آخر الأخبار

م.علي أبو صعيليك يكتب...هل تستمر الفجوة في الأردن بين القانون الانتخابي ومستوى طموحات المواطنين؟

م.علي أبو صعيليك يكتب...هل تستمر الفجوة في الأردن بين القانون الانتخابي ومستوى طموحات المواطنين؟
جوهرة العرب/ م.علي أبو صعيليك


قسَّم النظام الانتخابي الجديد الذي أفرزته توصيات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية المملكة إلى دائرة عامة واحدة تشمل كافة أنحاء المملكة وأيضا 18 دائرة انتخابية محلية موزعة بين المحافظات، بحيث يكون مجموع أعضاء مجلس النواب 138 نائباً، منهم 41 مقعد مخصص للدائرة العامة المخصصة للأحزاب السياسية والتي لها أيضاً مقعدان على الأقل للمسيحيين ومقعد واحد على الأقل للشركس والشيشان، إضافة إلى تلك التقسيمات فقد أوصت اللجنة أيضا ببعض الميزات للمرأة والشباب ليضمن وجود تمثيل لمختلف الشرائح المجتمعية.
 
ورغم أن الحياة البرلمانية في الأردن تعتبر من التجارب الرائدة في المنطقة، إذ بدأت عام 1923 إلا أن فكرة مراجعة القانون الانتخابي في الأردن هي إجراء قد سبق الكثير من الدورات الانتخابية السابقة، ونادرا ما تم الاستمرار بنفس القانون الانتخابي لثلاثة دورات متتالية، ورغم عراقة التجربة إلا أن استمرار مراجعة وتغيير النظام الانتخابي يعني بشكل أو بأخر عدم نضوج تلك التجربة.
 
على سبيل المثال في انتخابات عام 2013 تم تخصيص 27 مقعد للقوائم الوطنية من أجل دعم الأحزاب السياسية وباقي المقاعد للمستقلين، وهي تجربة مشابهة كثيراً في مضمونها للقانون المقترح حاليا للانتخابات المقبلة بعد أكثر من عامين، ولكن لم يتم الصبر على تلك الفكرة في حينها وبالتالي لم تؤتي ثمارها وتم تغييرها في الدورة الانتخابية التالية، فهل يتم الصبر على التجربة الجديدة؟
 
وعلى الجانب الأخر فإن البحث المستمر عن حياة كريمة وكذلك الانتماءات العشائرية والعائلية تشكل أبرز دوافع المواطن الانتخابية وهذه الدوافع لم يقترب القانون منها.
الحياة الكريمة بتفاصيلها الأساسية من نظام تعليم متطور ونظام صحي وفرص عمل وبنية تحتية وغيرها متراجعة كثيراً مع تردي الأوضاع الاقتصادية ومع جائحة الكورونا أصبح التحدي أكبر بكثير من إمكانيات شريحة واسعة من المواطنين، ولذلك فإن أغلب النواب يجدون أنفسهم في مسيرة دائمة من العمل على حل مشاكل الناخبين.
 
ولذلك ومع مرور التجارب الانتخابية التي لم تنعكس ايجابياً على هذه التفاصيل الحياتية، يجد المواطن نفسه في حيرة من أمره من جدوى سلسة التغييرات التي تصيب القوانين الانتخابية قبل كل دورة جديدة، ويزداد النفور وابتعاد شريحة من المواطنين عن صناديق الاقتراع.
أما من ناحية الانتماءات العشائرية والعائلية فإن الشريحة الأكبر من المواطنين تفضل مرشح العشيرة لأنها تجد فيه الميزات الخدماتية، وهذا ما يؤكده إحجام بعض أعضاء الأحزاب عن الترشح في الدوائر المحلية بصفتهم الحزبية وتفضيلهم للترشح بصفة شخصية واجتماعية وذلك لزيادة فرصته في النجاح.
 
ولذلك فإن الفجوة بين الأحزاب بأنظمتها الفكرية وبين العشائرية بطموحاتها وعمقها الشعبي هي فجوة عميقة لم يعمل القانون الانتخابي على إيجاد نقاط تلاقي بينهما بما يزيد من فرصة الأحزاب في انتشارها خصوصا خارج العاصمة عمان، وبالتالي يبقى القانون الانتخابي الذي لا يتعامل مع هذه الجزئية قانون غير ناضج.
 
الحياة الحزبية في الأردن لم تأخذ فرصاً كافيةً لكي تنتشر بين الناس بما قد ينعكس إيجاباً على المجتمع، وباستثناء حزب جبهة العمل الإسلامي لم يستطع أي فكر حزبي أن يجد له قاعدة شعبية وهذا له أسباب عديدة أبرزها تقييد الفكر الحزبي الذي قد يكون بسبب القلق من هاجس سيطرة التيار الإسلامي الشعبية.
 
وعلى سبيل المثال وفي المملكة المغربية الشقيقة وصل حزب العدالة والتنمية ذو المرجعية الإسلامية للبرلمان وشَكَّلَ الحكومة المغربية عدة دورات ومؤخراً خسر الانتخابات وهذه التجربة يمكن القياس عليها "بما يتناسب مع النموذج الأردني" بأن وصول التيار الإسلامي ليس بالهاجس خصوصاً مع وجود دستور للدولة يعمل الحزب في إطاره.
أصبح التجديد في الحياة العامة من ناحية الفكر والشخوص أفضل بمراحل من استمرار نفس الفكر التقليدي بشخوصه مطلباً شعبياً، خصوصاً أن الاقتصاد "عصب الحياة" لابد له من إدارات غير تقليدية تدير الدفة بإبداع نحو بر الأمان، ويوجد العديد من التجارب الناجحة عالمياً في الإبداع والإبتكار يمكن الاستفادة منها وأبرزها سنغافورة التي لا تختلف مقوماتها عن مقومات وطننا.
 
مما لا شك فيه أن تشجيع القانون الانتخابي المقترح للفكر الحزبي ستكون له فوائده على المدى البعيد عندما تنضج الفكرة في المجتمع بشرط أن يتم تنفيذ الفكرة بدون محاباة لطرف على حساب طرف أخر وأن يكون هنالك استمرارية للقانون الانتخابي لا أن يكون حقل تجارب كما جرت العادة في أغلب الدورات الانتخابية السابقة.