لا يستقيم الحال بوجود عشرات الأحزاب في بلد تعداد سكانه بضع ملايين نسمة، وتتشابه معظمها في البرامج والأهداف، هذا مؤشر على فوضوية العمل الحزبي وعدم نضوجه بما يكفي، لكن الأمل في أن تكون هذه الفوضى خلّاقة بما يقود إلى بناء حزبي جديد تستبدل فيه قواعد اللعبة واللاعبين، وينقلب فيه السحر على الساحر، وحتى نصل إلى هذه المرحلة المرجوة سنبقى فترة من الزمن في وضع غير صحي وسنكون معه غير قادرين على تشكيل حكومات برلمانية وإن حصل ستكون بمقاسات الحكومات السابقة وأكثر ضعفا منها، حينها سيجد ممثلو الشعب أنفسهم في اختبار صعب أمام ممثليهم وفي مرمى نيرانهم القاسية، ولن تكون تلك الحكومات ذات تأثير في الحياة السياسية، ولا في مخرجات الانتخابات على اختلاف أنواعها.
لسنا بحاجة إلى عشرات الأحزاب، نحن بحاجة إلى ثلاثة أو أربعة أحزاب متماسكة قادرة على لعب دور مهم وأساسي في مسيرة الوطن وتقدمه وتحاكي آمال وتطلعات وهموم المواطن الأردني، وترسم له المستقبل بوضوح، ويكون لها دور محوري في احداث تغييرات جوهرية في مسيرة الحياة الحزبية، وهذا لن يحصل في المدى القريب كما تؤشر اليه التحركات، وفي ظل ما يجري من مخاضات صعبة نخشى أن تكون معها الحياة الحزبية نسيا منسيا.
نحن بحاجة إلى أحزاب وطنية قوية عقلانية مؤدلجة بالاتجاه الصحيح ولديها منظومة من الأفكار تؤمن بها وتعكس نظرتها لنفسها وللآخرين والأشياء من حولها، لكن ما يظهر على السطح لا يوحي بما هو جيد، حيث الشللية والشخصنة والمناطقية والتبعية والسعي للذاتية والأنا واثبات الوجود، ومحاولة اشغال الفراغ هي السمة الغالبة على بعض من الأحزاب الناشئة.
في ذات السياق، نحن بحاجة إلى حزب وطني كتنظيم سياسي قوي ذو هوية وطنية قادر على اعادة رسم الخريطة السياسية، وقادر على تحقيق التوازن في الحياة السياسية الأردنية، وقادر على لعب دور فاعل في رسم السياسات واتخاذ القرارات، والمساهمة في تصحيح مسار الحكومات، وأن يكون له حضور مؤثر في الحياة البرلمانية والنقابية، (لا ديمقراطية حقيقية بدون معارضة سياسية فاعلة) تكمل وتتمم النظام السياسي، وبدونها لا يكتمل النظام والحياة السياسية، وأي محاولة لإسكات الأصوات المعارضة وقمعها أو الانقلاب عليها، أو تدجينها هو نوع من التغوّل والتعسّف في السلطة، ونوع من الفساد في الحكم والتحكّم بالعباد.
نحن بحاجة إلى أحزاب تنمو في بيئة طبيعية، إلا أن ما نخشاه أن نكون أمام أحزاب أنابيب ملقحة اصطناعيا استعراضية مدبلجة بديلا لأحزاب مؤدلجة، وبعض برامجها وأفكارها وتوجهاتها نسج من الخيال، ولا تحاكي الواقع، وستبقى حبيسة لهذه التوجهات، وبعضها لا يختلف في بنائها وحالتها الداخلية عن بنية وحالة النظام السياسي الذي تسعى وتهدف إلى إصلاحه، وأسال الله أن يخرج من أصلابها من يخدم الوطن، وأن لا تطبق علينا الأخشبين.