يواجه عام 2022 أبعادًا جديدة تمامًا للأمن السيبراني، حيث أصبحت الحروب الإلكترونية والهجمات السيبرانية مدمرة بقدر دمار الحروب التقليدية أو الأهلية من النواحي المادية والمعنوية وقد تصل إلى الأضرار الجسدية والأرواح إن طالت الخوادم والحواسيب في منشآت صحية أو صناعية أو حربية. منذ بداية التحول الرقمي على المستوى العالمي الذي يشمل كل القطاعات ونواحي الحياة التي تلامس جميع شرائح المجتمع، تم تطوير العمل بشتى أماكنه وتطبيقاته وتطورت المنتجات الجديدة بسرعة مع تغيير أساليب الإدارة سواء العامة (لمؤسسات الدول) والخاصة (لمؤسسات القطاع المدني التجاري) معتمدة التحول الرقمي على كل الأصعدة وذلك لتأمن أكبر قدر ممكن من المرونة لتحسين السرعة في وصول الخدمات والمنتجات للأسواق المحلية والعالمية، لا سيما خلال وبعد جائحة كورونا، وذلك لمليء الفجوة الحاصلة لبيئات العمل التي تم إدخالها حديثًا وبقوة نتيجة ظروف خاصة فرضتها الأحداث - مثل العمل من المنزل. وكالعادة بعدما أصبحت المعلوماتية والملفات الرقمية التي باتت مخزنا لكل المنتوج البشري الحافظ للقيمة سواء على مستوى التوثيق أو الحفظ. فعلى سبيل المثال أصبحت التعاملات المالية والحوالات والمحافظ المالية والحسابات كلها أرقام مخزنة على أقراص الحواسيب، لا، وباتت تعتمد الحوسبة السحابية التي هي بحد ذاتها تتيح لتلك المعلومات أن تتواجد في فضاء رقمي غير محصور في مكان فيزيائي معين أو ثابت رغم وجود المراكز المعلوماتية المنتشرة والمحددة المكان لمالكيها، والذين هم غالبا شركات ربحية من القطاع الخاص والعالمي أيضا.
ثم بدأنا نسمع بإطلاق العوالم والأكوان الافتراضية التي وبشكل سريع باتت مكانا تجاريا تباع فيه الأصول الرقمية المشفرة (كالأراضي والعقارات والمنتجات الفنية والسلع الافتراضية) ويتعامل فيها المشتركون (ومنهم حكومات دول، وعربية أيضا) بحركات مالية ضخمة باستخدام العملات الرقمية المشفرة. كل ذلك أصبح شيقا، لكن الأكثر تشوقا وحماسا هم المجرمون والمحتالون الرقميون الذين تواجدوا من بدء انتشار الرقمنة والإنترنت وانتشار الحواسيب، لكن الآن هم أكثر ذكاء ودهاء وحرفة وجاهزية؛ لأن العائد من الأعمال الإجرامية والسرقات الرقمية بات كبيرا وكبيرا جدا أكبر مما اعتاد عليه البشر من قبل.
ستتساءلون ومالنا نحن وهذا الأمر التقني الرقمي الذي له مختصين يبحثون ويواجهون ما يخصهم وما هم أهل له. الجواب في يد كل واحد منا، الهاتف الذكي، نعم، تستعمله للمكالمات والتواصل ومشاركة تفاصيل حياتنا ودفع الفواتير ومراقبة حركاتك البنكية ودفع الضريبة والضمان وحتى المراقبة الصحية والحجوزات والتذاكر ووو...، هل بدأتم تشعرون كم هو خطير وكم أمن تلك المعاملات والمعلومات مهم لكل فرد، نعم، إنه ذلك الأمن كما اصطلح عليه "الأمن السيبراني". الأمن السيبراني هو العمل الأمني الذي يهدف لحماية أجهزة الحاسوب وأنظمتها والخوادم والأجهزة المحمولة والأنظمة الإلكترونية والشبكات والبيانات من الهجمات الضارة ومن سرقة أو تلف برامجها أو بيانتها الإلكترونية. وذلك التعريف يشمل العمل الأمني السيبراني بدءا من الحوكمة والقوانين والتشريعات والمواصفات والمقاييس والإجراءات الاحترازية والحلول الوقائية وانتهاء بالتحري والبحث والتحليل التقني وتتبع الأدلة والتوثيق والتطبيق الجزائي والملاحقة القانونية بكل ما تحويه من إجراءات وأدوات واختصاصات وما تحتاجه من موارد بشرية وتقنية وعينية.
أقيمت يوم السبت الماضي محاضرة في بيت الثقافة والفنون بإدارة فريق شذا الروح بتنسيق من الاكاديمية والقاصة والاديبة فاتن ابو شرخ والكاتبة مي الاعرج والشاعرة اسراء حيدر محمود، وحاضر هذه المحاضرة بالجانب القانوني والجانب التقني في الأمن السيبراني كلا من الاستاذ المحامي محمد العرميطي والدكتور المحامي محمد محجوب المحارمة، وقامت على ادارة الحوار الدكتورة دانييلا القرعان، وتحدثوا عن كل ما يهم كل مواطن اضطر لاستعمال التكنولوجية الرقمية السيبرانية كجزء من تطور الحياة المدنية الحديثة، وله أن يعرف حقوقه ومسؤولياته. نعم، مسؤولياته، فكما عليك اقفال باب بيتك وحفظ هويتك وتوقيعك والتفرد باستخدام بصمة يدك وتحرزك على ألبوم صور عرسك المخبأ تحت الملابس في الخزانة، فإن تواجدك الافتراضي في عالم الحاسوب ومعلوماتك الشخصية وحساباتك ومحافظك الالكترونية وحتى صورك العائلية على الهاتف الذكي، لابد أن يكون حفظها كلها من أولوياتك اليوم حتى لا تفقد ما أصبح مهما كأهمية رزمة من الأوراق النقدية بل أكاد أزعم أنها أكثر أهمية. صدر قانون الامن السيبراني رقم 16 لسنة 2019 وتم انشاء المجلس الوطني للأمن السيبراني الذي عقد آخر جلساته قبل يومين برئاسة سمو ولي العهد وحضور دولة رئيس الوزراء.
هنالك اسئلة كثيرة مطروحة حيال هذا الموضوع هل جامعتنا مؤسساتنا التعليمية مهيأة لطرح برامج تدريس وتدريب كفاءات جديدة في الامن السيبراني؟ وهل هناك ثمة تخطيط لاحتياجاتنا البشرية مستقبلا خاصة وان السوق الاردني والخليجي يشهد تنافسا للحصول على محترفين في هذا الجانب؟ وهل قوانين الامن السيبراني تشمل حماية الملكية الفكرية للمحتوى الرقمي؟ وهل الاردن قد وصل لمستوى مرضي في الامن السيبراني؟ وهل نمتلك من الخبراء القادرين على مواكبة التسارع التكنولوجي؟