النفس وإبليس موضوعان مختلفان على الرغم من صلة التأثير الشيطاني على النفس الإنسانية، ولكي تتضح لنا الصورة فلا بد من بيان كلا على حده، ولنبدأ بالنفس لأن الله كرم الإنسان "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ..."وكرامة الإنسان من الفوارق والتقدم على الشيطان "إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ"
ربنا جل جلاله عندما خلق الإنسان نفخ فيه من روحه وهذا تكريم آخر والروح من متعلقات الجسد إذا أنقضى الأجل خرجت الروح من الجسد وهي داخلة في ذات النفس ومن النفس يظهر لنا التصرفات البشرية والأخلاقية وما يحاك في الصدور والقلوب وبه تتميز الأنفس وتعرف...
وبهذا قسم القرآن النفس الإنسانية ثلاث أقسام وبرهن على كل واحدة منها:-
أولا :- النفس الأمارة بالسوء"... إِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوۤءِ ..."من سمات وصفات هذه النفس تغري صاحبها وتزين له الملهيات والمهلكات فيغرق في أسوء الأعمال والأفعال فيدركه الأجل وقد فات عليه زهرة حياته وقربت وفاته ويئس من العودة للوراء للتوبة والإنابة بعد ما كثرت ذنوبه وآثامه وزادت أمراضه وتركته شهوات الدنيا رغما عن أنفه فضاعت حياته سدى دون طاعة لله وإنما لنفسه الأمارة بالسوء...
ثانيا :- النفس اللوامة، قال الله تعالى"... وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ ..." القيامة-2 أعتقد أن هذه النفس اللوامة والأمارة في صراع وتجاذب بينهما كل واحدة تجذب الإنسان جهتها ويبقى هو صاحب الاختيار والرجوع للصواب أو الوقوع في الآثام....وهنا يظهر دور إبليس فهو آمر ومزين للشهوات والموبقات وكثير الوسواس فهذه طريقة على النفوس الضعيفة، ولا طريق له على النفوس المطمئنة بالله" قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ" الأحقاف 85
إذن النفس اللوامة...كما ورد في شرح ابن عاشور "ووَصْفُ اللَّوّامَةِ مُبالَغَةٌ لِأنَّها تُكْثِرُ لَوْمَ صاحِبِها عَلى التَّقْصِيرِ في التَّقْوى والطّاعَةِ. وهَذا اللَّوْمُ هو المُعَبَّرُ عَنْهُ في الِاصْطِلاحِ بِالمُحاسَبَةِ، ولَوْمُها يَكُونُ بِتَفْكِيرِها وحَدِيثِها النَّفْسِيِّ. قالَ الحَسَنُ: ما يُرى المُؤْمِنُ إلّا يَلُومُ نَفْسَهُ عَلى ما فاتَ ويَنْدَمُ، يَلُومُ نَفْسَهُ عَلى الشَّرِّ لِمَ فَعَلَهُ وعَلى الخَيْرِ لِمَ لَمْ يَسْتَكْثِرْ مِنهُ، فَهَذِهِ نُفُوسٌ خَيِّرَةٌ حَقِيقَةٌ أنْ تَشْرُفَ بِالقَسَمِ بِها..." فهي حقيقة نفس المؤمن الذي يدرك نفسه قبل الغرق في الذنوب وإن حصل منه ذلك استدركته رحمة الله نظرا ليقظت قلبه ومحاسبة نفسه وعودته لطاعة الله..
ثالثا :- أفضلها النَّفْس المُطْمَئِنَّةِ "يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27)الفجر...وتصنيفها بصفة الاطمئنان من الرحمن لأنه هو أعلم بها، وثناء لها وعليها وبشارة لأصحابها يوم القيامة لكونها نفوس رضية مرضية مطمئنة، والاطمئنان لا يأتي من فراغ وإنما مِن سُكُونِ النَّفْسِ بِالتَّصْدِيقِ لِما جاءَ بِهِ القُرْآنُ الكريم وسنة رسوله ،أو مِن هُدُوءِ النَّفْسِ بِدُونِ خَوْفٍ ولا فِتْنَةٍ في الآخِرَةِ لما قدم من خير في الدنيا وما وعدهم به الرحمن "فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي.... وتصرفات هذه النفس وافقت القرآن والسنة فطمئنت للثواب دون العقاب في الآخرة, وهذه كله بتوفيق الله وما يبذله الإنسان في طاعته سبحانه....
الآن ما دور إبليس أو الشيطان وكلاهما لمسمى واحد، مما أشارنا اليه آنفا يتبين ويتضح أن النفس البشرية لها عدو لدود يتربص بها المنون وقد بدأت مع ابو البشر حينما أُمر إبليس بالسجود له "قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ ۖ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (76)سورة ص
إذا كان هذا مع آدم فكيف مع ذريته فهو بحرب دائمة بالإغواء والتضليل فينما يجد الإنسان يصور لها الشر أنه هو الخير والإحسان قال الله تعالى "كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (16)الحشر