السریة بفرنسا، ومستشار رئیس الوزراء الفرنسي الأسبق جون بیار رافاران، وذلك في قاعة
السلام بمقر المركز في أبوظبي.
وأشار الدكتور حكیم القروي في بدایة
محاضرتھ إلى أنھ تناول مسائل التنوع على
مدى 15 عاماً بصفتھ مؤسساً لمجموعة
القرن الحادي والعشرین، واعتمد القاعدة
نفسھا دائماً: لا تتدخل في الأمور الدینیة
على اعتبار أن الدین مسألة خاصة بالكامل.
وقال إن كل ھذا تغیر بعد واقعة "شارلي
إیبدو"، داعیاً إلى دراسة المسائل الواقعیة،
وھو ما یبدأ بتقدیر الموقف. وفھم المشھد
الأیدیولوجي الإسلامي مشیراً إلى أن النتیجة
الأولى التي خلص إلیھا تقریره ھو أنھ لیس
ثمة مجتمع مسلم في فرنسا، وأن الإخوان
المسلمین خسروا معركتھم في فرنسا، وأن
الجماعات الإسلامویة السلفیة المتطرفة ھي
البدیل الصاعد.
وقال إنھ لا توجد جالیة مسلمة منغلقة على ذاتھا في فرنسا؛ لأن المسلمین ھناك لا یعتبرون
أنفسھم جزءاً من أي مجتمع مسلم منغلق، وأضاف أن المساجد في فرنسا مكدسة في مدن مثل
لیون وساحل البحر المتوسط، حیث یتركز %80 من المسلمین في %50 من الإقلیم الفرنسي،
كما أن المسلمین في فرنسا أكثر التزاماً في عبادتھم من الكاثولیك، موضحاً أن ثلثي مسلمي فرنسا
یصلون في المساجد مقابل %5 فقط من المسیحیین الكاثولیك الذین یذھبون إلى الكنیسة، مضیفاًأن ربع المسلمین الذین یعیشون في فرنسا ھم ضد المؤسسات الوطنیة الفرنسیة، ویستخدمون
الإسلام للتعبیر عن معارضتھم تلك ولإیجاد بدائل للثقافة الفرنسیة، وأشار إلى أن ھناك فجوة
كبیرة بین المسلمین الفرنسیین حیث إن %30 منھم غیر متدینین وذلك في إطار محاولتھم في
الاندماج بالمجتمع الفرنسي.
وأوضح أن الإخوان المسلمین جاؤوا إلى فرنسا من مصر ودول المغرب العربي في ستینیات
القرن الماضي، وشكَّلوا اتحاداً للمنظمات الإسلامیة، وقد استطاعوا تنظیم خدمات اجتماعیة
للجالیة المسلمة لإبراز ھویتھم في فرنسا، وھو الأمر الذي ینطبق على أوروبا أیضاً، وأشار إلى
خسارة الجماعة للجیل الثاني من المھاجرین المسلمین في فرنسا الذین تأثروا بالحركة السلفیة.
كما أكد أن ھناك أزمة ھویة لدى
الإخوان في فرنسا، إذ لا یعتبرون
أنفسھم فرنسیین بالكامل.
وذكر المحاضر أن الإسلام
الفرنسي الآن أصبح صیغة ھجینة
من المتشددین الذین یملكون قدرة
تأثیر كبیرة في مسلمي فرنسا. وقال
إن السبب في نجاح الأصولیین في
التغلغل بفرنسا، لاسیَّما الإخوان
المسلمین، یعود إلى الاضطراب
الأسري الكبیر الموجود في فرنسا،
واستغلال ھؤلاء لفراغ الساحة من
أي منابر أخرى للمسلمین لتقدیم أیدیولوجیتھم مُدَّعین أنھم مصدر التفسیر الوحید للإسلام.
ودعا القروي إلى ضرورة إیجاد وسائل أخرى غیر الأداة التشریعیة لمحاربة أیدیولوجیة الإخوان
المسلمین. وقال إن الأمر الأكثر لفتاً للانتباه في الجھادیین الشباب في فرنسا ھو أن معظمھم أتوا
من أسر غیر مستقرة اجتماعیاً إذ یعیشون حیاة المھاجرین الفقیرة.
وذكر المحاضر أن الرئیس الفرنسي إیمانویل ماكرون یمیل إلى إنشاء منظمة تسمح لھ بالحوار
مع مسلمي فرنسا والإشراف علیھم، حسب اعتقاده. وأوضح أن المشرع الفرنسي فتح نقاشاً حول
كیفیة إیقاف الفكر الإسلاموي ولكنھ لم یحقق شیئاً، لأن المشكلة لیست في كبح نفوذ حركة أو
تنظیم، بل یتعلق الأمر بأفكار وتصرفات وسلوكیات.
وأوضح القروي أن الإسلام بالنسبة إلى الكثیر من المسلمین في فرنسا ھو التدین البسیط الذي
یختلف عن العمل السیاسي الإسلامي الموجود في شمال أفریقیا، مشیراً إلى أنھ یعمل في الوقت
الراھن على إنتاج محتوى قادر على جذب أكثر من ملیون ونصف متابع من الشباب المسلمین،
لكن لا تزال مشكلة التمویل المادي تقف عائقاً أمام نجاح الأمر.وشدد على ضرورة إیجاد بدیل للإسلامویین إذ إن العدید من الناس ینتظرون ھذا البدیل والفرصة
مواتیة لذلك، موضحاً أنھ في الوقت الراھن بدا نفوذ الإسلامویین في الانحسار، خصوصاً في
بلجیكا وإیرلندا وفرنسا نظراً لعدم قدرتھم على التأثیر في أوساط الشباب والمتعلمین.
وجرى نقاش بین المحاضر
والحضور أداره الدكتور وائل
صالح الباحث الرئیسي في برنامج
دراسات الإسلام السیاسي ورئیس
وحدة متابعة الاتجاھات المعرفیة
بالعالم في "تریندز"، إذ أكد أن
الحوار العربي الغربي أصبح
ضرورة ملحَّة، فلم تُدرَس
الإسلامویة بشكلٍ كافٍ بعد لسبر
غورھا وتفكیك الأفكار النمطیة
حولھا وحسم الجدل بشأنھا،
بوصفھا ظاھرة ممتدة منذ نحو
قرن في العالمَین العربي والإسلامي. وقال إن مركز تریندز یطمح من خلال أنشطة قادمة بأن
یكون راعي ذلك الحوار العلمي.
وكان الدكتور صالح قد أشار في البدایة إلى أن مركز "تریندز" انطلاقاً من احترامھ لمبدأي
المواطنة والعیش المشترك بسلامٍ معاً، لم یتوقف یوماً عن مجابھة أیدیولوجیا جماعة الإخوان
المتطرفة بطبیعتھا بشتى السُّبل، وعلى رأسھا المجابھة المعلوماتیة والمعرفیة وذلك لما تمثلھ تلك
الأیدیولوجیة من خطرٍ على المجتمعات كافة سواء في العالم العربي أو خارجھ، ولتحقیق ھذا
الھدف فإنھ ینشر الدراسات العلمیة ویُنظم الفعالیات والمحاضرات للإسھام في التوعیة بخطر
تلك الجماعة.
وأوضح أنھ وبعكس ما یعتقد الكثیر من الباحثین خصوصاً في الغرب، كل شيء متغیـر لدى
الإسلامویة إلا السعي إلى السلطة أو الاحتفاظ بھا، فھو الثابت الوحید في تاریخھا الذي یُضحَى
من أجلھ بالإنسان وبالمنظومة الأخلاقیة للدین نفسھ، إنھ تدینٌ ضد الدین، لا یعبدُ غیر السلطة.