دراسة حديثة لـ "تريندز" تدحض العلاقة بين "التصوُّف" و"الإخوان المسلمين" في المنطقة العربية
حلّلَت دراسة حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والدراساتتحت عنوان: "أخوَنة التصوف الإسلامي في المنطقة العربية"، ظاهرة انفتاح بعض المكوّنات الإخوانية في المنطقة العربية على التصوف، وأسباب هذا الانفتاح وتداعياته والهدف الحقيقي منه، مؤكدة أن تاريخ المشروع الإخواني يكشف سعي مؤسس جماعة الإخوان ومرشدها الأول حسن البنّا، من خلال تعريفه الذي يلخص الجماعة في كونها «دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية»، إلى اختراق الطرق الصوفية والتيارات السلفية لاستقطاب أفرادها، ومن ثم إدخالهم لـ«الإخوان»، ثم يأتي بعد ذلك التفكير في تطويع فكرهم بما يتلاءم مع أفكار الجماعة.
وتدحض الدراسة، التي تعتبر العدد الـ 14 ضمن سلسلة "أوراق سياسات" وأعدها منتصر حمادة الباحث المتخصص في دراسات الإسلام السياسي، العلاقة بين التصوف والإخوان، وتُرجع هذا الاستبعاد إلى اعتبارات عدة، منها أن التصوف في المنطقة، سواء في الساحة المصرية أو المغربية أو السودانية وغيرها، أصيل وعريق قبل ظهور المشروع الإخواني، لأن العمل الصوفي قائم منذ قرون مضت؛ ومنها أن انفتاح أي فاعل صوفي على الخطاب الإخواني وتبنّي هذا الخطاب يجعل منه عضواً خارج التديّن الصوفي أو خارج العمل الصوفي، فالتراث الصوفي لا يؤمن ولا يروّج لأدبيات "الحاكمية" و"الجاهلية" و"البيعة" وأدبيات أخرى، سطَّرت معالمها رموز المشروع الإخواني.
وأشارت الدراسة إلى أن لقاء التديّن الإخواني والتديّن الصوفي لا يمكن أن تخرج نتائجه عن اتجاهين اثنين: إما تأثير وغَلَبَة الأول على الثاني أو العكس، ولا يوجد خيار ثالث قائم على ظهور تيار إخواني متأثر بالتصوف أو تيار صوفي متأثر بالإخوان، لأننا إزاء خطين مستقيمين في التديّن لا يلتقيان، إذ من الواضح أن انتصار الخيار الأول معناه خروج المتديّن الصوفي عن التربية الصوفية، وهذا مكسب للمشروع الإخواني، وإن كانت الظاهرة أقلية في الساحة، بحكم تراجع شعبية المشروع الإخواني.
وأوضحت الدراسة أن انتصار الخيار الثاني معناه خروج المتديّن الإخواني من الأفق الأيديولوجي الإخواني، وهذا ما نراه فعلاً في الساحة مع بعض النماذج، وإن كانت أقلية، لأنها تتطلب مراجعات نفسية وفكرية وسلوكية، وما يؤكد أهمية المراجعات أن بعض الإخوان الذين ينضمون إلى طرق صوفية وبالتالي يدافعون عن الخطاب الصوفي والعمل الصوفي، لا يترددون بين الفينة والأخرى في إبداء مواقف سياسية نقدية ضد الدولة أو مؤسسات الدولة، بصيغة لا تختلف عن المواقف نفسها الصادرة عن الأعضاء الذين ينتمون إلى المشروع الإخواني، وتفسير ذلك أنهم لم يتحرروا كلياً من تأثير التربية الإخوانية.
وأشارت دراسة "تريندز" الحديثة أيضا إلى أن المشروع الإخواني في تراجع، على الأقل سياسياً وحزبياً وإعلامياً، وإن كان ما زال قائماً في المنصات الإعلامية والمراكز البحثية مع مراكز "أسلمة المعرفة" في دول عربية عدة، حتى مع انفتاح بعض إخوان المنطقة على التصوف من باب التوظيف خدمة للأفق الإخواني، فإن مضامين وإشارات هذا الانفتاح تفيد أنه انفتاح براغماتي، وليس عن قناعة بأهمية التصوف ودوره في خدمة الوطن، ومن هنا تواضع الرهان على تأثير هذا الانفتاح إلا مع حالة "الإسلاميين التقدميين" في النموذج التونسي، فهؤلاء أصبحوا خارج الدائرة الإخوانية، أو حالة الشباب الإخواني الذي انفصل عن المشروع، من قبيل ما نرى في مصر والمغرب، ولكن هؤلاء أصبحوا خارج المشروع أيضاً.
وبينت الدراسة كذلك أن انفتاح بعض إخوان المنطقة على التصوف من باب التوظيف مؤشر آخر من مؤشرات الأزمة التي يمر منها الأفق الإخواني في المنطقة العربية، والتي وصلت إلى مرحلة الصراعات والانقسامات في التنظيم الأم، كما حدث في ديسمبر 2021، مؤكدة أن ما يُثار حول انفتاح المشروع الإخواني على التصوف هو في الأساس محاولة من قِبل جماعة الإخوان المسلمين بالتحديد من أجل توظيف الخطاب الصوفي بما يصبّ في صالحها، خاصة في هذه المرحلة التي تعاني خلالها أزمة حقيقية، فالجماعة تسعى إلى "أخونة" هذا الخطاب وتوظيفه من أجل تحقيق بعض الأهداف الخاصة بها، ليس أقلها الاستفادة منه في محاولاتها البقاء والاستمرارية