لم يكن من المتوقع أن يكون ابن مدينة فونشال، عاصمة جزر الماديرا البرتغالية، كريستيانو رونالدو، احد أعظم المشاهير على مستوى العالم، فهذا الرجل الذي ينتمي لأسرة فقيرة جدًا، كان من المتوقع قبل ٣٦ عاما ان يكون مصيره الموت، عندما فكرت والدته ان تجري عملية إجهاض به.
لكنها إرادة الله تعالى أن يُكتب عمرا لهذا الإنسان الذي سيكبر شيئا فشيئا، ويعيش كل تفاصيل الفقر والحرمان، حرمان الطعام والشراب، والدراسة والمستقبل التعليمي، حرمان كل شيء إلا الطموح، الشيء الوحيد الذي تمسك به الطفل المكافح، وعلى الرغم من عظمة الطموح، الا انه لم يكن ليصل إلى حد الشهرة العالمية.
برع الطفل البرتغالي برياضة كرة القدم، واول نادٍ تعاقد معه، كان ثمن التعاقد "قميص رياضي وحذاء"، ثمن بخس دراهم معدودات، ليجدد الطفل مسيرة الكفاح نحو تحقيق الطموح الأوحد الذي خرج به من وسط الفقر.
كبر الطفل وطموحه، ثم كبرت شهرته التي بدأت تلفت الانظار صوبه، الأمر يصل إلى نادي سبورتنج لشبونه البرتغالي، ثم إلى مانشستر يونايتد الانجليزي، ومن هنا تبدأ مسيرة أخرى في الكفاح، إذ يواجه معاملة سيئة من زملاء الفريق، الذين أخذوا بعين الاعتبار شهرتهم الكبيرة مقارنة بتواضع اسم الوافد الجديد للفريق.
يتدرب ويثبت جدارته، يبدع رفقة الشياطين الحمر، يحصل على الكرة الذهبية لافضل لاعب في العالم عام ٢٠٠٨، ثم ينتقل إلى صفوف ريال مدريد الإسباني في صفقة هي الأغلى بتاريخ كرة القدم عام ٢٠٠٩، ثم يبدع رفقة الفريق الملكي، ثم يحطم أرقام العالم اجمع، ليصبح أعظم هداف بتاريخ كرة القدم، وأحد أفضل اللاعبين بتاريخ الملاعب.
لكن وبعد الخروج من عمق الفقر إلى قمة الشهرة والغنى، لم يصاب الرجل البرتغالي بـ "جنون العظمة"، على العكس تماما، اثبت انسانيته الكبيرة التي كانت تنبع من بساطته، يتبرع هنا وهناك، لمدينته الفقيرة، لاطفال العالم الفقراء، لاطفال سوريا وغزة، لمدارس فلسطين، لمجاعات الصومال، لكل مكان يحتاج إنسانية، فقط إنسانية.
وعلى الصعيد الشخصي، يحفظ النجم البرتغالي جيدا المعروف الذي قدمته له والدته، الأمر الذي أدى به إلى التخلي عن زوجته التي أبدت "خجلها" من مرافقة والدته لهما في كل تكريم له.
إضافة إلى ذلك، تنسكب دموع الرجل الإنساني على طفله الوليد الذي توفي قبل أيام، يبكيه وكأنه عاش برفقته أعوام، ثم يرسل له اول رسالة بعد وفاته باحتفالية تشير الى الهدوء وعدم الفرح بعد تسجيله هدف يوم أمس.
الانسانية التي تحلى بها هذا النجم، تكاد تتلاشى اليوم بين المشاهير، حتى باتت حالة رونالدو طفرة تستحق الإشادة، بل والتصفيق أيضا.