حللت دراسة بحثية حديثة، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، مدى تأثير الحرب الأوكرانية على "العلاقات التركية - الروسية"، حيث وقفت العلاقات بين البلدين منذ اندلاع الحرب الأوكرانية على شفير تحديات متلاحقة دفعت كل طرف للعمل على حماية مصالحه الاقتصادية والأمنية والجيوسياسية، فضلاً عن صون نطاق النفوذ في البحر الأسود، إذ سارعت موسكو إلى وضع "خطوطها الحُمر" بشأن النزاع أمام الدول الأوراسية، بينما بادرت أنقرة نحو إظهار حسن النية أمام دول حلف شمال الأطلسي "الناتو" من خلال العمل كوسيط بين البلدين المتنازعين "روسيا وأوكرانيا"، في إطار سياسة توازن جعلت تركيا مؤيدة لأوكرانيا، لكنها في الوقت ذاته ليست معادية تماماً لروسيا، ما منحها تميزاً في تسييج الأدوار وحفظها.
حسابات أنقرة الجيوسياسية
وأكدت الدراسة، التي جاءت تحت عنوان: "تأثير الحرب الأوكرانية على العلاقات التركية – الروسية .. نموذج التعاون التنافسي"، وأعدها عبدالله خليفة مترف نائب مدير إدارة البحوث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، أنه رغم موازنة تركيا بين التكلفة والفوائد في موقفها من الحرب الأوكرانية، فإن إطالة أمد هذه الحرب يجعل أنقرة غير مُحصنة ضد التحولات العديدة الناجمة عن الأزمة اقتصادياً وأمنياً، وتحديداً مع زيادة الضغط الغربي على موسكو، بما قد يجبر أنقرة على اتخاذ موقف واضح، مع إعادة ترتيب حساباتها الجيوسياسية، ولاسيما بالعودة للاصطفاف والتقارب مع دول آسيا الوسطى، وكذلك الحال بالحفاظ على تحالفات متنوعة ومستقرة مع دول الخليج وإيران وإسرائيل، سعياً إلى تأمين اقتصادها وحل أزماته، إلى جانب ترسيخ دور أكبر لنفسها في النظام العالمي الجديد.
منظور الفرص
وبينت أن تركيا تنظر إلى روسيا والعالم من منظور الفرص، لذا فهي تتربص بضعف روسيا من أجل استئناف توسعة النفوذ على الساحة السورية، إذ أفصحت أنقرة عن نواياها لإنشاء مناطق آمنة على الحدود التركية - السورية من أجل إعادة اللاجئين السوريين الموجودين في تركيا إليها لتخفيف الضغوط الاقتصادية محلياً والتخلص من أعبائهم الاجتماعية والأمنية، وتشير المُعطيات الواقعية إلى أن قدرة تركيا على التناغم ما بين المحورين الشرقي والغربي وانفتاحها على الدول العربية وإسرائيل ووجودها في قطر والقرن الأفريقي في ظل انشغال القطبين الروسي والأمريكي بالحرب الأوكرانية، يعني أن أنقرة تمضي نحو دور مؤثر في منطقة الشرق الأوسط.
وأوضحت الدراسة أنه مع ازدياد العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب الحرب الأوكرانية، فقد تتجه تركيا إلى التعاون مع الصين في مجالات مُحتملة في مناطق أوراسيا، منها: الاتساق في مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية ومبادرة الممر الأوسط التركية، فمن الطبيعي أن تبحث بكين عن ممرات لوجستية برية بديلة عن نظيرتها الروسية كي تصلها بأوروبا الغاضبة من الروس، كما قد تتجه الصين إلى المشاركة في مشروعات البنى التحتية داخل تركيا ومناطق جنوب القوقاز.
تشابك المصالح
وترى الدراسة أن العلاقات الروسية - التركية تقوم على أساس التفاهم المُتبادل وضرورة الحفاظ على التوازن بأي شكل وبأي ثمن، نظراً إلى تشابك مصالح الجانبين سياسياً واقتصادياً وجيواستراتيجياً، لذا فإنه وفي الأحوال جميعها التي ستؤول إليها الحرب الأوكرانية، سيسعى الطرفان الروسي والتركي لتعزيز البحث عن نقاط تلاقٍ تعزّز مصالح كل طرف منهما، وهذا ما حاولت تركيا الوصول إليه خلف ستار الوساطة ما بين موسكو وكييف، للحفاظ على مصالحها مع الجانبين، مع تنامي الثقة التركية بشأن مستقبل الوجود التركي في الشرق الأوسط، والعمل على تدعيم ذلك بإعادة ترتيب العلاقات مع دول الإقليم وتعزيزها.
"حالة اللاحسم" للصراع
وذكرت الدراسة أن تجمّد الصراع الروسي - الأوكراني وتواصله على "حالة اللاحسم" لصالح أحد الطرفين، يشكل مُعضلة بالنسبة إلى الأتراك، إذ ستواصل روسيا سياستها تجاه مناطق النزاع في ترانسنيستريا وناغورنو كاراباخ وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، بينما سيواصل الاقتصاد التركي نزيفه الحاد جراء تداعيات الحرب، وفشل معظم المشروعات المُشتركة مع الجانب الروسي، ولن يتبقى له مع الروس سوى التعاون بشكل غير مُباشر لكسر العزلة الروسية، لكن أنقرة ربما تحقق بعض المكاسب في سوريا جراء استمرار إبقاء تركيا للمضائق مغلقة أمام السفن الحربية الروسية بما سيؤدي إلى قطع الإمدادات والروابط اللوجستية للروس بقاعدة حميم العسكرية على الأراضي السورية، حيث يمثل البحر الأسود شريان الحياة اللوجستي للقوات الروسية في سوريا.