بدأت الكلمات تختبئ وتأوي إلى ظل السطور، فهجير الأشواق ملتهب في ذلك الطقس الغاضب الذي يحرق النبض ويلسع أقدام الحروف، فتهرول منهكة تارة تستظل في رحم الكهوف وتارة اخرى تتساقط من زاوية الورق؛ فتلتهم جثثها أنهار مغتربة من حبر مجنون.
حلَّ فصل الصيف فعرست البذور في أحشاء السطور، ليزهر الياسمين في كفوف الفصول المخظبة بحناء (عروس النور) التي تتأرجح بفستانها الفيروزي المزركش على أرجوحة من حرير تطل على مزارع اليقطين؛ فتتذكر تلك المساءات الناعمة والوجوه المتعددة الأقنعة والاعين الناعسة وأروقة تزينها الشموع.. عروس تنتظر الفرح في عالم الإنتظار نترقب الغد وتهرع كلما سمعت صفارة القطار.
كلما ابتعدت حروفي وتاهت في تلك الغابات السوداء التي يكتحل الليل من سوادها تنام على أسرّة الياسمين كنجم تسترشد فيه الكلمات طريقها فتتوظأ بالندى في محرابها الطاهر.
وكلما تناثرت أوجاع الحروف كورق صفصاف على قارعة الطرقات يعانقها صقيع المساء.. وشموعه التي لاتلبث أن تنطفئ وخطوات الكلم.. عجوز تلتحف الظلام وتطوق المكان.
هي أيام حبلى بالهم والأحزان.. تطوق عالم الكلمات.. فيارب أسألك أن تجهضها وتخلصها من دقائق عجاف تنبض دقاتها في قلب اللحظات.
هل ستزهر بذور الياسمين في أحشاء السطور؟ أم ستظل أقدام الحروف تنزلق وتتساقط في أنهار مغتربة لا ترى النور؟.