آخر الأخبار

الدكتور خالد واصف الوزني يكتب : رؤية التحديث الاقتصادي.. منعة النتائج في رشاقة التطبيق

الدكتور خالد واصف الوزني يكتب : رؤية التحديث الاقتصادي.. منعة النتائج في رشاقة التطبيق
جوهرة العرب _  الدكتور خالد واصف الوزني /   أستاذ مشارك سياسات عامة /كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية

الحاجة كانت مُلحّة للخروج برؤية اقتصادية حديثة، تتناول التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردني، وتضع الأطر للتعامل معها بشكل عملي، من جهة، وللوصول إلى بعض الفُرص التي يمكن أن تخلقها تلك التحديات من جهة أخرى. وبمفهوم أنَّ العارف بوضعه أقدر على تشخيص نقاط قوته ومواطن ضعفه، وأنه القادر على الخروج بالحلول والرؤى المستقبلية، فقد سعت رؤية التحديث الاقتصادي، من خلال مشاركة نحو 500 من أهل الاختصاص والخبرة، إلى الخروج بتصورات استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، ضمن ممكِّنات ثمانية سُمِّيَت بمحركات النمو، وتلخصت في: ممكِّنات الريادة والإبداع، الخدمات المستقبلية، الأردن وجهة عالمية، الصناعات عالية القيمة، الموارد المستدامة، نوعية الحياة، بيئة الاستدامة، والاستثمار. والحقيقة أنَّ هذه الممكنات من الشمول بحيث إنها تغطّي كافة جوانب دعم ومساندة النمو الاقتصادي، عبر القطاعات الاقتصادية التنافسية التي ستعمل على تحريك الاقتصاد، وخاصة في مجالات الخدمات، من تعليم وصحة وخدمات لوجستية وسياحة بمفهومها الشامل؛ التقليدي والعلاجي والثقافي وسياحة الأعمال والمؤتمرات، وفي مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والصناعات الإبداعية، والطاقة، والمياه، والاقتصاد الأخضر. كما أنَّ هذه الممكِّنات استطاعت أن تربط أهمية منظومة الاستثمار، في تحفيز وتحريك القطاعات الاقتصادية السابقة، وخلق منظومة استثمارية متكماملة، سواء من حيث التشريعات والإجراءات، أو من حيث المشاريع الكبرى، والاستثمار المحلي والأجنبي، ومشاريع الشراكة الكبرى والمتوسطة. ومن الواضح أنَّ المراحل الزمنية للوصول إلى نتائج تدريجية أخذت نصيبها من البحث والتمحيص، خاصة أنَّ الخطط الاقتصادية، والرؤى الاستشرافية لن تجد سبيلها إلى العامة، ورجال الأعمال، والمستثمرين، ما لم تحتوي على نتائج ملموسة في الأجل القصير، عبر ما يسمّى الإصلاحات السريعة، Quick Fixes، وقطف الثمار الجاهزة التي تجعل الجميع يشعر ببعض النتائج قصيرة الأجل. بيد أنها في الوقت نفسه يجب أن تحتوي على نتائج مرحلية للأجل القصير والبعيد. ومن هنا فقد جاءت مراحل التنفيذ للرؤية في مراحل زمنية مختلفة بدءًا من العام الحالي 2022، وامتداداً إلى فترات متتالية تستمرُّ حتى العام 2033. ما يشير إلى أنَّ الرؤية تمَّ بناؤها على أسس متكاملة من المعايير الزمنية والتنفيذية، والأهداف ذات المقاييس القابلة للقياس والمتابعة والتقييم.  والواضح أنَّ خريطة الطريق للرؤية واضحة، وتشمل توجُّهات تغطي نحو 35 قطاعاً رئيساً وفرعياً، ضمن 366 مبادرة عمل موزعة بشكل واضح على القطاعات المستهدفة، وضمن الممكنات الثمانية التي تمَّ الاتفاق عليها من قِبَل الخبراء والمختصين الذين شاركوا في إعداد الرؤية. وقد جاء هيكل خريطة الطريق لتنفيذ المبادرات المُشار إليها في الرؤية ليُحدِّد كل مبادرة على حدة؛ بأهدافها والجهات المسؤولة عن تنفيذها. ما يعني أننا أمام مبادرات ذات تصميم منهجي استراتيجي، يراعي في تحقيق أهدافه ما يسمّى في الفقه الاستراتيجي الأهداف الذكية SMART، وهي الأهداف المُحددة بعناية Specific، وقابلة للقياس Measurable، ويمكن تحقيقها Achievable، ومناسبة أو ذات صلة حقيقية Relevant، ومرتبطة بإطار زمني للتنفيذ Time-Bound. وقد وضَعت الخطة بشكل جيد توجُّهات للمتابعة والتقييم، وذلك عبر الوحدة المختصة بمتابعة الأداء الحكومي والإنجاز، في رئاسة الوزراء، والوحدات التنفيذية المُختصة في الوزارات والمؤسسات الحكومية، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي، والديوان الملكي الهاشمي. ولعلَّ أهم ما يمكن أن يحدِّد نجاح هذه الرؤية واختلافها عمّا سبق من مبادرات متعددة هو عملية المتابعة والتقييم، وما قد يصدر عن ذلك من قرارات للتصويب أو التعديل أو التحفيز، أو حتى المُساءلة والحوكمة الرشيدة بكل شفافية. ذلك أنَّ الخطط السابقة، بدءًا بالأجندة الوطنية التي أعدت خلال العام 2005، وبمشاركة واسعة، وانطلاقاً إلى رؤية الأردن 2025، ومشروع خطة النهضة 2018-2022، جميعها تمَّ وضعها ضمن رؤى صادقة لخدمة الاقتصاد وتحقيق نتائج نوعية. بيد أنَّ الخلل الأكبر كان في عدم التنفيذ والمتابعة، وعدم التقييم الحقيقي. ذلك كله بسبب عدم الالتزام الحقيقي بتلك الخطط من قِبَل الحكومات المتعاقبة، خاصة عندما تضعها حكومة، وتأتي أخرى لتنفيذها، كما حدث في الأجندة الوطنية مثلاً. الشاهد ممّا سبق، أنَّ هذا الجهد النوعي الوطني سيكون له الأثر الحقيقي في حال تمَّ تبنّيه وتنفيذه ومتابعته وتقييمه من جهة معنية باستمراره واستدامته، وبشكل مستقل عن تقلُّب الحكومات. مع الإقرار بأنَّ الخطط والرؤى الاستشرافية تخضع للتقييم، وبالتالي للتصويب والتعديل، وإعادة ترتيب الأولويات أحياناً، وكلما استدعى الأمر أو تطلبت الظروف. والقناعة أنَّ نجاح هذه الرؤية واستمرار عملها خلال السنوات العشر القادمة يتطلَّب، من وجهة نظري، ثلاثة ممكّنات نوعية أساسية؛ الأولى، أن يُعهَد إلى سمو ولي عهد، عبر رسالة ملكية، تشكيل فريق عمل في مكتبه يقوم بمتابعة الإنجاز، بحيث يُرفَع لسموه تقريرٌ شهريٌّ حول مراحل الإنجاز، وتُرفَع نسخة منه إلى رئيس الحكومة، وبحيث تتم المتابعة المُشتركة مع الحكومة من خلال اجتماعات فصلية بين سمو ولي العهد، ورئيس الحكومة، والجهات ذات العلاقة في الحكومة، للوقوف على مراحل تحقيق النتائج، والحاجة إلى أي تصويب أو تعديل أو متابعة إضافية. والثانية، أن يتمَّ العمل على تشكيل فريق من المختصين والمستشارين، في رئاسة الوزراء، يكون نواة لما يُسمّى في الدول المتقدمة، مجلس المستشارين الاقتصاديين، يرأسه كبير مستشاري الرئيس للشأن الاقتصادي، ويتكوَّن من مجلس مُصغَّر من مجموعة من المختصين الأكاديميين والعُلماء المميزين في الشأن الاقتصاي والاجتماعي، بتكليف جزئي، وليس بوظيفة دائمة، يكون دورهم الأساسي، تقديم المشورة، ودراسة المبادارت ومتابعة تنفيذها، وتقديم النُصح والمشورة لتحقيق النتائج، أو إعادة النظر في بعض آليات التطبيق. الثالثة، الشفافية التامة، عبر آلية يتم من خلالها الإعلان سنوياً عن الإنجازات الرئيسة في مبادرات الرؤية، وحجم ما تحقق، ومستوى الانحراف عن الإنجاز، إن وُجِد، وخطة الطريق لكل عام، وعلى مستوى القطاعات المختلفة. الجدية في تحقيق هذه الرؤية، وفي عدم إلحاقها بما سبقها من مبادرات، وحتى لا ينتهي المطاف بها على الرفوف، أو في الملفات الإلكترونية، تتمثَّل في تحقيق الممكّنات الثلاثة السابقة، وخاصة ما يتعلَّق بالمتابعة الملكية السامية، عبر مكتب سمو ولي العهد، على أن يُعقَد احتماعٌ سنويٌّ، برعاية وحضور جلالة الملك، لعرض النتائج، للعام السابق، والتوجُّهات والمبادرات المجدولة للأعوام المتبقية، مع التركيز على ما سيتم إنجازه في العام التالي. المتابعة الملكية، هي عنصر الضمان الوحيد الكفيل بعدم التفريط بهذا الجهد الوطني، وبدون ذلك ستقوم الحكومات القادمة بطي صفحة هذه الرؤية الحديثة، كما طُويَتْ صفحات رؤىً سابقة. الأردن مليء بالإمكانات، والطاقات الإيجابية، ولعلَّ هذه الرؤية تكون السبيل لسبر غور تلك الإمكانات، وتحقيق الكثير من النتائج المميزة التي يمكن أن يلمسها المواطن، ورجل الأعمال، والمستثمر.

khwazani@gmail.com ​​​​
خاص بمجلة الأقصى