحجاز تتمتع بحكم ذاتي على طول فترة الحكم العثماني )، وللاشراف فيها مطلق الحرية في تسيير شؤونها، وأن إرسال والي لكي يسيطر على المحاكم وفرض الضرائب ويسوق الشباب إلى التجنيد ويسحب كل السلطات منا، كان أمراً غير مقبول ولذلك بادرنا منذ ذاك الوقت بالشكوى وبكل امانة يضيف بانه كان ردها إيجابياً وجاءت برقية حينها من الباب العالي لإبقاء كل شيء على حاله، وتعيد إلينا كل صلاحياتنا. ولكن لم يكن هناك أي ضمان بألا تكون هذه الحركة وسيلة لكسب الوقت. وفي النهاية ستقوم الحكومة الاتحادية بعزلي ونفيي خارج البلاد".لكن ومن الأشهر الاولى من العام 1914.شعرنا بأن الحكومة الاتحادية بدأت بتغيير سياستها تجاهنا وتريد أن تسحب منا النفوذ لصالح الأتراك، وكان لا بد أن نتحرك لنحمي مصالحنا".وعندما بدأت القلاقل تظهر بُعيد وصول وهيب بك ( الوالي التركي ) ووقوع العديد من الحوادث من سلب ونهب وحرق لبعض المحال. لم يكن بمقدوره أن يسيطير على الوضع بدون مساعدتنا؟" فما كان منه إلا أن أبرق للآستانة يعلمهم بالوضع، ليطلب منه الباب العالي ترك كل الصلاحيات للشريف كما كانت" الا انني كنت اعلم بأن الحكومة الاتحادية غادرة ولا يمكن أن تبقي على خصم لها وكانت تعتبرنا خصماً. وكان لا بد لنا من الحصول على المساعدة من طرف قوي آخر، فكان لابد من أن نتصل مع الانكليز لنتبين موقفهم".  
وهنا يريد الصحفي فهم مبررات الاتصال بالإنكليز؟ وما شأنهم بموضوع السلطات والنفوذ؟. ما الذي يستطيعون تقديمه للشريف في هذا الصدد؟. وحدد سؤاله بشكل مباشر .. ما شأن الانكليز في هذه القضية؟. فكانت الاجابة بها من القوة والثبات فقال للصحفي وكان رداً عنيفاً وقال : " ألم تفهم ؟ أراد الأتراك القضاء على الحكم الذاتي في الحجاز، ونحن لم نكن لنترك لهم ذلك ولا نستطيع مقاومة خطط الأتراك لوحدنا. كان لا بد لنا من طلب المساعدة للدفاع عن أنفسنا في حال قرر الأتراك عزلنا".
وهنا الكثيرون سينبرون ويرددون كما الصحفي مراد : وهل كان هذا مبرراً كافياً للاتصال مع الانكليز بتقديركم؟
واليكم جواب الحسين بن علي : " قد يكون كلامي هذا غريباً عليك ولكنه أمر واقع يعرفه كل من هو مطّلع على شؤون الجزيرة، الاتصال بالانكليز ليس شيئاً غريباً، وعملياً بريطانيا هي المسيطرة على الجزيرة العربية منذ قرون طويلة ولها مصالح حيوية فيها ومحميات مثل عدن وغيرها، ومرتبطة باتفاقات مع معظم شيوخ العشائر فيها، وتقدّم مساعدات سخيّة للبعض من هؤلاء الشيوخ الذين تقع أراضيهم، فعلياً، خارج سيطرة الدولة العثمانية ومستقلين في شؤونهم ولماذا لا نكون نحن كذلك؟ ويبين حقيقة الوضع والذي لم يكن متداولاً في تلك الفترة ، وقد ظهرت هذه الحقائق بعد ذلك بسنوات حيث تبين ان كل قوى وتجمعات الجزيرة متعاونة بمعاهدات مع بريطانيا ، والادهى ان واضعي ميثاق دمشق 1915 قد اكد على ضرورة تقديم وتفضيل التعاون معها .
ويكمل الشريف الحسين بانه في تلك الفترة لم يكن هدف اتصالنا بالإنكليز هو الثورة، كان هدفه حماية حقوق عائلتنا في حكم الحجاز والتي من خلالها نضمن استمرار سلطة العرب فيها. ومن الطبيعي إذا كان لدينا القرائن على أن الأتراك سيقومون بعزلنا، أن نبحث مع الانكليز الموضوع ونتحالف معهم للحفاظ على استقلالنا أسوة بباقي القبائل الموجودة في المنطقة".
وهنا لابد من الاشارة الى ان الحسين بن علي قد فتح امام الباحثين والمؤرخين بهذا الرد موضوع غائب عن الاذهان وهو لماذا لم نقرأ إلا عن الحجاز في الثورة العربية، وماذا إذاً عن باقي العرب في الجزيرة العربية وما هو موقفهم ودورهم ..؟
 ثم يكمل الشريف توضيح ذلك : في البداية طلبنا أن تتدخل بريطانيا لدى الباب العالي لمنع محاولة عزلي، وكنت أعلم بأنه اذا أصرت وقامت الحكومة في اسطنبول بإقصائي عن الحكم، وقتها لا شك أن الحرب ستقوم بيننا وبينهم للحفاظ على حقّي وحقّ أجدادي في هذه البلاد، ونحن كنا قادرين على التغلب على الحاميات التركية الموجودة في مكة والمدينة ، ولكن نخشى قدوم تعزيزات عبر البحر تجعل الكفة تميل للأتراك وتهدد وجودنا، فطلبنا ،حسب ما أذكر، إذا كان بالإمكان أن يتم قطع هذه التعزيزات في حال وردت .. "
وللامانة والتاريخ هل استجاب الانكليز لطلبات الشريف ؟ فكان الجواب بعكس ما يتداوله الكثيرون " لم نحظ وقتها بالتشجيع منهم".
وفي سؤال جديد باعتبار الثورة العربية الكبرى تأتي في خانة التمرد والانفصال عن الدولة ، وذلك عند اعتماد ما قاله الشريف عن معظم القبائل العربية في الجزيرة بانها حصلت على استقلالها الذاتي في الأراضي التي تشغلها مما يعني بانه يحق لاهل الحجاز كما حق لهم ، رغم ان وضع الحجاز مختلف عن وضع هؤلاء؟. فبحسب الخرائط والسلنامة*( كتاب يتضمن معلومات وإحصاءات عن الولايات العثمانية ) التي تصدر من الأستانة سنويا، فإن الحجاز جزء لا يتجزأ من أراضي الدولة العثمانية، على عكس باقي مناطق الجزيرة، وطلب الشريف لاستقلال هذا الجزء يعد طلب "انفصال".
وهنا يوضح الحسين الموقف : "نحن لم نطالب بالانفصال، وكنا متمسّكين بالدولة العثمانية وبأهداب الخلافة إلى آخر لحظة. كل ما قمنا به كان عبارة عن إجراءات من باب الاحتياط. من المؤكد بأننا لم نكن لنسكت في حال قرروا عزلي من الإمارة وتعيين والٍ تركي. الموضوع ليس شخصياً وإنما يتعلق بحقوقنا التاريخية في تلك المنطقة ولو أنني وافقت على أمر العزل، لم يكن سكان وأهالي الحجاز ليقبلوا بذلك "
وهنا يجيب الصحفي : تقولون بأنك كنتم متمسكين بالدولة العثمانية لآخر لحظة. كيف وأنا أرى أن اتصالاتكم مع الإنكليز بدأت قبل ثلاث سنوات تقريباً من حدوث الثورة؟.
فرد الشريف : بان ما كان في تلك الفترة جاء من باب الاحتياط، وبقينا على تواصل كل تلك الفترة بشكل مباشر أو من خلال ابني الأمير فيصل الذي كان على اتصال مباشر مع جمال باشا. ولكن، كما ذكرت في أول اللقاء، فانهم خلال تلك الفترة شذّوا كثيرا في حكمهم عن صراط الدين وأساؤوا للخليفة وباتت دولة المسلمين ضعيفة والخلافة مهددة بالزوال. ونحن كنا على اتصال معهم نحاول إقناعهم بالعدول عن سياستهم المدمّرة حتى آخر لحظة، وحتى قبل إعلان الثورة بوقت قصير، أبرقت إلى رئيس الوزراء طلعت باشا ووزير الحربية أنور باشا بطلبات محددة لإرضاء العرب وكان الرد سلبيا".
ثم لخص قائد الثورة العربية الكبرى طلباته من الاتحاد والترقي والتي تمثلت فيمايلي : : "طلبنا العفو العام عن المتهمين السياسيين من أحرار العرب (الذين أعدمهم جمال باشا فيما بعد)، وإعطاء سورية ما تطلبه من نظام لامركزي، وجعل إمارة مكة وراثية بين أولادي، وقلنا لهم في حال استجابوا لطلباتنا أننا بدورنا سنقف إلى جانبهم في الحرب ونمدّهم بجيش من رجالنا. ولكن كانت الإجابة سلبية ومتعنتة". 
وطرح الصحفي مراد مقولة لا زالت تردد الى يومنا هذا وهي : ان تحوّل هذا التحرك المحدود للدفاع عن مصالحكم، في منطقة صغيرة، إلى ثورة شاملة على الدولة العثمانية. ألم تكن هذه قفزة كبيرة في المجهول؟
فكان رد الحسين : "انت محق وما كان باستطاعتنا أن نقوم بهذه الخطوة أو القفزة كما أسميتها بدون أن نحصل على ضمانات ومساعدة من الانكليز. وقع كثير من التطورات بين تلك الحوادث وبين إعلان الثورة، فقد توثقت علاقتنا مع الجمعيات العربية السرّية في سوريا وأخذنا التفويض من تلك الجمعيات للقيام بالثورة، وكانت قد قامت الحرب العظمى وانضمت تركيا الى أعداء بريطانيا، وبهذا وجد البريطانيون مصالحهم في تغيير موقفهم والتحالف معنا ضد الدولة العثمانية وأعيد فتح قنوات التواصل مع الإنكليز وجرت بيننا مراسلات طويلة، وفي النهاية حصلنا على وعد منهم وقتها بأن يدعموا استقلال العرب وقيام المملكة العربية، ولكن مع الأسف لم تتحقق هذه الوعود.. بعد".
اي بين الحسين التغيرات التي حدثت من تطور علاقة الحسين مع الجمعيات العربية وميثاق دمشق الذي له دور مركزي بهذه الثورة ودخول تركيا بالحرب الكونية والتقاء مصالح بريطانيا مع مصالح الثورة الى جانب المراسلات التاريخية مع قائد الثورة .
وعن ثقة الحسين بالتزام الحلفاء بالوعود ...؟
وكانت اجابته : " نعم، مع الأسف كنا واثقين ، ولو كان لدينا أي شك في أن الإنكليز سيخلفون وعودهم معنا بهذه الطريقة لما كنا أقدمنا على هذه الخطوة"، وتابع:" .. لا تعتقد بأن اتخاذ قرار الثورة على الدولة العثمانية كان قراراً سهلاً علينا، ليس من باب قدرتنا أو عدم قدرتنا على النصر، وإنما في النهاية هي دولة المسلمين التي حفظت كرامتهم وأعلت من شأنهم وشأن الدين الاسلامي لأكثر من 600 عام. واضاف : لو لم نكن واثقين من أن هذه الدولة تنهار، لما أقدمنا على الثورة. كان هدفنا أن نحاول إنقاذ ما تبقّى من هذه الامبراطورية المتفككة في أرضنا، في دولة جامعة قوية يمكن أن تصبح ذات شان يوماً ما بين الأمم، وربما إذا اطلعت على محادثتنا مع الإنكليز سيتضح لك بكل جلاء بأن همّنا كان أن نحفظ أرض العرب في دولة واحدة. القرار الذي اتخذته الجمعية المشؤومة ( الاتحاد والترقي ) بدخول الحرب كان قراراً بتدمير السّد الذي يقف في وجه السيل الجارف الطامع في بلادنا منذ عقود، وكان أمامنا خياران، إما أن ننجرف مع باقي أجزاء الدول المفككة أو نحاول أن ننقذ دولة العرب من الغرق في بحر الصراعات هذا.

يتبع ..