تشكلت لجان عقارية بموجب قانون الملكية العقارية لعام 2019 تشكلت لجان من موظفين لدى دائرة الأراضي والمساحة وأصبحت اللجان العقارية بموجب ذات القانون المختصة حصريا بنظر القضايا و النزاعات المتعلقة في ملكية العقارات ومن ضمنها قضايا ازالة الشيوع ( الإفراز القضائي ) وبموجب القانون المشار اليه لم تعد السلطة القضائية /محاكم الصلح مختصة بنظر قضايا إزالة الشيوع .
ان اصدار القوانين يندرج ضمن اختصاص وسلطة مجلس النواب ولكنها سلطة ليست مطلقة بل مقيدة بأحكام الدستور ومبدأ الفصل بين سلطات الدولة الثلاث ووجوب عدم المسس بالحقوق الدستورية والا أضحى القانون معيبا ويتوجب الغاءه وتتضح مخالفة قانون الملكية العقارية لأحكام المواد 27 و 97 للدستور و المادة 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 14 من العهد الدولي الخاص التي نصت على وجود محاكم مختصة و مستقله محايدة تنظر في النزاعات بشكل علني من قضاة ( طبيعيين ) الا أن هذه اللجان تشكلت من موظفين اداريين واسند لهم اعمال هي تختص بها السلطة القضائية بصفتها صاحبة الولاية العامه تؤدي واجب من واجبات الدولة ومظهر من مظاهر سيادتها وتحضرها يؤديها قضاة يعينهم المجلس القضائي و لا سلطان عليهم في قضائهم الا القانون المادة 97 من الدستور
وبذلك اسند الدستور صلاحيات وسلطات اقامة القضاء وتوزيع العدالة بين المواطنين والمقيمين بيد السلطة القضائية و المحاكم التي استمدت شرعية اعمالها من نصوص الدستور و قانون استقلال القضاء الذي ينظم اعمال القضاء وطريقة تعيينهم والشروط الواجب توافرها في القاضي وقانون تشكيل المحاكم النظامية و مدونة السلوك القضائي بما يضمن كفاءة و حيدة ونزاهة من يتولى عمل القضاء وتأمين المرفق القضائي وضمان فعاليته وفقا للمواثيق والمعايير الدولية و ذلك لما لاعمال القضاء من أهمية بالغة تتطلب رعايتها وحمايتها أحكام خاصة تناسب طبيعتها الخاصة لا نظير لها في سلطة او وظيفة أخرى في الدولة .
الا أن قانون الملكية العقارية عند تشكيله للجان العقارية لم يراعي هذه الطبيعة الخاصة و الاحكام الدستورية والقانونية المذكورة ومنح موظفين اداريين مع الاحترام اختصاص وصلاحيات بديلا عن القضاء للفصل في النزاعات واصدار أحكاما ذات قوة نافذة بدون ضوابط او معايير لايصح الحكم بدونها.
اللجنة العقارية تتكون من موظفين يتبعون لوزارة المالية وتحكمهم قوانين الادارة ونظام الخدمة المدنية والتعليمات التي تصدر عن الوزارة ولعل اهمها ما يتعارض مع عملهم القضائي الجديد وهو خضوعهم وتبعيتهم لاحكام تعينهم وترفيعهم ونقلهم وتقييمهم السنوي و الزامهم اتباع أوامر رؤسائهم في العمل بل ان مخالفة أوامر رؤسائهم يعرضهم للعقوبة وفقا لنظام الخدمة المدنية والتعليمات ذات الصلة وهذا لا يصح معه ولا يستقيم مهمة الحكم بين المتخاصمين بحياد واستقلالية !!!!
من حيث الكفاءة القانونية للقيام بأعمال القضاء فان اللجان العقارية لاتتوفر لديهم الحد الأدنى من الكفاءة القانونية وإن قانون الملكية العقارية لم يشترط في أعضاء اللجنة شرط دراسة القانون أو حتى اخضاعهم لتدريب قانوني يؤهلهم رغم ان التدريب وحده لا يغني عن دراسة القانون الجامعية .
ان الاعتقاد بعدم ضرورة توفر ضوابط وشروط متعلقة بعلوم القانون غاب عنه لزومها لدرجة انها ركن لايقوم عمل اللجان العقارية بدون تحققها وأخطأ من اعتقد أن الفصل في منازعات ازالة الشيوع ( الإفراز ) هو جانب فني هندسي وأن لا ضرورة ولا حاجة للمختصين في مجال القانون وعلومه !!!!
ان الجانب الفني ( الخبرة الفنية ) رغم أهميتها وضرورتها الا انه لايمكن ان تحل بديلا عن القضاء و لن تستطيع ان تنهض بأعمالها على الوجه الصحيح لأ صنعة القضاء والقانون ليست (ترفا ) يمكن الاستغناء عنها وعن مختصيها وخبرائها ذلك لأن الدستور والقوانين والمواثيق الدولية عندما حصرت هذه الاعمال في يد المحاكم والمحكمين و وضعت شروط وضوابط وضمانات شكلية وموضوعية أوجبتها ضرورة ادراك وفهم تطبيق القواعد القانونية وأصولها والعلم بقواعد تفسير تلك النصوص و نطاق تطبيقها و أثرها وفهم دلالاتها ابتداء من ( الأهلية وعوارضها والوكالة واحكامها و الخلف العام والخاص و نظرية الدفوع والالتزام و نظرية البطلان و حجية الشروط وانواعها و الشروط الواجب توافرها في الطلبات او الأحكام والطعون العادية وغير العادية وطلبات الادخال والتدخل وقواعد الاثبات ومفهوم الخصومة واهميتها و النظام العام واهمية الفقه ومجلة الاحكام العدلية والأحكام ومشتملاتها وتسبيبها والأدلة وأنواعها والاسترشاد بالسوابق القضائية وقيمتها وأهمية مكتبتها الضخمة التي شكلت مرجعية وإرث عظيم يشكل حصيلة جهد قضائي تصدى لنزاعات وتعقيدات وطلبات ودفوع قدمها محامون فقهاء بقوالب قانونية على مدار مائة سنة عالجتها و تصدت لها محكمة التمييز باعتبارها أعلى سلطة قضائية ضمت اعلام القضاء هذا الجهد العظيم لا يجوز تبديده والتفريط به !!! .....)
وما ذكرت آنفا الا جزء من العديد من المتطلبات الواجب توافرها فيمن يتولى مهمة القضاء او التحكيم والمحاماة .
أعتقد أن استحداث هذه اللجان خطيئة تشريعية ارتكبتها السلطة التشريعية وسلبت القضاء صلاحياته واختصاصه بالفصل في قضايا ازالة الشيوع و منحته لدائرة الأراضي والمساحة مما يوجب التراجع عنها بالغائها واعادة الاختصاص للقضاء كما كان قبل قانون الملكية العقارية . فمن غير الحكمة ان التفريط بمئة عام من السوابق القضائية بعد ان استقرت الاحكام الناظمة لقضايا ازالة الشيوع للبدء من تحت الصفر مع دائرة الاراضي ولجان لا تلزمهم السوابق القضائية وربما لا يعلمون عنها شيء ولا يلاموا في ذلك اذ انهم يتبعون السلطة التنفيذية ونطاق اضطلاعهم الوجوبي هو قوانين وتشريعات ذات الصلة بوظيفتهم و عملهم ذو الطابع التنفيذي الاداري وليس من ضمنها القضاء و الاحكام والسوابق القضائية .
ان الاسراف التشريعي والجرأة والعجلة في اصدار قوانين تمس الحقوق الأساسية بدون دراسة كافية من المختصين ينتج قوانين لا تنسجم في احسن احوالها اذا لم تخالف الدستور والقوانين ولا تتسق او تساند غير من القوانين والتشريعات لتعزيز النظام القانوني العام للدولة الامر الذي يضعف الثقة في النظام القانوني العام ولا يوفر بيئة تشريعية آمنة مستقرة كضمانة لاستقرار المعاملات والمراكز القانونية وتضمن عدم المساس بحق الملكية الفردية فضلا عن ان مثل هذه التشريعات تشكل عنصرا طاردا للاستثمار وتعارض سياسة الدولة ونظامها القانوني.
الاصلاح التشريعي بات ضرورة ملحة يقتضي مراجعة القوانين المتعددة والأحكام القانونية الكثيرة المبعثرة بين القوانين والأنظمة والتعليمات وتقنينها لملائمة الوضع العام و الانسجام مع المنظومة برمتها وفق الدستور والاتفاقيات الدولية وهذا قابلا للتطبيق اذا ما توفرت الرؤية الواضحة والارادة الجادة.