استوقفني بالأمس خبر عن إقرار الحكومة لمشروع قانون معدِّل لقانون مؤسسة التدريب المهني لسنة 2022م؛ تمهيداً لإرساله إلى ديوان التشريع والرأي لاستكمال إجراءات إصداره حسب الأصول.
واستوقفني ما ورد بموجب مشروع القانون أنه سيتم تغيير (اسم مؤسسة التدريب المهني إلى "أكاديمية المهارات المهنية" وذلك انسجاماً مع تغيير أنماط التفكير السائدة لدى المجتمع حول التدريب المهني)..!، بقية الخبر من تفعيل وصلاحيات جديدة للمؤسسة التي ستصبح أكاديمية اتركه لمقال آخر..!
في المقابل ومنذ فترة طرحت خطة تحديث القطاع العام، ومن ضمن ما صرح به وزير التخطيط: ( دمج وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي ومؤسسة التدريب المهني باسم وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية).
بداية بما أننا في خضم إتباع مؤسسة التدريب المهني للوزارة المقترحة؛ (وزارة التربية وتنمية الموارد البشرية في مقترح خطة التحديث)، والتي اقترحتها في أحد مقالاتي قبل سنتين بأسم ( وزارة التعليم والقوي البشرية) وهو الأصح لأن التعليم يشمل كل مستويات التعليم والتدريب)، لماذا نستعجل تغيير قانون المؤسسة وهي في طريق الإدماج للوزارة المستحدثة ولن يتم ذلك الا بتعديل للقوانين..!.
نقطة أخرى؛ بحكم تخصصي في التعليم المهني والتقني وخبرتي فلدي تحفظ كبير على تغيير إسم مؤسسة التدريب المهني إلى (أكاديمية المهارات المهنية)، وفي سياق الخبر أن تغيير أسم المؤسسة جاء( انسجاماً مع تغيير أنماط التفكير السائدة لدى المجتمع حول التدريب المهني)..!، (يا هملالي)، سؤالي لمن اقترح التسمية أين الدراسة العتيدة التي تبين أنماط التفكير السائد لدى المجتمع حول التدريب المهني..!!؟؟ والتي دفعت لإقتراح تغيير الأسم..! أم انه سحر الأسماء..! تاريخياً معروف أن هنالك نظرة دونية للمهن في المجتمعات، لأن المهن ارتبطت بالعمالة والسخرة والطبقة الفقيرة زمن الإقطاع، حتى في الدول المتقدمة، ومع التقدم التكنولوجي وبروز أهمية المهن تلاشت هذه النظرة في الدول المتقدمة، وبدأت بالتلاشي في دول العالم الثالث، ومعروف أن تفعيل وتعزيز التدريب المهني وبرامجه والإقبال عليه بحاجة؛ (لسياسات وإستثمارات وتمويل وتأهيل)، وليس التلاعب بالأسماء..! ثم أن ذات التسمية موجودة في دول العالم والدول العربية، مرة بأسم التعليم المهني أو التدريب المهني أو التكوين المهني، أو الإعداد المهني، ومؤسسة التدريب المهني تعد إرثاً وطنياً، ساهمت وتساهم في تخريج الآلاف من المتدربين في المهن المختلفة منذ تأسيسها فما الداعي لطمس إسمها يا رعاكم الله… !.
شاركت في الكثير من لجان تطوير التعليم المهني والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية ولم أسمع شكوى أو إحجام عن الإلتحاق بالمؤسسة بسبب الأسم (مؤسسة التدريب المهني).
ملاحظة أخرى كان من الأولى تسمية المؤسسة( مؤسسة التعليم المهني) لأن كل المبادئ التربوية ومقررات اليونسكو ومنظمة العمل الدولية تعتبر التدريب العملي جزء من التعليم، ثم أن مراحل تطور التربية والتعليم المهني عند الأفراد في الأدبيات تصنف باربع مراحل( نشر الوعي، التهيئة، الإستكشاف؛ وهذه المراحل الثلاث تتم من خلال برامج أولها؛ التربية المهنية كجزء من التعليم العام أي من الصف الأول إلى العاشر وتعلم الطالب مهارات حياتية وتخلق لديه توجه وميول نحو مهنة المستقبل، أما المرحلة الرابعة فهي الإعداد؛ وتتم من خلال برامج التعليم المهني التي تعد الدارس لمهنة في سوق العمل؛ وتتم في المرحلة الثانوية في المدارس المهنية ومراكز التدريب المهني، وتزود الطالب بالمعرفة والإتجاه والمهارات اللازمة ( مهارات متخصصة) تؤهله لسوق العمل في أحد مستويات هرم القوى العامله مستوى المهني؛ شبه ماهر، ماهر، مهني، مهني متقدم، أو غيرها من التصنيفات أو تصنيفات الإطار الوطني للمؤهلات الذي تم إعتماده)، والبرنامج الثالث عالمياً للتعليم المهني هو برامج التعليم المهني كتعليم مستمر من خلال دورات رفع كفاءة وتدريب للممتهنين في سوق العمل، ومن التسميات عربياً (المؤسسه العامة للتدريب المهني والتقني في السعوديه،مراكز التدريب المهني في مصر، معاهد ومدارس التكوين المهني في بعض دول المغرب العربي).
أما تسمية أكاديمية فبالرجوع إلى تعريف أكاديمية وأكاديمي في معاجم اللغة العربية والإنجليزية:
تعريف و معنى أكاديمية في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي
أكاديميّة: (اسم)
الجمع : أكاديميّات
مدرسة فلسفيّة أسَّسها أفلاطون في بساتين أكاديموس في أثينا
مدرسة عليا أو معهد متخصِّص
هيئة علميّة تتألَّف من كبار العلماء أو الأدباء والمفكّرين كالأكاديميّة الفرنسيّة في باريس
ونجد الكثير من التعريفات التي تؤطر الأكاديميا في التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات ومؤسسات التعليم العالي ونتيجتها درجات علمية(Degree) وهي معروفة
درجة الليسانس والبكالوريوس، درجة الدبلوم العالي أو ما يعادلها. درجة الماجستير، درجة الدكتوراه. ومعروف أن الدرجات الأكاديمية في مؤسسات التعليم العالي والجامعات، أستاذ مساعد، أستاذ مشارك، أستاذ. ولا نلتفت لبعض تسميات الأكاديميات وخاصة في بلدنا التي تطلق على مراكز تدريب وتعليم تقدم دورات قصيرة، وأيضا فإن التعليم المدرسي أو مراكز التدريب في المستوى دون الجامعي تمنح شهادات وليس درجات، وعجبت قبل فترة من تصريح مدير مؤسسة التدريب المهني الجديد مع احترامي لشخصه، أنه سيتم النظر بطرح تخصصات بكالوريوس… ! فهل نحن بحاجة لتحويل مؤسسة التدريب المهني لأكاديمية تمنح درجة البكالوريوس… ؟؟؟ والبلد غارق بحملة الشهادات الجامعية، الؤسسة منوط بها تخريج مهنيين بشهادات وليس درجات علمية بمستوى المهني.
وتعريفات أخرى : أَكَادِيمِيَّة، كُلِّيَّة، مَجمَع، مَجمَعِيّ، مَدرَسَة، مَعهَد
من هنا أعتقد أن تسمية أكاديمية لمؤسسة حكومية تدير شؤون التعليم المهني على مستوى الوطن غير مناسبة، لأنها مؤسسة إدارية تدير مراكز تدريب مهني، ولأن التسميات الأكاديمية تنحو كما اسلفت نحو التعليم العالي والبحث العلمي وهذا ليس من أساس عمل مراكز التدريب المهني، وهو منوط بمستوى المتخصص في هرم القوى العاملة المستوى الجامعي.
الموضوع الثاني في التسمية ( أكاديمية المهارات المهنية)، أولاً التعليم هدفه إكساب السلوك للفرد، والسلوك هو مجموع ما يصدر عن الإنسان من ( معرفة نتاج الجانب العقلي، إتجاه نتاج الجانب الوجداني، مهارة نتاج الجانب النفس حركي)، وأي تعليم أو تدريب يجب أن يشتمل على هذه الجوانب الثلاثة بنسب متفاوته حسب مستوى التأهيل، فالتسمية اكاديمية المهارات توحي أن هذه الأكاديمية تزود مهارات فقط… ! وهذا خطأ جسيم، فأي تعليم أو تدريب مهني وأي تأهيل للمهن المختلفة يحتوي جانب معرفي وموقفي ومهاري، ولا يصح أن نذهب للجزء في التسمية، فالأصح الذهاب للكل؛ التعليم المهني.
وكما اسلفت لاحاجة لذكر التدريب فهو مشتمل في مصطلح التعليم، ويكفي أن نقول التعليم المهني.
خلاصة القول، تطوير وتفعيل التعليم المهني حاجة وطنية وأعيد من خلال(السياسات والإستثمارات والتمويل والتأهيل) وكتبت بذلك كثيراً..!، أما المسميات المستحدثة الضعيفة والركيكة؛ فلن ترفع سوية التعليم المهني وهو حاجة أساسية مع التعليم التقني لرفع مستوى الإقتصاد والمجتمع وتقليل نسب البطالة، ويجب على الجهات المعنية الإستعانة بالخبراء في التعليم المهني والتقني عندما يتعلق الأمر بخصوصيتها، فمن خلال تجربتي غالبية اللجان والمقررين وواضعي التشريعات والسياسات والإدارات غير متخصصين في التعليم المهني والتقني، ولهذا نتأخر ولا نتطور… حمى الله الأردن.