تشكّل بيوت الشعر في الوطن العربي، خلال شهر رمضان المبارك، فضاءً ثقافياً يحتفي بالشهر الفضيل عبر سلسلة فعاليات تتنوّع بين الأمسيات والندوات والجلسات الحوارية.
وشهد بيت الشعر في نواكشوط أمسية شعرية رمضانية تحت عنوان "رمضانيات لغوية وأدبية"، استضاف خلالها الشاعرين محمد الحافظ أحمدو و النبهاني أمغر.
بدأت الأمسية بكلمة لمدير بيت الشعر الدكتور عبد الله السيد رحب في مستهلها بالشاعرين والحضور، وأكد أن بيت الشعر دأب منذ تأسيسه على تنظيم أمسيات رمضانية؛ وأشار إلى أن هذه الأمسية ستجمع بين الإلقاءات الشعرية للشاعرين الضيفين إضافة إلى قصص ونوادر من أدب رمضان.
بعد ذلك، تناول الشاعر محمد الحافظ أحمدو الذي الحديث عن رمضان والأدب في أكثر من علاقة، مبتدئا بدلالة مفردة رمضان لغويا، وتطورها عبر المعاجم والزمن؛ بعد ذلك دخل الشاعر إلى رمضان في الشعر العربي مستعرضا أهم القصائد التي أبدعها الشعراء منذ فجر الاسلام إلى يومنا هذا، قبل أن يصل إلى رمضان في المدونة الشعرية الموريتانية منشدا بعض أهم النصوص التي أبدعها شعراء موريتانيا و لها علاقة برمضان، وختم مداخلته بنص شعري من إنتاجه ترحيبا بالشهر الكريم تحت عنوان "معارج التزكي" منه:
نلقاك بالبشرى وبالأحضان أقبل هلال الشهر من رمضان
لتعيد من شرخ الشباب غضارة سجحا تشد تثني الأغصان
تحليق روحي في معارج منتهى مرقاك عن ظمإ الدنى أغصاني
وورودي الريان في يوم الجزا إن أُدْعَ محبورا به أرضاني
بعد ذلك أحيل الكلام إلى الشاعر والأديب النبهاني أمغر الذي شكر بيت الشعر على هذه السانحة، وقد ركزت مداخلته على بعض الطرائف الأدبية المتعلقة برمضان وكيف تعامل الموريتانيون القدماء مع رمضان في ظل صعوبة الجو الصحراوي الذي عاشوا فيه، و كيف ترجموا تلك الظروف إلى تراث أدبي ثري، وواصل الحديث مستحضرا بعض المساجلات الشعرية التي شارك فيها شعراء وفقهاء وعلماء حول مواضيع متنوعة تتخذ من الشهر الفضيل موضوعا لها.
وضمن برنامجه الثقافي لشهر رمضان المبارك، أقام بيت الشعر بمدينة الأقصر التاريخية في صعيد مصر، أمسية شعرية بعنوان "في حضرة فؤاد حداد" استضاف فيها الشاعر مسعود شومان، والشاعر الأستاذ يسري حسان، في إضاءات حول تجربة الشاعر والمؤسس فؤاد حداد، حيث جرى إلقاء الضوء على بعض الجوانب الإبداعية والنفسية في تجربته الشعرية، وقام بتقديم الأمسية الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر بالأقصر.
وبدأت الأمسية بالشاعر يسري حسان، الذي تحدث عن تجربة فؤاد في شعر العامية المصرية، وشهادات الشعراء عنه من قبل بيرم التونسي، وصلاح جاهين، والأبنودي، وعلاقة حداد بالأغنية والملحنين، كما تناول تجربة كتابة "المسحراتي" كتجربة فريدة ومغايرة لما قدمه من سبقوه في إطار مغاير يجمع بين الثابت والمتغير.
وقد تحدث الشاعر مسعود شومان عن تجربة "فؤاد حداد" الشعرية وكيف أنه كان رائدًا ومؤسسا في الشعرية العربية، وكيف استلهم التراث الشعبي المصري بكل مدلولاته وطياته الاجتماعية، وصاغ ذلك كله في قصائد استأثرت بالوجدان العربي وتفاعل معها المبدعون والمتلقون على حد سواء، وأورد نماذج من قصائد فؤاد حداد خاصة تلك التي تميزت بالحس الفكاهي والساخر.
وفي الجزء الثاني من الأمسية استمع الجمهور إلى قراءات شعرية لكل من: الشاعر مسعود شومان، والشاعر يسري حسان، كما تخلل الأمسية بعض المداخلات الثرية من شعراء ومثقفي الأقصر وجمهور بيت الشعر.
في الأردن، نظم بيت الشعر في مدينة المفرق أمسية رمضانية للشاعرين: عبد الكريم أبو الشيح وأكرم الزعبي، وأدار مفردات الأمسية الشاعر خالد الشرمان وسط حشد كبير من محبي الشعر الذين تفاعلوا مع القراءات وأنشطة البيت المتميزة والنوعية. تناولت القصائد موضوعاتها ما بين الذاتي والإنساني
استهل القراءة الأولى الشاعر عبد الكريم أبو الشيح، حيث أخذ الحضور إلى أجواء ومناخات وألق شعري متميز، مبحرا في فضاءات الروح المسكونة بمعنى الجمال، وامتازت القراءات بالإلقاء الذي أضفى جمالا على جمال القصائد.
«وأطلقَ في الرّياحِ الهُوجِ حَمْحَمةً/ وأسلمَ خافقيهِ/ تغبّرَ بالحنين المرِّ واستجدى/ بقايا عَبرةٍ في مقلتيهِ/ هنا كانتْ منازلنا / هنا كانتْ ملاعبُنا/ هنا الساحاتُ بيْدرنا/ على أكمامها شغفاً/ شقاوتنا/ وعبّدنا بها المضمارَ قطّرنا طفولتنا / خيالاً سابحا في راحتيهِ/ هنا .. ويغصُّ بالذكرى/ تركتُ لمهرةٍ جيداءَ/ تسبقَني/ وتملكَ دفّة المجرى».
بدوره الشاعر أكرم الزعبي الذي أثنى على تميّز أمسيات بيت الشعر وأجوائها، ومن ثم حلّق بالحضور على أجنحة قصائده التي لامس بها الحالة الإنسانية من هموم وشجون، شاعر امتاز بجدلية الروح وتعلقها بما هو اجتماعي ذاهبا إلى شريط الذكريات المسكون بالتفاصيل.
من قصيدة له نختار:
«راحلونَ وتجمعنا الأسئلة/ ما كان يوماً، وما سيكونُ وما هو كائنٌ/ نحرثُ البحرَ والبحر يضحكُ/ لا وقتَ للبحرِ كي يُنبتَ الأجوبةْ/ قليلونَ نحنُ بأعمارنا، قليلونَ نسعى/ ونحترفُ الحزنَ نركضُ/ خلف الحياةِ/ بأسمائنا المرسلةْ/ مرَّةً .. قلتُ يا صاحبي أما آنَ أنْ نستريحَ، تعبنا وأدرَكنا ما نخافُ".