لا شك أن المجتمع الإنساني لا يستطيع التحرك إلا ضمن ثوابت أخلاقية , تتفاوت من مجتمع الى آخر , وهذه الثوابت تشكل بمجموعها العام النظام العام الأخلاقي لذلك المجتمع , الذي يُخرج من خلاله المنظومة العامة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
هذه القيم الأخلاقية , معايير السلوك الانساني في ذلك المجتمع , و تُشكل بمجموعها العام المجتمع المتوازن , المجتمع الذي ينتشر فيه الوعي بالقيم ومن ثم الالتزام بها , ويرتبط بازدياد الوعي والإحساس بها مفاهيم التقدم والتطور .
لم يَدر في خُلد العقل الجمعي الأردني , في يوم من الأيام , ولا في لحظة من لحظاته التاريخية المجيدة , أن برامج أو مسلسلات تنتجها شبكات وهمية على الشبكة العنكبوتية , ستغزو اخلاقه علانية , ولم يدُر في خلده ولو للحظة , أنه سيكون في مجتمعه مَن يعتبرها ( مسألة قابلة للنقاش ) تلك المنظومة الأخلاقية العامة التي تشكل بمجموعها المجتمع الأردني بكافة انتاجاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
ولا أنه تصوّر في يوم من الأيام , أن سلطاته التنفيذية متمثلة بالحكومة وأذرعها , أنها ستسمح لمثل هذه الأفلام , ومثل هذه البرامج الموجهة , أن تغزو مجتمعنا , دون تحريك ساكن .
ولم يدر حتى في أحلام الشعب الأردني , أن السلطة التشريعية في المجتمع الأردني , ستقف مشلولة بكماء صمّاء , أمام السلطة التنفيذية , التي تقف موقف المشجع من هذه البرامج الموجهة , كما هو ملموس على أرض الواقع من حيث التحرك العام وعدمه .
شبكة نتفلكس كمثال , عبثت بأخلاق المجتمع الأردني , ووجهت ضرباتها المتتالية لقلعة الأخلاق الأردنية , وسط ذهول المجتمع الأردني , وذهول منظومته الأخلاقية , مع شلل تام من السلطة التنفيذية وتقاعسها عن القيام بواجبها نحو صيانة المنظومة الأخلاقية العامة للمجتمع , والتي أخذت على عاتقها صيانة هذه المنظومة كأكبر استحقاق لاستلامها سلطاتها التنفيذية في هذا البلد .
مما زاد الطين بلة , أنه خرج علينا أقوام , ينظّرون بأن هذه حرية شخصية , من شاء فليشاهد هذه البرامج , ومن لم يشأ منعها عنه وعن أسرته , وكأنهم أخضعوا مسلّمات الاخلاق في المجتمع الأردني الى يد النسبية الأخلاقية , وهذه المسلّمات قابلة للنقاش والتبدّل , وكأنها سلع تباع وتشترى .
متى كان في النظام العام الأردني الشواذ وقوم لوط يُقبض عليهم في مزارع خاصة , ويحولون الى الحاكم الإداري , ويطلق سراحهم آمنين مطمئنين الى مواخيرهم .؟!!
متى كان في النظام العام الأردني المواقع الإباحية تطرح للنقاش في مجلس الأمة , ويعجز مجلس الأمة عن منعها , بل تركت السلطة التنفيذية الخيار لولي الأمر في منعها أو عدم منعها ..؟!!
متى كان في النظام العام الأردني , اعتصامات لأصحاب المواخير والنوادي الليلية في الشوارع العامة , في مصادمة للعقل الجمعي الأردني ..؟!!
متى كان في النظام العام الأردني طرح ثوابت الدولة الأردنية وثوابت العقل الجمعي الأردني للنقاش , واعتبارها مسألة قابلة للنقاش ..؟!!
متى كان في النظام العام الأردني مسألة الدين وشرائعه مسألة قابلة للنقاش والرأي , لا بل الانتقاص من الدين الاسلامي العلني أصبحت مسألة رأي عام قابلة للنقاش ..؟!!
ولكن السؤال الأهم , والأكبر : من أين جاؤوا بهذه القوة والمجاهرة , حتى يتم اخضاع هذه القيم الأردنية المقدسة للنقاش , كرأي جمعي عام حسب تصورهم ؟! , ما هي منطلقات فلسلفتهم القيمية الأخلاقية والدينية , والتي يريدون اصباغها على الدولة الأردنية كعقل جمعي أردني ..؟!!
حتى نقف على جواب لهذا السؤال المتشعب حقيقة , لا بد من شرح سريع لنشأة النظام العام الحديث للدولة القومية , ومسألة النظام العام وتدرجه وتفاعل عناصره على المستوى الداخلي للدولة القومية , ونسبية الأخلاق التي يؤمن بها التيار الليبرالي الحديث والنيو ليبرال , الذين ابتلينا بهم رغما عن أنوفنا .