كشفت
دراسة بحثية، أصدرها مركز تريندز للبحوث والاستشارات حديثاً، أن الولايات المتحدة
الأمريكية أصبحت في مرمى أعمال العنف المجتمعي وجرائم التطرف
والكراهية بشكل مكثف ومثير لم تشهده منذ ربع قرن، حيث إن عدد الحوادث والجرائم في
الأشهر القليلة الماضية وصلت إلى 250 حادث إطلاق نار جماعي تسبب في مقتل نحو 300
ضحية، إضافة إلى إصابة ألف شخص من حوادث إطلاق النار وهجمات الإرهاب المحلي.
ووقفت
الدراسة، التي تحمل عنوان: «تصاعد العنف المجتمعي في الولايات المتحدة.. هل هو
حلقة في سلسلة جرائم التطرف والكراهية؟» التي أعدتها نورة الحبسي، مديرة
إدارة النشر العلمي في «تريندز»؛ على
أسباب انتشار حركات الكراهية والتطرف في الولايات المتحدة، ومنها: مواقع التواصل
الاجتماعي، وتراجع الديمقراطية الليبرالية، وترديد التصريحات العنصرية، وإنكار
جرائم الكراهية، وصعود اليمين المتطرف، حيث شهدت أمريكا على مدار القرنين الماضيين
ظهور تنظيمات تتبنّى مفهوم «التفوُّق العرقي»، كما شهدت بداية القرن الراهن شكلاً
جديداً من أشكال التنظيمات التي ترفع لواء هذا التفوُّق.
استراتيجية واضحة
وأشارت
الدراسة إلى أن القضاء على ظاهرة العنف المجتمعي من جذورها والتعامل مع مظاهرها
الخارجية التي تظهر للعيان في شكل تنظيمات أو خلايا متطرفة أو أعمال عدائية أو حتى
خطابات تحض على الكراهية والعنف ضد الآخر، تتطلب استراتيجية واضحة للتصدي لها،
لاسيَّما أن الإرهاب لا يرتبط بأي ملَّة أو عرق أو جنسية أو حضارة، وأن الأديان والعقائد
تجرِّم الإرهاب وتدعو إلى التسامح والاعتدال.
وذكرت
أن التطرف والحضَّ على الكراهية يُعدُّ جريمة عابرة للحدود، لها علاقة وطيدة مع
ظاهرة الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالسلاح وغسل الأموال والهجرة غير
الشرعية؛ ما يؤكد ضرورة شمولية مكافحة جرائم التطرف والكراهية واجتثاث جذورهما،
وهو ما يتطلب مضامين جديدة وشاملة لمعالجة أبعاد الظاهرة كافة، وتحويل المواجهة من
إجراءات معزولة تقوم بها كل دولة على حدة إلى تخطيط استراتيجي شامل.
ظاهرة متغيرة
وبينت
الدراسة أن مكافحة الفكر المتطرف وسياسات الحض على الكراهية والغلوّ المُؤدي إلى
العمليات العنصرية، تمثل مسؤولية جماعية تضامنية تقع على عاتق الحكومات،
والبرلمانات، والمؤسسات الدينية لدى الدول، إلى جانب النخب السياسية والفكرية
والثقافية والاقتصادية، وجميع أفراد المجتمع على المستوى الوطني، وجميع مؤسسات
منظومة العمل الدولي وأجهزته.
ونوهت
بأن ظاهرة العنف المجتمعي والتطرف والكراهية بحكم طبيعتها ظاهرة متغيرة، لا تندرج
تحت نمط واحد، سواء في الهدف المباشر أو أدوات التنفيذ، وإن اشتركت بشكل كبير في
غاية ترويع الجمهور وإشاعة الخوف الذي يخدم بدوره أهدافاً أخرى أكثر عمقاً في
مخططات التنظيمات الإرهابية.
كذلك
تتنوع الأدوات المستخدمة لهذه الغايات، فهناك عمليات عنصرية تُنفَّذ دهساً بشاحنة
أو سيارة، وأخرى رمياً بالرصاص من سلاح فردي، وثالثة باستخدام سلاح آلي، وغيرها
طعناً بسكين، فالتركيز على الأداة يعني أن تتسع دائرة البحث لتشمل كل ما يمكن
استخدامه لإيقاع الضرر بالآخرين بدءاً بالسكين المستخدم في المطابخ إلى السلاح
الكيماوي أو البيولوجي أو حتى النووي؛ حيث لا يخفى أن التنظيمات العنصرية تسعى
جاهدة إلى امتلاكها.
مراجعات دورية
وأوضحت
الدراسة أن ظاهرة العنصرية تخضع للتطور المستمر؛ ومن مظاهر ذلك أن عمليات التجنيد
لم تعد تُجرَى عبر الاتصال المباشر مع الشخص المُراد تجنيده فقط؛ ما يجعلها محفوفة
بالمخاطر، بل أضحت الاتصالات تدور في الفضاء الافتراضي عبر شبكة الإنترنت التي
يصعب تعقّبها، خاصة إذا ما ارتبط استخدامها ببرامج تشفير ومسح الآثار، حيث تتطلب
خاصية خضوع ظاهرة العنصرية للتطور المستمر إلى المراجعات الدورية الدقيقة لما سبق
وضعه من استراتيجيات، لإدخال التعديلات اللازمة وإضافة أبعاد طرحت نفسها على
الساحة.
كما
شددت الدراسة على ضرورة دمج أسس التعامل مع أبعاد الظاهرة العنصرية كافة في إطار
عمل واحد متكامل؛ حيث إنه من الملاحظ أن الاستراتيجيات المطروحة تركز في أغلبها
على أبعاد دون أخرى، الأمر الذي يتطلب السعي إلى طرح تصور يحاول الجمع بين العناصر
اللازمة للوصول إلى تحقيق الغاية المطلوبة.