رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

سحر حمزه تكتب : آخر النساء الواقفات

سحر حمزه تكتب : آخر النساء الواقفات
جوهرة العرب 

سأروي لكم حكاية من حكايات سيدة ألليلك ،قد عفى عليها الزمن منذ سنوات ،لكنها لا تنسى من حياتها ،وسطرت بلون الحب ولون ألليلك الرومانسي الجميل  ،بداية الحكاية كانت تعارف عابر وتعبير عن إعجاب ولفت أنظار حينها ،لم أكن أعلم أن تصل مشاعر  الحب والإعجاب بامرأة عادية مثلي لهذه الدرجة ،فقد كان حينها عشق خاص معطر بوله وتعاطف ومدح وذكر سمات وصفات جميلة ، لم تقال لأحد مسبقا هكذا والتي قدمتها لي الشابة الجميلة التي طلب وظيفة لتعمل كسكرتيرة حينها في المكتب ،وبدأت تروي لي قصصا كنت قد نسيتها وألقتها على مسمعي لكن بعضها أطربني وبعضها أثار حفيظتي وآثار تساؤلاتي حولها  ،وهي تشيد بي وتمدحني وتتغزل وتعبر عن حبها المفاجئ لي الذي تقدمه يوميا على طبق من ذهب معطر بالحب مزين بالورود .
كانت فتاة جميلة جاذبة وهي في الحقيقة فتاة رائعة ذكية لديها طموح وخطط وأحلام كثيرة  ،كانت تحلم بتعلم مهنتي والسير على ركبي في طريقة عرض قصص وحكاياتي الصحفية منذ البدايات منذ عام 97 ، وكان لها السبق بان تطلق علي أسم "سيدة ألليلك"لأنها تعرف اختياراتي لألوان البنفسج بمكتبي وملابسي وورودي وكل مراحل حياتي  ، وأعجبها اللقب كثيرا  بعد إعلاني الترشح الرسمي للانتخابات البرلمانية عام 2003 عن مقعد الدائرة الأولى في محافظة مأدبا مدينة الفسيفساء الأردنية الجميلة  ،وقد زاد إعجابها كثيرا حين أعلنت برنامجي وشعاري "إذا قلت فعلت ”وما زلت !!!.

 حرصت خلال تلك الفترة وما زلت على كل  النساء والأطفال والشباب في مدنتنا الساحرة ، وكانت ريم كل صباح تنقل لي عندما نجلس معا مع  فنجان القهوة ردود فعل الناس حول ترشحي للانتخابات ،وكانت تقول لي ما يرددونه حول جرأتي في مساعدتهم ووقوفي إلى جانبهم وتحديات كثيرة واجهتها مع بعض الجهات الخدمية كي أساعدهم ،لم أكن أعلم أنها كتبت أروع مقال نشر في صحيفة يومية كانت تصدر خلال الفترة المسموح للدعاية الانتخابية فيها بعنوان "آخر النساء الواقفات" ،وهي على يقين أنها تعبر عن جزء كبير مني  كنموذج حي لأمراه مكافحة ضحت كثيرا من أجل رسالتها الإعلامية وما وصفته عني في  نقل معاناة الآلاف في قرى نائية ومناطق منسية ونقلت حكايات وقصص الفقر التي لا يعرفها أحد إلا هي  .
ذات يوم قاطعتني تلك الصبية فجأة ورحلت عني في منتصف الطريق، ورحلت دون وداع ودون سابق إنذار متخذة ذرائع غير مقنعة عن سبب توقفها عن العمل معي  وعن مواصلة دعم الحملة الانتخابية الخاصة بي ،مشيرة إلى ظروف أسرية ومصاعب وتحديات بسبب وقوفها لجانبي خلال فترة الانتخابات ،ثم لحقتها الموظفة الثانية وكأن أسمها رانيا التي قالت لي بجرأة :"أنا  لا أستطيع أن أقف إلى جانبك  في حين أن أهلي يدعمون مرشح آخر من عشيرتي  ،ثم تبعتها "أسماء” متخذة ذريعة غير منطقية في تخليها عني بالوقوف لجانبي في تلك الفترة العصيبة. رغم ذلك بقيت واقفة أواجه وحدي  تيارات مغايرة في تلك المنطقة العشائرية الملتهبة ما بين طائفية وعشائرية وحزبية وقومية وآخرين ممن  ارتدوا ثياب الوطن ،وهم  عراة من انتمائهم للأرض والإنسان في مدنيتي الصغيرة التي تحتضنها الخارطة المئوية ،وخارطة طريق  للانتخابات الأردنية في ذلك الحين .

 رغم ذلك وقفت وحدي مع توكلي على الله وثقتي بنفسي وكان سندي في ذلك الله سبحانه وتعالى وبعض المتطوعين المندسين علي من منافسين آخرين الذين كانوا ينقلون أخباري لهم، ممن هبطوا من السماء بحجة وقوفهم إلى جانبي في هذه المرحلة الصعبة التي تخلى فيها الجميع عني .

وحين كان يوم الحسم ويوم الاقتراع لفرز الأصوات لعدد   الناخبين كانت هناك عشرة صناديق خلت منها أية ورقة تحمل أسمي باستثناء صندوق رقم واحد الذي عثر فيها على خمسة وتسعون صوتا و ورقة كتب فيها أسم المرشحة الأخيرة "الدائرة الأولى " وأذكر حينها أحد المرشحين الذي ستشاط غضبا وقال دون خجل "والله لو أعرف من هم الذين أعطوها أصواتهم لأخرب بيتهم” ،"قال أيضا دون خجل "لقد دفعت لكافة مؤيديها حتى فريق العمل معها  دفعت لهم ألفي دينار لأسرهم كي يتركوها .

أذكر حينها كيف وقف آخر المتطوعين ورائي كي لا أسقط على الأرض ظنا منهم أنه سيغمى علي من شدة الصدمة لخلو الصناديق من أسمي  ،لكن اللحظة كانت أقوى حين أعلن المحافظ أسماء الفائزين الثلاثة الذين حصلوا على أعلى أصوات وكانت نظرات الشفقة مسلطة علي لترقب حالي  لحالي والتي تحولت جميعها اتجاهي .

لكن اللحظة كما ذكرت كانت أقوى من توقعاتهم وفوق كل ما أرادوا لي أن أسقط  أمامهم لأقع من قواميسهم ،حين   أخرجت من حقيبتي الدفتر والقلم والكاميرا التي تلازمني كصحفية، ونقلت أسماء الفائزين الثلاثة والتقطت بعض الصور للمحافظ وأعوانه وهو يزف الفوز لمندوبي المرشحين بفرح غامر وفق ما خططوا له ،فاقتربت منه بجرأة وقلت له "لقد عدت إليك سيدي صحفية لا نقل خبر نتائج دائرتنا لتنشر غدا صباحا في صحيفتنا "العرب اليوم” حينها فقال بابتسامة تخفي وراءها الكثير من الشماتة والاستغراب الذي لم أفسره حينها وعرفت أنه نوع من التشفي  لما وصلت إليه .

وقال :الله عليك يا سحر ما شاء الله عليك ما زلت صامدة  ،وذهبت مهرولة إلى سيارتي وغادرت إلى مكتبه لإرسال فاكس للصحيفة بأسماء الفائزين بعد أن استأذنت منه ذلك ،ثم حملت أوراقي وبياناتي الانتخابية وغادرت إلى قمة جبل نيبو التاريخي  المطل على فلسطين الحبيبة لأغسل ما علق بي من شوائب ذهنية ظننت أنها قد تدفعني إلى التوقف عن العمل في مرحلة غيرت مجرى حياتي بعد دورة 2003.

 قررت ساعتها الرحيل عن وطني غادرت بعدها إلى دبي عاصمة الإبداع والابتكار ومدينة تحتضن كل أبداع وتستوعب أصحاب الطموح والأحلام الوردية لأي إنسان .

حزمت أمتعتي المتواضعة وغادرت باتجاه  مطار الملكة علياء حينها ،وتذكرت وأنا على متن الطائرة زيارتي الأولى للإمارات عام 2000 وما شهادته من تعامل راقي والتقدير لقيمة الإنسان بانجازه وعمله وطموحه ونجاحه وأهدافه النبيلة التي لا يتقبله فيها البعض كما في وطني .

كانت أنظر من فوق السحاب دون ندم أو دموع وكانت سعادتي مثل طير يحلق بالفضاء يريد الوصول إلى أعلى سحاب ،وكنت أرى الإنارة الجميلة وكأنها تستقبلني مرحبة بي لأحط برحالي هناك .وأنا أبتسم  من نافذة الطائرة وكأني أرى أهلي وصحبي الجدد ،فرحت كثيرا  كأني على موعد مع الحظ   ،وكان الطائرة التي أقلتني إلى بلاد السعادة وبلاد الحب والتفاؤل  والخير  تحمل طموحي إلى هذه البلاد ،وتحمل منجزاتي الضائعة دون ملفات ،وتؤكد لي بأن الدنيا بخير وأن هناك مستقبل أفضل في مكان ما وستكون بأذن الله هنا بالإمارات الحبيبة التي للآن أعطتني الكثير الذي يصعب علي سرده بمقال ،وكانت دوما ترافقني ريم بخيالها الطموح المحفز لي  ورانيا بذكائها وفطنتها وأحلامها وكفى الصحفية الواعدة التي كتبت معي الكثير من القصص والحكايات عن مدينة السلام والفسيفساء بمادبا وكنت أردد دوما كلمات خرجت من أفواههن وهي ما زالت في وجداني ومخيلتي لكن هناك كلمات لا تنسى من الذاكرة  ، كلمات ريم الفقهاء  يطربني وهي تقول  لي دوما ستبقى سيدة ألليلك آخر النساء الواقفات في كل زمان ومكان وهكذا إلى أن تنتهي حكايات ألليلك من أروقة المواقع والصحف والمجلات بأنواعها