رعى صاحبُ السُّموّ السيّد بلعرب بن
هيثم آل سعيد، مساء اليوم، الحفل الختامي لجائزة بلعرب بن هيثم للتصميم المعماري
الذي أقيم على ميدان دار الأوبرا السلطانية مسقط، وتضمن إعلان المشروعات الفائزة
بالمراكز الثلاثة الأولى، وتكريم أصحابها بدروع الجائزة التي تم تسليمها لأول مرة
على مستوى الجوائز بالوطن العربي بنسخ رقميّة تستخدم تقنية "الرموز غير
القابلة للاستبدال" المعروفة عالميًّا باختصار "NFT".
وتُوّج مشروع ميدان مطرح لكل من أحمد
بن محمد الجهضمي، وأميمة بنت محمود الهنائية، وعبدالله بن صالح البحري بالمركز
الأول، ويسعى المشروع ليعزز قيمة مطرح بمعالمها الفريدة، حيث يتوسط الميدان جسر
أيقوني جرى تصميمه بشكل طائر فوق البحر، استلهم من سيف الإمام الصلت بن مالك
الخروصي، ويؤطر الجسر معالم مطرح الشهيرة في صورة واحدة، وتحيط به ساحة متعددة
الاستخدامات تشمل نافورة راقصة ومحلات التجزئة ومقاهٍ، مع أضواء تتماهى مع أمواج
البحر. ويقع الميدان في موقع مميز أمام سوق مطرح للأسماك مطلا على الواجهة البحرية.
فيما حصل مشروع نصب التأسيس التذكاري
لناصر بن سلام الهيملي على المركز الثاني ويعكس التجربة الإنسانية العميقة في
سلطنة عُمان بتفاصيلها ودهشتها، حيث يجسد المشروع مسارًا يعيد رسم المستقبل
والتغيير في مفهوم المساحات المجتمعية بسلطنة عُمان.
ويتضمن المشروع ثلاثة أجزاء رئيسة،
المعلم الرأسي والمسارات التفاعلية والساحة. المعلم العمودي - الذي له تأثير عقلي
أكثر لأنه يشجع الخيال البشري - يتم وضعه في الخلفية بواسطة السماء، وهو رمز معروف
لإمكانات لا حدود لها، في حين أن هناك طريقين متصلين بالمعلم الرأسي - يمثلان
ارتباط الأمة بشعبها - حيث يتم يتمكن زوار المكان من النظر إلى المناظر الكاملة
لمطرح القديمة.
أما المركز الثالث فكان من نصيب مشروع
جناح مستقبل عُمان لطاهرة بنت محمد البوصافية ويعبر عن مساحة تستكشف فرص المستقبل
لصناعة حضور متميز لسلطنة عُمان في خريطة المستقبل، ويدمج المشروع بين عناصر
التاريخ والمستقبل لإبراز المبادرات والخطط لسلطنة عُمان مع فهم عميق وراسخ
لتراثنا وتاريخنا الممتد في جذور التاريخ.
ويتميّز المشروع بتناغم التباين بين
كتل معمارية متباينة في تشكيلها وتفاصيلها وموادها وتفاعلها مع الجاذبية، التباين
بين الكتلة المعمارية للقاعدة ومساحاتها العامة المتجذرة في أرض الموقع وبين كتلة
الجناح المنبثقة باتجاه البحر متحدية الجاذبية، تتناغم لتشكل معلمًا أفقيًّا ينتمي
للمحيط ولكن بذات الوقت يؤسس محيطًا جديدًا، واللغة المعمارية لكتلة القاعدة
والحديقة المحيطة متجذرة في تاريخ سلطنة عُمان ببساطتها وقوتها، بينما تنتمي كتلة
الجناح إلى المستقبل.
وكان الحفل قد تضمّن استعراضًا مرئيًّا
للمشروعات العشرة وما تحتويه من مرافق وخدمات، إضافة إلى كلمة لجنة التحكيم التي
ألقاها المهندس فؤاد بن عبدالله الكندي رئيس اللجنة، حيث أكّد على أن الجائزة
شكّلت محفّزًا أساسيًّا ودافعًا قويًّا للمعماريينَ والمصممين والمهندسين وغيرهم،
وأفرزت أفكارًا ملهمة وتصاميم مبدعة أكدت رصانةَ فلسفة الجائزة وأهدافها.
وأضاف أن الإقبال الكبير اللافت للنظر
للمشاركات، بالرغم من محددات الوقت، قد أكد الحماس القوي والقدرات الكامنة للشباب
والشابات للقيام بدورهم في صناعة مستقبل وطنهم، متى ما أُتيح لهم المجال، ونالوا
الثقة لذلك.
كما احتوى الحفل على مقابلات للمشاركين
وعرض للفيلم الختامي للجائزة.
وضمّت لجنة التحكيم المهندس فؤاد بن
عبدالله الكندي رئيسًا للجنة التحكيم، والدكتورة عالية بنت عبدالستار الهاشم
نائبةً للرئيس، وعضوية المهندس سلطان بن حمدون الحارثي، والمهندس حمد بن ناصر
الهنائي، والمهندس سيف بن علي الهنائي.
الجدير بالذكر أن مشروع ميدان مطرح
الفائز بالمركز الأول بُني على مجموعة من الأسس، تتمثل فيما يلي: إنشاء تحفة
معمارية فنية لتكون معلما سياحيا وتم تحديد المكان الأمثل لوضع المعلم بعد دراسة
المناظر من الموقع، وصمم ليكون جسرا أيقونيًّا وممشى مستلهما من سيف الإمام الصلت
بن مالك الخروصي، حيث تم تصميمه بطريقة هندسية دقيقة ليبرز بشكله الطائر فوق البحر
بارتفاع ١٠ أمتار بدرجة انسيابية، ويستخدم الألمنيوم ليشكّل غطاءً للجسر، لما له
من خصائص عاكسة ومقاومة للعوامل الجوية، ويؤطر الجسر معالم مطرح الشهيرة في مشهد
بانورامي مميز، واختير السيف لرمزيته التي تعكس الأمجاد العمانية باختلاف الأزمان،
لكون السيف رمزا للحكم؛ حيث توارثه حكام البلاد بعد عهد الإمام الصلت. يأخذ الجسرُ
الزائرَ عبر رحلة تاريخية لأهم إنجازات النهضة العمانية خلال الخمسين سنة الماضية،
وتزين أسطحه منحوتات لأبرز الأحداث التي شكلت النهضة، ومجموعة من الخطابات السامية
مكتوبة بالخط العربي ولغة برايل، ما يجعل المعلم يتناسب مع ذوي الإعاقات الجسدية
والبصرية.
كما روعي في المشروع استغلال إمكانات
الموقع المميز حيث صُمِّمَ المشروع ليشكّل مساحة عامة مُكمِّلة لحديقة ريام
الموجودة في الجانب المقابل من الواجهة البحرية، بذلك يصبح الموقع نقطة ارتكاز
موازنة، وتكون بمثابة نقطة انطلاق يستكشف من خلالها الزائرون القادمون بمركباتهم
أو عن طريق البواخر السياحية في الميناء مدينة مطرح العريقة.
وتشكّل أطراف الجسر مدرجا مكملا لشكله
البيضاوي مطلا على الميدان، موجدا بذلك مساحة متعددة الاستخدامات؛ تتيح لرواد
الأعمال إقامة أسواق ومعارض وفعاليات في الهواء الطلق، وتتوسط الميدان نوافير
راقصة، ومن حولها محلات التجزئة والمقاهي.
كما راعى التصميم إيجاد ديناميكية
للموقع حيث جاء تصميم المشروع بطريقة تعزز الحركة داخله من خلال التصميم
الانسيابي للمساحات العامة وبطريقة تتناسب مع متطلبات ذوي الإعاقة، وأخذ التصميم
بعين الاعتبار الحاجة لوجود مسطحات خضراء وأخرى مائية، وتم تحقيق ذلك أيضا من خلال
إضافة حديقة المنحوتات التي تتيح للفنانين مساحة لعرض أعمالهم الفنية بشكل دوري.
كما يتميّز المشروع بعروض الأضواء
المرتبطة بأجهزة استشعار موجودة في جميع أنحاء الموقع، بحيث تتزامن حركة الأضواء
مع صوت وإيقاع أمواج البحر، مما يوجد بذلك قطعة فنية ساحرة تجمع بين الفن والتقنية
والمعمار، وحرصا على الاستدامة تم استخدام الألواح الشمسية لتوفير جزء من الطاقة
المطلوبة، واستخدام مواد البناء والنباتات المحلية في المشروع.
وبذلك يكون مشروع ميدان مطرح الجزء
المكمل لرحلة الزائرين، ونقطة انطلاقهم لاستكشاف رحلة تاريخ سلطنة عُمان عبر
الأزمان.
واستهدفت الدورة الأولى للجائزة موقعًا
محددًا في منطقة حي الميناء بولاية مطرح في محافظة مسقط، مُطلًّا على الواجهة
البحرية بمساحة إجمالية تبلغ 7500 متر مربع، لإنشاء معلمٍ حيويٍّ يجسّد السنوات
الخمسين لنهضة سلطنة عُمان بقيادة المغفور له بإذن الله السُّلطان قابوس بن سعيد
-طيّب الله ثراه، ويستشرف تطلعات رؤية (عُمان 2040) بقيادة حضرة صاحب الجلالة
السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم -حفظه الله ورعاه-.
وكان الإعلان الرسمي عن الجائزة مساء
يوم السبت الموافق 15 يناير 2022م، واستقبلت الجائزة بانتهاء فترة تسليم المشاركات
356 مشاركة مكتملة، متوافقة مع الشروط، فيما تم استبعاد عدد من المشاركات التي
كانت مخالفة لشروط الجائزة.
وخضعت المشاركات المقبولة إلى تقييم
دقيق وفحصٍ شامل من قِبل لجنة التحكيم التي عملت على مدار أيام متتالية لدراسة تلك
المشاركات وتقييمها فنّيًّا بما يتوافق وأهداف الجائزة، بالإضافة إلى الشروط التي
أُقِرّت لذلك، ليتم بعد ذلك الإعلان عن تأهل 10 مشروعات قدّمها 19 شابًّا وشابّة
إلى مرحلة التصفيات النهائية، 5 منهم شاركوا بشكلٍ فردي، بينما ضمّت الفرق
الجماعية 14 مشاركًا ومشاركة.
واستعرض المتأهلون في نقاشٍ مباشر أمام
لجنة التحكيم عروضهم المفصّلة حول مشروعاتهم من كافة الجوانب الفنية والهندسية
وقابلية التنفيذ، على مدار يومي الأحد والاثنين 27 و 28 من فبراير الماضي بقاعة
المعارض بجامعة السلطان قابوس.
واستُكملت تلك العروض وما صاحبها من
نقاشات بمداولات واجتماعات تقييمية أخرى للجنة التحكيم، تدارست من خلالها
المشروعات المقدّمة من كافة جوانبها بهدف الخروج بأفضل 3 مشروعات تستحق التتويج
بالمراكز الثلاثة للجائزة.
وتنوعت المُشاركات المقدّمة للدورة
الأولى للجائزة، حيث قدّم المشاركون تصوُّرات وتصاميم متعددة لمعالم معمارية،
وبعضها لمجسمات ومبانٍ مستوحاة من الثقافة العُمانية، عوضًا عن المزارات السياحية
والمنشآت التجارية المستوحاة فكرتها من بعض مفردات التاريخ العُماني، بالإضافة إلى
المتنزهات والأسواق التجارية المفتوحة المزودة بالمرافق المتعددة.