رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

د. مصطفى التل: الدولة الأردنية ومحاولة انتاجها من جديد من رحم الدولة القومية الأوروبية واعادة صياغة النظام العام القانوني وآدابه وقيمه

د. مصطفى التل: الدولة الأردنية ومحاولة انتاجها من جديد من رحم الدولة القومية الأوروبية واعادة صياغة النظام العام القانوني وآدابه وقيمه
جوهرة العرب 

لا شك أن المجتمع الإنساني لا يستطيع التحرك إلا ضمن ثوابت أخلاقية , تتفاوت من مجتمع الى آخر , وهذه الثوابت تشكل بمجموعها العام النظام العام الأخلاقي لذلك المجتمع , الذي يُخرج من خلاله المنظومة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
هذه القيم الأخلاقية , معايير السلوك الانساني في ذلك المجتمع , و تُشكل بمجموعها العام المجتمع المتوازن , المجتمع الذي ينتشر فيه الوعي بالقيم ومن ثم الالتزام بها , ويرتبط بازدياد الوعي والإحساس بها مفاهيم التقدم والتطور .
لم يَدر في خُلد العقل الجمعي الأردني , في يوم من الأيام , ولا في لحظة من لحظاته التاريخية المجيدة , أن برامج أو مسلسلات تنتجها شبكات وهمية على الشبكة العنكبوتية , ستغزو اخلاقه علانية , ولم يدُر في خلده ولو للحظة , أنه سيكون في مجتمعه مَن يعتبرها ( مسألة قابلة للنقاش ) تلك المنظومة الأخلاقية العامة التي تشكل بمجموعها المجتمع الأردني بكافة انتاجاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ولا أنه تصوّر في يوم من الأيام , أن سلطاته التنفيذية متمثلة بالحكومة وأذرعها , أنها ستسمح لمثل هذه الأفلام , ومثل هذه البرامج الموجهة , أن تغزو مجتمعنا , دون تحريك ساكن .
ولم يدر حتى في أحلام الشعب الأردني , أن السلطة التشريعية في المجتمع الأردني , ستقف مشلولة بكماء صمّاء , أمام السلطة التنفيذية , التي تقف موقف المشجع من هذه البرامج الموجهة , كما هو ملموس على أرض الواقع من حيث التحرك العام وعدمه .
شبكة نتفلكس كمثال , عبثت بأخلاق المجتمع الأردني , ووجهت ضرباتها المتتالية لقلعة الأخلاق الأردنية , وسط ذهول المجتمع الأردني , وذهول منظومته الأخلاقية , مع شلل تام من السلطة التنفيذية وتقاعسها عن القيام بواجبها نحو صيانة المنظومة الأخلاقية العامة للمجتمع , والتي أخذت على عاتقها صيانة هذه المنظومة كأكبر استحقاق لاستلامها سلطاتها التنفيذية في هذا البلد .
 مما زاد الطين بلة , أنه خرج علينا أقوام , ينظّرون بأن هذه حرية شخصية , من شاء فليشاهد هذه البرامج , ومن لم يشأ منعها عنه وعن أسرته , وكأنهم أخضعوا مسلّمات الاخلاق في المجتمع الأردني الى يد النسبية الأخلاقية , وهذه المسلّمات قابلة للنقاش والتبدّل , وكأنها سلع تباع وتشترى .
متى كان في النظام العام الأردني الشواذ وقوم لوط يُقبض عليهم في مزارع خاصة , ويحولون الى الحاكم الإداري , ويطلق سراحهم آمنين مطمئنين الى مواخيرهم .؟!!
متى كان في النظام العام الأردني المواقع الإباحية تطرح للنقاش في مجلس الأمة , ويعجز مجلس الأمة عن منعها , بل تركت السلطة التنفيذية الخيار لولي الأمر في منعها أو عدم منعها ..؟!!
متى كان في النظام العام الأردني , اعتصامات لأصحاب المواخير والنوادي الليلية في الشوارع العامة , في مصادمة للعقل الجمعي الأردني ..؟!!
متى كان في النظام العام الأردني طرح ثوابت الدولة الأردنية وثوابت العقل الجمعي الأردني للنقاش , واعتبارها مسألة قابلة للنقاش ..؟!!
متى كان في النظام العام الأردني مسألة الدين وشرائعه مسألة قابلة للنقاش والرأي , لا بل الانتقاص من الدين الاسلامي العلني أصبحت مسألة رأي عام قابلة للنقاش ..؟!!

 

ولكن السؤال الأهم , والأكبر : من أين جاؤوا بهذه القوة والمجاهرة , حتى يتم اخضاع هذه القيم الأردنية المقدسة للنقاش , كرأي جمعي عام حسب تصورهم ؟! , ما هي منطلقات فلسلفتهم القيمية الأخلاقية والدينية , والتي يريدون اصباغها على الدولة الأردنية كعقل جمعي أردني ..؟!!

 

حتى نقف على جواب لهذا السؤال المتشعب حقيقة , لا بد من شرح سريع لنشأة النظام العام الحديث للدولة القومية , ومسألة النظام العام وتدرجه وتفاعل عناصره على المستوى الداخلي للدولة القومية , ونسبية الأخلاق التي يؤمن بها التيار الليبرالي الحديث والنيو ليبرال , الذين ابتلينا بهم رغما عن أنوفنا .