عقد صندوق النقد الدولي لجنة نقاش عن مسارات التعافي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفریقیا
تزامناً مع إصدار الصندوق لتقریره السنوي "آفاق الاقتصاد الإقلیمي في الشرق الأوسط وشمال أفریقیا”،
أكثر استدامة وشمول للجمیع. الذي یبین التقدم المحرز في المنطقة في أعقاب الجائحة والسیاسات التي قد تساعد في التعافي على نحو
وتحدث ضمن لجنة النقاش التي أدارتھا بیكي أندرسون من سي إن إن، جھاد عزور، مدیر الشرق
الأوسط وآسیا الوسطى لدى صندوق النقد الدولي، وبدر جعفر، الرئیس التنفیذي للھلال للمشاریع،
وشریف كامل، عمید كلیة إدارة الأعمال في الجامعة الأمریكیة في القاھرة، ومونیكا مالك، كبیرة
لقد أحرزت عدة دول في المنطقة وبالتحدید في منطقة الخلیج تقدماً ملحوظاً، ولكن بوتیرة غیر منتظمة. الاقتصادیین في بنك أبوظبي التجاري.
ھذا ما أشار إلیھ جھاد عزور في حدیثھ قائلاً: "منذ بدایة ھذا العام ودول المنطقة تواصل تقدمھا وتعافیھا
رغم موجات الفیروس الجدیدة. بید أن مستویات التعافي ھذه لیست منتظمة ولا مكتملة، لا سیما مع
التحدیات المستجدة الطارئة، مثل ارتفاع التضخم وعدم تكافؤ الفرص والظروف. بعبارة أخرى، ستحظى
البلدان التي تمتلك معدلات تطعیم أعلى ومجالاً أوسع لوضع السیاسات والتي تعد أقل اعتماداً على
السیاحة، بوتیرة تعافٍ أسرع وستكون أقل تضرراً بالجائحة على المدى البعید، كما أن الدول المصدرة
للنفط ستستفید من ارتفاع أسعار النفط.”
ورغم أن حملات التطعیم قد تسارعت وتوسعت بكثرة في دول الخلیج وبعض الدول الأخرى، ما تزال
نسبة المطاعیم الممنوحة على مستوى المنطقة تشكل 8 بالمئة فقط من الممنوحة على مستوى العالم مع أن
سكان ھذه المنطقة یمثلون 14 بالمئة من سكان العالم. وتشتد الأضرار التي خلفتھا الجائحة بالتحدید على
الشباب والنساء والعمال المھاجرین والشركات الصغیرة والمتوسطة، إذ أفاد تقریر صندوق النقد الدولي
أن 34 بالمئة من الشركات الصغیرة والمتوسطة التي كانت مبیعاتھا الأكثر انخافضاً إبان الجائحة، قد
الشركات الكبیرة المستفیدة من دعم السیاسات إلى 48 بالمئة. نالت صورة واحدة على الأقل من صور الدعم المھیأ من السیاسات المعنیة، في حین وصلت نسبة
وعلى الرغم من التحدیات المستجدة التي تواجھھا دول المنطقة في تعافیھا من الجائحة، أشار بدر جعفر
إلى ظھور توجھات إیجابیة جدیدة عبر القطاع الخاص. ومع الارتفاع القیاسي الشدید في حجم
الاستثمارات الرأس مالیة في الشركات، ونمو وعي الأعمال وتوجھھا نحو تبني مبادئ الحوكمة البیئیة
والاجتماعیة والمؤسسیة، وضح بدر جعفر تزاید أھمیة الأعمال والدور الأشمل الذي تؤدیھ في تحقیق
الأھداف إذ قال: "یرتفع مستوى الثقة في قطاع الأعمال حول العالم، وأصبحنا نرى في المنطقة توجھا
مماثلاً لذلك، لا سیما وأن القطاع الخاص أصبح یعتبر شریكاً أساسیاً في تحقیق الأھداف الوطنیة لدول
المنطقة.”برزت الجائحة بكل وضوح أن حكومات العالم قاطبة لن تستطیع التغلب على الصدمات الاقتصادیة
والتحدیات المستجدة لوحدھا. وتوضیحاً لذلك، قال بدر جعفر: "لقد أجبرت الجائحة، بعدة طرق، مختلف
القطاعات في جمیع أنحاء العالم على التعاون. فحملات التطعیم مثلاً ھي نموذج واضح للشراكة الناجحة
بین القطاعات العامة والخاصة والمجتمع. وكلي أمل أن تكون التجارب التي مررنا بھا جمیعاً في السنة
والنصف الماضیة مصدر إلھام ونموذجاً یحتذى بھ في تنفیذ الشراكات والتعاون الذي تحتاج إلیھ المنطقة
لتتمكن من التغلب على أشد التحدیات التي تواجھھا.”
ویتحتم على مجتمع الأعمال أن یكون جزءاً من الحل، إذ أبرز تقریر صندوق النقد الدولي أن من
المطالب الأساسیة لتحقیق مستویات تعافٍ نوعیة وجذریة في المنطقة ھو إعادة توجیھ دور الحكومات
وجھودھا بالتركیز على تعزیز الصحة والتعلیم، وإنشاء منظومات دعم مجتمعي، وتنفیذ إصلاحات
تنظیمیة ترفع من مستوى التنافسیة وتشجع القطاع الخاص على الابتكار والنمو.
ومن بین التوصیات المتعددة التي قدمھا تقریر "آفاق الاقتصاد الإقلیمي” لواضعي السیاسات ضرورة
صیاغة السیاسات المالیة بدقة وحذر. فاعتماداً على مستوى التعافي الاقتصادي ومدى الدعم الذي تقدمھ
السیاسات المعنیة للشركات، قد تضطر 15 إلى 25 بالمئة من الأعمال في المنطقة إما إلى إعادة الھیكلة
أو التصفیة بالكامل. لذلك یجب أن یتم سحب الدعم المالي بصورة تدریجیة تضمن عدم التسبب بعجز
المادي. الشركات عن سداد التزاماتھا، ما قد یضر بتعافي القطاع الخاص وإمكانیات التوظیف لدیھ واستقراره
وإلى جانب ما قدمھ صندوق النقد الدولي من دعم فني وتوجیھ بخصوص وضع السیاسات لأعضائھ في
المنطقة، قدم الصندوق أیضاً تمویلات تصل إلى 20 ملیار دولار أمریكي منذ بدایة الجائحة، وخصص
حقوق سحب خاصة بقیمة 3.49 ملیار دولار تدعم الأصول الاحتیاطیة الإقلیمیة وتساعد الدول على
إدارة المفاضلات الصعبة التي یواجھونھا عند وضع السیاسات.
وفي المحصلة، ستضطر العدید من الدول إلى اتخاذ قرارات وإجراء مفاضلات صعبة عند صیاغتھا
للسیاسات التي ستقودھا نحو التعافي في أعقاب الجائحة. ولكن بالسیاسات المحسَّنة والاستثمارات
أكثر استدامة ومرونة یتیح فرص النمو والازدھار لجمیع الفئات والأفراد. الاستشرافیة بعیدة النظر، قد تتمكن دول المنطقة من تحقیق تعافٍ نوعي وجذري، وتستطیع بناء مستقبل