الشعر
العربي في مالي.. أناشيد غنائية للحب والوطن والذات
د.
أحمد وان: ملتقى الشعر في مالي يدفع عجلة تعليم اللغة العربية
مالي_
الشارقة
تحت
رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم
الشارقة؛ شهدت جمهورية مالي، أمس السبت، النسخة الأولى من ملتقى الشعر العربي الذي
نظمته دائرة الثقافة في الشارقة بالتعاون مع جمعية "سحرة البيان"
الثقافية في العاصمة باماكو، في إطار مبادرة ملتقيات الشعر العربي في إفريقيا التي
تهدف إلى نشر اللغة العربية، وتوسيع أفق الشعر الفصيح، وتعزيز حضوره بين مبدعيه.
كما
صاحب الملتقى معرضاً يضم مخطوطات عربية قديمة تقتنيها جمهورية مالي، وتجوّل الحضور
في المعرض حيث تعرفوا على ما تحتويه المخطوطات من نصوص مختلفة، تعكس إرثاً
تاريخياً عميقاً.
شارك
في الملتقى 13 شاعراً، هم: عبد المنعم حسن، يوسف ماريكو، ومحمد جاكيتي، وبكري
سيسي، وآدم توغورا، وسعيد سانوغو، وعبد الله كوني، وداود تونكارا، وخالد ميغا،
وداود تراورى، وسيميغا أبوبكر، ومحمد أغ محمدو، وفاطمة تراوري.
حضر
حفل الافتتاح وكيل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي المالي البرفسور أحمد وان،
ورئيس الجامعة العربية الفرنسية في مالي أ. د محمد عبد الله ديارا، ونائب رئيس
جامعة الساحل المكلف بالنواحي الأكاديمية د. أحمد بولي، ورئيس قسم اللغة العربية
بكلية الآداب واللغات والعلوم الإنسانية في الجامعة الوطنية المالية د. سامبي خليل
مغاسوبا، ورئيس قسم اللغة العربية بالمدرسة العليا لإعداد المعلمين د. سيكو نمكري،
وعدد من ديبلوماسيين عرب، وأكاديميين وشعراء ومهتمين بالشعر العربي.
قدّمت
حفل الافتتاح الأكاديمية سلمى مسعود، ورحّبت في البداية بالحضور، وأكّدت أهمية أن تقوم
الشارقة بدعم ورعاية اللغة العربية والشعر والمبدعين في مالي، وأشادت بالدور
الكبير الذي تمثّله الإمارة في نشر الثقافة العربية على المستوى العالمي.
وألقى
وكيل الوزارة البروفسور أحمد وان كلمة قال فيها: "نحيي مبادرة ملتقيات الشعر
في إفريقيا التي تأتي برعاية كريمة من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد
القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وإننا لنسعد بمثل هذه اللقاءات العلمية
والثقافية بالتعاون مع الشارقة عن طريق دائرة الثقافة".
وأضاف
وان، قائلاً: " إن هذا الملتقى الأول في مالي سيدفع عجلة تقدم التعليم العربي
في مالي، ومن يعرف مكانة مالي من الثقافة العربية الإسلامية لا يستغرب من كثرة
الأشعار العربية إذ إن لمالي تاريخا عميقا متوغلا في القدم مع الشعر العربي
الذي كان يكتب ويقال وينشد".
وأكد
وكيل وزارة التعليم العالي في مالي أهمية الشعر في المجتمع وقدرته السحرية
في تغيير المجتمع إلى الأفضل.
وأعرب
المنسق الثقافي لدى جمهورية مالي عبد القادر إدريس عن امتنانه للشارقة، وقال:
" أقدّم جزيل شكري وعظيم تقديري إلى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد
القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بعد أن وجّه سموّه بتنظيم ملتقيات شعرية
في بلاد غرب إفريقيا ولدعمه لها، واهتمامه بالثقافة العربية وبشؤون المسلمين قاطبة
فجزاه الله عنّي وعن أبناء الأمة الإسلامية أفضل الجزاء وأتمّه".
وأضاف
المنسق الثقافي، قائلا: "ولا يسعني إلا أن أتقدّم بخالص الشكر والامتنان إلى
دائرة الثقافة بالشارقة والعاملين بها على إنفاذهم توجيهات صاحب السمو حاكم
الشارقة، ولقيامهم على ملتقانا هذا بشكل خاص".
وتابع
إدريس بقوله:" الشعر وعاء اللغة يلعب دوراً بارزاً في عملية حفظ اللغة
وإثرائها، وهو الوسيلة التي يتم من خلالها تنمية الملكة البلاغية، وتفصيح اللسان،
مؤكداً أن مالي لتحتفي بهؤلاء الشعراء وتفتخر بأن يبدع أبناؤها باللغة
العربية ويعبروا عن روح أرضها، وأفكارها، وآمالها، وآلامها، وأشواقها، وتطلعاتها
نحو المستقبل.
وقال
رئيس جمعية "سحرة البيان" عبد الصمد أحمد ميغا في كلمة ألقاها، إن
الملتقى يمثل فرصة واعدة للمبدعين الماليين من عمالقة الأدب، وفرسان الكلمة، لكي
يكشفوا عن دواخلهم الشعرية المبدعة، وبخاصة أن الرعاية تأتي من مركز الثقاقة
العربية الشارقة.
وأضاف
ميغا، قائلا: "إننا في هذا الملتقى الشعري سنقطف من بستان الشعر المالي، أنضر
الأزاهير، وسنستخرج من بحره أجمل اللالئ، وأندر الدرر، وسنعيش في الملتقى لحظات من
العشق والتضافر، ونسحركم فيه بقصائد في فنونها فريدة، عروس كسوتها القوافي، وحليها
المعاني. أشهار تختلط بأجزاء النفس، كل بيت شعر، خير من بيت تبر".
ولفتت
مقدمة الحفل أن الملتقى
يجمع
أصواتاً شعرية مالية لها بصمة إبداعية واسعة، وسلّمت المنصة للمبدعين قبل أن تقرأ
في سيرهم الإبداعية الكثير من السطور.
النصوص
الشعرية كانت محمّلة بنسائم عطرية، واتخذت من الوزن العروضي طريقاً لها، وتلوّنت
بمشهديات الطبيعة في مالي تارة، واختلطت تارة ثانية بذوات الشعراء التي فاضت
أناشيد غنائية للحب والوطن ومواساة الذات بالأمل، وأغنيات تنشد الذكرى لزمن مضى.
وما
لبث أن أشرقت أقمار الشعراء على ضفاف نهر جوليبا حاملةً معها زغردات تلك
العصافير المتمثلة في ولادة فجر جديد على لسان ذلك الشاعر الرقيق إلقاءً، والأصيل
لغةً معجميةً آدم توغورا حيث يقول:
(
مالي) لَكَ الْمَرْمَى، فَسَجِّلْ تَقَدُّمًا
مَضَاؤُكَ
فِي شَطْرِ العَدُوِّ مُهَاجِمُ
نُؤسِّسُ
مُلْكًا أَوْ نَمُوتُ شَهَادَةً
فَعَيْشُ
هَوَانٍ تَرْتَضِيهِ الْبَهَائِمُ
ثم
أتى سعيد سانوغي ذلك الفتى الذي يعزف على أوتار القصيدة، ويرقص على عباب الكلمات،
ويجمع بين ضدين في ذاته الرقص والغناء في الآن نفسه، حيث من شدة الفرح رقص النهارُ
على أكتافه، يقول :
وجاء
في منبع الأفكار منفلقا شعرا
كبحر
رمى موسى عليه عصى
هو
لم يكن متنبيا ليقول لي
أرق
على أرق ومثلي يارق
هو
آخر الشعراء خير جماعة
جاء
القصيدةَ وهي باسمه تغلق
ثم
اعتلى المنصة الشاعر الحصيف محمد جاكيتي ليمزج بين الدقة واللياقة المعنوية
العفيفة في قصيدة مليئة بعاطفة صادقة، يقول:
فكُلُّ
مُبتدَإٍ نحــــــوًا، لـه خَـــــــبَرٌ
الْعلمُ
مُبتَـــدأٌ إفريقـــــيا خَـــــبَــرُ
نَخْلُ
المَعارفِ والآدَابِ قدْ غُرِسَتْ
في
أرضِ أفْرِيقِ حتَّى طابَتِ الثُّمُرُ
من
جاءَ يقْطِفُ قِطفًا إثرَ مسغبَةٍ
يَعُدْ
وقدْ نِيلَتِ الأهْدافُ والوَطَرُ
قالُوا:
مُحمَّدُ، فَلْتَـــضْرِبْ لنَا مَثَلًا
فقُلتُ:
تُمْبُكْتُ، قالُوا: نِعْمَ مُفتَخَرُ
وتقدمت
فاطمة تراوري الصوت الأنثوي القادم من عصر المجاز، وحاملة معها رسالتها التليدة
إلى أمة الشعر في مالي، تلك الشاعرة الوحيدة التي وثّقَ بشاعريتها في مالي، وقد
أطلقت عليها اليوم شاعرة مالي وخنساءها فإنها بالشعر ترتوي، ، وبالجمال تتزين
وبالنقاء تتجمل، شاعرة تحمل في صحن قلبها همَّ الإنسانية المالية، شاعرة تثور
خلفها المحبةُ والإخاء وهي التي تقول:
في
(مُبْتِ)لي أخــواتُ حبٍّ والوَفَا
و
صديقتي في(كاي)و هي تُعضِّدُ
لِي
عَـمَّـةٌ قدْ زُوِّجَــتْ من(كيدليٍّ)
و
سعــيدةٌ في بَــيتهــا تَــتَـرغَّــدُ
خــالــي
تَـــزوَّجَ من (كُـليـكوريَّةٌ)
عَــظِّـمْ
بِــرابـطةِ الإخــاء ستُرشَدُ
ثم
تقدم أبو المواهب سيميغا أبوبكر بعناوينه المبتكرة، وسافر بالمتلقي إلى عالم خال
ومكتظ بضجيج عابر، وهو الذي أعطى للقصيدة المالية حقها وللوطن الجميل مكانته حيث
يقول:
الأرض
تزهو لدى الأمطار زهرتها
والشعر
يزهو بمالي عند ذكراها.
وما
لبث أن قفز عبر نوافذ الكلمات، شاعر شاب يرى نفسه سيد الفكرة وبوصلته تؤشر إلى
العشق انه الشاعر داود تونكارا، يقول:
كبذرة
تحت عمق الأرض تختبئُ
وزهرة
في العرى أودى بها الظمأ
ضيعتني
في متاهات الهوى زمنا
والفكر
لا منتهى فيه ومبتدأ
ثم
صعد إلى المنصة عبد المنعم حسن ذلك الذي اكتشف القصيدة وأنار لها الوجود،
وهو شاعر يملك صوتا فريدا، يقول:
أتصحو
والسمروات
ساحرة الربى كواعب
ما
للقلب منهن مهرب
بريق
عيون
آسر
ومفاتن إلى سمر
في
جنة الحور تنسب.
منى
النفس أفريقية
من
سوارها تطير فراشات ويبزغ كوكب