يغيب عن الكثيرون ممن يلهثون خلف النص فقط طبيعة الترغيب والترهيب في القران، والتي تختلف عن أي كتاب آخر بلا شك ، وذلك بسبب أن الله عليم بأحوالنا وخبير بتصرفاتنا ولو أنه من عند غير الله لما وجدنا الاعتبارات التي سأقولها : فإن ما سوف يقوم به الإنسان من تلقاء نفسه لا يحتاج لترغيب ، وما يرهبه الإنسان ولن يفعله لن يحذرنا الله منه ويرهبه . إلا لتوضيح ما نجهل وتعليم ما لا نعلم .
ومن الأمور الهامة جدا والتي هي مطلب إسلامي عدة أمور ، ولكن القران لم يذكر تحفيزا عليها كثيرا مثل غيرها ، وذلك لأن الإنسان مدفوعا إليها بكل قوه فما كان من القرآن إلا أن يلمح ويصرح عن الجوانب الخفية منها أو انطباع القران عن ذلك الشيء لنا .
من أمثلة ذلك الزواج فلم يحفزنا إليه كثيرا ، مع أنه من أهم أمور الدين علي الإطلاق بعد الإيمان بالله وعدم الشرك به .. ولضمان ذلك خلق الله للإنسان شهوة من اقوي شهوات الإنسان هذه الشهوة كفيله بدفع الإنسان للزواج.
من أمثله ذلك أيضا إعداد السلاح للحرب لم يتكلم عنه سوي آيات قليله مثل : واعدوا لهم ما استطعتم ، بينما هو الأساس في القتال وفي الفتوحات الاسلاميه لماذا لم يتكلم عنه القران كثيرا واكتفي بما استطعتم فيه من قوه ، لأنه شيء مدرك عقليا وقلبيا ، وليس منطقيا أن لا تعد لهم من قوه ، بينما مسالة القتال نفسها فيها مشكله لأننا سنجهز الجيش ولكن ربما سيجبن الأفراد أنفسهم ، فكان لابد من التحفيز والتحذير من الفرار أو التولي يوم الزحف.
ومن أمثلة ذلك تربية الأولاد آيات قليله تذكر الأولاد ، بل منها علي العكس قد حذر من الأولاد فقال : واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم (الأنفال ٢٨(
وقال : أن من أزواجكم وأولادكم فتنة فاحذروهم ( التغابن ١٤ (
فما السبب في هذا السلوك في الترغيب والترهيب ، فلم تتكرر تربيه الأولاد كثيرا كغيرها من القضايا ، لماذا؟ لأنهم أهم ما يمكن أن نملكه واهم ما يحبه الإنسان بفطرته ، وما خلقنا الا لعبادته ثم نأتي بأولاد بعدنا فالأولاد ثاني مهمة يطلبها الله منا بعد العبادة فلماذا جاء التحذير بدلا من التبشير ..
إن الاجابه علي كل هذه التساؤلات وغيرها هو أن الله يعلم رغباتنا ورهباتنا.. وهذا نفسه هو الدليل علي أن هذا القرآن لا يجب أن يكون قد أتى إلا من عند الله العليم بنا.
فما نحن مدفوعون إليه بحكم الغريزة لا حاجة للدفع إليه والترغيب فيه مثل الزواج أو تربية الأولاد أو أعداد السلاح للحرب أو الأكل والشرب أو الاعتناء بالصحة أو الاهتمام بالنظافة أو السعي علي الرزق
كل هذه الأمور السابقة مر عليها القران مرورا خفيفا أو لإبراز جانب خفي منها مثل : يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأعراف ٣١) لقد وصل الأمر في بساطة النداء أنه سبحانه قال يا بني ادم ، فلم يقل يا أيها المؤمنون ، أو حتى قال يا أيها المسلمون ، وإنما قال يا بني ادم ، ومعلوم أن النداء لبني آدم اخف إلزاما..الجانب الخفي هنا هو انك ستهتم بالزينة في كل أمرك ثم انك تغفل في هذا عن المسجد ثم تقول في نفسك مال الله ومال الدنيا والزينة ، سأذهب الي المسجد بأسوأ أحوالي ، ربما لاشتكي إليه بلباسي ، ربما لأن الله لا يريد مني سوي قلبي وإقبالي عليه ، ولا يريد الله مني مظهري بمسجده الذي هو له وليس للخلق ، فجاء هذا النداء لكل بني ادم .. أن هذا هو قول الله الخالق العالم يرغباننا ورهباتنا.
لماذا هذا المقال ؟؟
لأن كثير من العلماء والدعاة يأخذون أكثر ما قال القران فقط فيأمرون به ، ثم أكثر ما نهي عنه فينتهون عنه ، متناسين أن هناك أمور لم يهتم بها القران كثيرا ، مع أنها من أهم شعائر الدين ومن أمثلة ذلك من الأمور العظيمة التي هي من أساسيات الدين والإقبال علي الله مثل الآتي :-
١_ الزواج
٢_ المودة والرحمة بين الزوجين
٣_ تربيه الأولاد تربية صحيحة وبذل النفيس والرخيص من أجلهم
٤_ طاعة الزوجة فالعرب يتفوق فيهم احترام الزوج وطاعته ،، ثم طاعة الزوج أيضا لزوجته.
٥_ الاهتمام بالطعام وبالجسم اهتماما بالغا بما يفيد
٦_ الاهتمام بالصحة والعلاج بالغذاء
٧_ الرياضة وفنون القتال والدفاع عن النفس
٨_ الاهتمام بالمظهر والنظافة
والوقاية
٩_ الإخلاء والأصحاب والأصدقاء وأشار إلي حسن اختارهم ، ونشر الحب بين الناس
١٠_ تقديم النصيحة والمسؤولية والرحمة العامة.
فمعظم هذه الأشياء عظيمه جدا وهي لب الدين ، وجوهر الإسلام ، وهي تمام الإيمان ، ولكن قل من يدعو إليها ، لأن هناك ما هو أعظم منها ، كلا هذه أعظم أشياء الدين وان لم يكثر الحديث فيها في القران لماذا .. لأننا أحيانا نفعل هذه الأشياء بالفطرة.
في حين كان الترغيب الشديد في أشياء نضن بها ونبخل ولا نعطيها بسخاء مثل :
١_ الصلاة
٢_ الزكاة
٣_ ذكر الله
٤_ الجهاد الذي هو القتال
٥_ الصلاة علي النبي وتبجيل رسوله وتوقيره
٦_ تلاوة القران
٧_ الدعوة إلى الله
٨_ التفكر والتدبر
٩_ الاعتبار
١٠_ رجاء اليوم الآخر
كما أنه تبني الترهيب مما نبخل به ونضن ونتكاسل عنه ونذهب معاكسين لأمر الله وعكس فطرة الله مثل : 1_ قلة الصلاة أو التكاسل عنها
٢_ التولي يوم الزحف
_ عقوق الوالدين
٤_ البخل وعدم الإنفاق في سبيل الله
٥_ قلة الذكر
٦_ الإقبال علي الدنيا
٧_ الشجار الشحناء والقتال .
٨_ التفريط في حقوق الجار وإصلاح ذات البين
٩_ قطيعة الأرحام
١٠_ الزنا وهتك الأعراض وتضييع أي من الحقوق جميعا
إن القران الكريم ليس منتجا ثقافيا أو علميا مطلقا مجردا ، لكنه كلام الله الذي يخاطب فيه الإنسان ، والله يعلم القوة والنقص فينا ، فجاء الترغيب والترهيب ليس مطلقا ، ولكن كما يريد هو ، وبناء علي علم الله بنا وبأحوالنا وبقوتنا وضعفنا وما يصلحنا وعلمه بما يفسدنا وبسرائر الأنفس والتي لا يعلمها حتما إلا هو. سبحانه وسع كل شيء علما .