رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

أسعار السلع تنخفض بالتوازي مع مساهمة اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة بتقليص أنشطة الإنعاش الاقتصادي

أسعار السلع تنخفض بالتوازي مع مساهمة اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة بتقليص أنشطة الإنعاش الاقتصادي

جوهرة العرب - بقلم أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك

 

شهد قطاع السلع الأساسية إحدى أكبر خسائره الأسبوعية منذ بداية تداعيات كوفيد-19 في شهر مارس الماضي؛ حيث تراجعت أنشطة الإنعاش الاقتصادي بشكلٍ مُلفت بعد أن أكدت اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة عزمها تسريع الوتيرة المتوقعة لتشديد سياساتها بهدف تقليل مخاطر التضخم الكبيرة. كما واصلت السلطات الصينية جهودها لخفض مستويات التضخم عبر تخزين السلع والحدّ من المضاربات، في حين أدى ارتفاع الدولار إلى نشوء تأثيراتٍ سلبية بعد أن بلغ أعلى مستوىً له خلال شهرين مقابل سلة من العملات.

 

وظهر تحول مفاجئ في سياسة اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة هذا الأسبوع؛ إذ كشفت عن رفع أسعار الفائدة مرتين بحلول نهاية عام 2023، بعد أن أشارت توقعاتها في مارس أنها لن تشهد أي زيادات حتى عام 2024. ويعكس هذا التغيير شعور الكثير من أعضاء الاحتياطي الفيدرالي بعدم الارتياح إزاء الارتفاع الأخير لمستوى التضخم. وفيما يخص توقعات التضخم، ارتفعت مؤشرات التضخم الأساسية والكليّة بشكلٍ حاد لعام 2021 مقارنة بشهر مارس، في حين تم رفع توقعات التضخم الأساسية والكليّة بنسبة 0.1% فقط للعام المقبل، بدون أن يترافق ذلك مع أي مُراجعة أو تعديل للمستويات الأساسية المُحددة لعام 2023، ما يؤكد وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي بأن الضغوط التضخمية الحالية ستكون مؤقتة.

 

وتقبّلت السوق وجهة نظر الاحتياطي الفيدرالي بشأن حالة التضخم العابرة، وهو ما تجلى من خلال خفض معدل نقطة التعادل الأمريكي لعشرة أعوام أو معدل التضخم المتوقع بمقدار 25 نقطة أساس. وإضافة إلى قوة الدولار، فرضت هذه المُستجدات تأثيرات سلبية للغاية على التوقعات الأساسية بشأن أنشطة التداول. وشمل ذلك تأثير أنشطة الإنعاش الاقتصادي التي ساهمت مع الأساسيات القوية في ارتفاع السلع بشكل حاد خلال الأشهر الستة إلى التسعة الماضية.

 

 

النحاس عالي الجودة: تأثرت المعادن الصناعية على خلفية سعي السلطات الصينية للحد من أسعار السلع الأساسية، عبر توجيه الشركات الحكومية للسيطرة على المخاطر والحد من الانكشاف على أسواق السلع الخارجية. من جهة ثانية، أكدت الإدارة الوطنية للأغذية والاحتياطيات الاستراتيجية الشائعات الأخيرة بأنها ستبدأ قريباً بإطلاق المخزونات الاحتياطية للدولة من المعادن، بما فيها النحاس والألمنيوم والزنك، والتي سيتم بيعها على دفعات للمصنعين والشركات المصنعة. وتأثر النحاس عالي الجودة من ضعف الزخم الأخير، والذي تسبب بانخفاض مُدة المضاربات لأدنى مستوى لها في عامٍ واحد، وانخفاضها أيضاً إلى أدنى مستوى في ثمانية أسابيع، بعد أن أظهرت الأساسيات قصيرة الأمد علامات ضعفٍ واضحة.

 

ورغم ظهور بوادر تباطؤ في الطلب الصيني، لكن موجة الارتفاع طويل الأمد للنحاس لم تتأثر بأي توقفٍ مُفاجئ. وتُشير ردة فعل السوق خلال الأسبوع الماضي إلى حقيقة هامة حول الأسواق والتداول عموماً؛ فقد جاءت موجات ارتفاع قوية استجابةً لزيادة المبيعات في السوق و/أو تكشّف أساسيات جديدة يُمكنها دعم المضاربين، ممن لا يُظهرون اهتماماً كبير بمواضيع تداولهم ويواصلون زيادة انكشافهم إلى حين الحاجة للتوقف بناءً على حركة الأسعار.

 

ولم تكن موجة الضعف خلال الأسبوع ناتجة عن الخفض المفاجئ للتوقعات حول تشديد سياسة السوق على مدى السنوات القادمة؛ حيث يواجه العرض المُفتقر للمرونة صعوبات في تلبية الطلب المتزايد بسبب زخم قطاع الطاقة الكهربائية، في حين حرص المستثمرون على تخفيض انكشافهم في السوق نتيجة الزخم السلبي وتراجع التركيز على النحاس كأداة للتحوط من التضخم وفق التوجيهات الأخيرة للجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة.

 

المصدر: مجموعة ساكسو

 

واجه الذهب والفضة موجات تصحيح حادة بعد تأكيد اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة بأنها ستُسرّع الوتيرة المتوقعة لتشديد سياساتها. وفوجئت الأسواق بحجم تعديل التوقعات لسياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي، كما ارتفعت عوائد سندات الخزانة بشكل حاد، بالتوازي مع تنامي قوة الدولار. ورغم ارتفاع سندات الخزانة الأمريكية قبل عطلة نهاية الأسبوع، لكن التطورات الفنية للأسعار تأثرت بشكلٍ سلبي، وقد يحتاج الذهب والفضة لفترة طويلة من أجل الحصول على الدعم والتماسك مجدداً.

 

ويحافظ الذهب على خاصيته كأكثر السلع حساسية لأسعار الفائدة والدولار، ورغم أن سعر الدولار بلغ أعلى مستوى له في شهرين، شكّلت حركة عوائد سندات الخزانة العامل الأكثر قلقاً على مستوى السوق. وأقرّ مجلس الاحتياطي الفيدرالي بارتفاع التضخم، وقام برفع توقعاته لعامي 2022 و2023 بنسبة 0.1% لتصل إلى 2.1% و2.2% على التوالي. وساعد الاعتقاد الراسخ بأن التضخم سيكون لفترة مؤقتة في خفض معدل نقطة التعادل الأمريكي لعشرة أعوام بواقع 25 نقطة أساس، لترتفع بذلك العوائد الحقيقية بمقدار 10 نقاط أساس فقط خلال الأسبوع وتصل إلى 0.81%-، بعد الصعود الأولي السلبي للذهب.

 

كما تعرّض الذهب، الذي شهد تداولات متواضعة خلال الأيام التي سبقت اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة، لموجة تعثّر نتيجة ارتفاع أسعار الدولار والعوائد. وأدى حدوث اختراق إلى أدنى المتوسط المتحرك على مدى 200 عند 1838 دولار إلى تلاشي الكثير من عقود ومراكز التداول طويلة الأجل، في حين بدأت الصناديق التي تتبع التوجه طويل الأمد إعادة بناء مراكز تداول قصيرة الأجل. ومع اقتراب مؤشر القوة النسبية من مستوى البيع المُفرط في إشارة إلى تباطؤ محتمل في حالة البيع المُرتبطة بالظروف السلبية، تُظهر التوقعات بأن النطاق بين 1800 دولار و1770 دولار يمثل حالياً المستوى الأكثر حاجة لتلافي العودة إلى أدنى المُستويات المُسجلة في شهر مارس. ويجب أن يقترن تحقيق الأمان النسبي بالعودة إلى ما هو فوق مستوى 1825 دولار أو فوق المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم عند 1838 دولار.

 

المصدر: مجموعة ساكسو

 

واجهت سوق الحبوب أكبر انخفاض لها في يوم واحد (الخميس) منذ عام 2009؛ حيث ساهمت توقعات ظروف الطقس المواتية للمحاصيل في الغرب الأوسط الأمريكي وتحديات الإنتاج من المنتجين في جميع أنحاء العالم في تراجع التوجهات الإيجابية حول سوق الحبوب التي تتسم بأقصر دورة إنتاجية مقارنة بغيرها. ويُشير ذلك إلى أن القطاع الزراعي سينجح، في حال سمحت الأحوال الجوية، في تصحيح توقعات العرض من المستوى الضيق إلى الواسع من موسم إلى آخر.

 

وسجّلت العقود الآجلة لفول الصويا، والتي تتراوح نتيجة احتمال انخفاض الطلب على الوقود الحيوي من مصافي التكرير الأمريكية، واحدة من أكبر الخسائر اليومية لها على الإطلاق. كما تراجعت أسعار الذرة بأكثر من 12% عن الأسبوع السابق الذي شهد تداول أخبارٍ حول زيادة واردات الصين من الذرة بخمسة أضعاف، ما أدى إلى انخفاض الأسعار خلال عطلة نهاية الأسبوع.

 

وتتأثر السوق اليوم لدرجةٍ كبيرة بظروف الطقس والمناخ، حيث نرى بأن الأساسيات الداخلية للقطاع الزراعي مثل تحسن التوقعات بشأن المحاصيل ليست كافية لحدوث موجة تصحيح بهذا الحجم، كما هي الحال مع الأساسيات الحالية الضعيفة في سوق المعادن. وفي ضوء ذلك، يتحول التركيز إلى المستثمرين الماليين الذين تأثروا بالتغيير المفاجئ الذي أعلن عنه مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة ومعدلات التضخم. وعند استقرار الوضع العام بعد موجة تصفية طويلة الأمد، فإن ارتفاع السوق مُجدداً يتطلب حدوث تغييرٍ آخر في توقعات الطقس على المدى القصير.

 

النفط الخام: رغم حالة الضعف التي ظهرت ملامحها بوضوح في قطاعي المعادن والزراعة قبل اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة، استمد النفط الخام زخماً أقوى بفضل ارتفاع حجم الطلب والتزام أوبك بلس بخفض الإمدادات. وأدى انحراف الاتجاه الصاعد للسلع بعد اجتماع اللجنة لإطلاق بعض عمليات البيع الخفيفة نسبياً في قطاع النفط الخام.

 

ونعتقد حتى ذلك الحين بأن المضاربين سيواصلون الشراء بقوة لاعتقادهم بأن مخاطر التراجع كانت محدودة، خاصة مع التزام أوبك بلس بخفض الإمدادات بالتوازي مع ارتفاع الطلب. وتُشير وكالة الطاقة الدولية بأن الطلب قد يرتفع في أواخر العام المقبل إلى المستويات المُسجلة قبل أزمة كوفيد-19. من جهةٍ ثانية، لم يُساعد تسجيل انخفاض أسبوعي جديد في مخزونات النفط الخام الأمريكية بإضافة المزيد من القوة للأسعار، في ضوء تنامي مخزونات البنزين والديزل في ذات الوقت.

 

وبصرف النظر عن حالة الضعف التي تكشّفت بعد اجتماع اللجنة الفيدرالية للأسواق المفتوحة، استمدت الأسعار بعض الدعم من خلال التوقعات التي أطلقها كبار متداولي السلع في العالم، والذين أكدوا خلال قمة فايننشال تايمز لأسواق السلع العالمية بأن أسعار النفط قد تعود إلى 100 دولار على مدى السنوات المقبلة، خاصة مع تباطؤ الاستثمار بالإمدادات الجديدة وقيام شركات النفط الكبرى بتوجيه نفقات رأس المال إلى مصادر الطاقة المتجددة عوضاً من مواصلة إنتاج النفط والغاز. ويُسلط ذلك الضوء على مُشكلة محتملة، بسبب رغبة السياسيين والمستثمرين بالتوجّه نحو مصادر الطاقة المتجددة بوتيرة تفوق بكثير التغييرات الفعلية القابلة للتطبيق، ما قد يُفاقم خطر حدوث نقص في العرض، قبل أن يبدأ الطلب بالتباطؤ خلال النصف الثاني من هذا العقد.

 

ونعتقد وفق المُعطيات الحالية بأن أوبك بلس تواصل تحكمها القوي بالإمدادات، بالتوازي مع استمرار تعافي الطلب العالمي، حتى يبدأ المُنتجون غير الأعضاء في أوبك بلس التركيز على الإيرادات والربحية عبر زيادة الإنتاج. وستحمل الإجراءات المتعلقة بمستويات الإنتاج، والتي ستُحدد في اجتماع كبرى الدول المنتجة للنفط مطلع شهر يوليو، أهمية كبيرة لأنها سُترسل إشارة واضحة فيما إذا كانت تلك الدول -بقيادة المملكة العربية السعودية- تسعى إلى رفع الأسعار من خلال مواصلة تشديد المعروض، أو أنها ستُعطي الأولوية لاستقرار الأسعار عبر زيادة الإنتاج.