لم يمر علي الأمة الإسلامية عصرا فيه اختلافا لا ينتهي ضمنيا إلي اتفاقا أبدا ، أو اتفاقا إلا علي الاختلاف ، مثل العصر الذي نعيش فيه .
(وربما يكون هذا الاختلاف هو علامة خير ، إذ أنه اختلافا علي الكنز المفقود الذي تم العثور عليه من أثر النبوة ).
ففي عصر النبوة أو عصر الخلافة الراشدة كان الرافد واحدا ، والمنهج واحدا ، والاختلاف لم يكن إلا في حدود الاتفاق ، إنه اتفاقا علي المبادئ ، واختلافا في الفروع .ومرت الدولة الأموية وافترقت الأمة إلي فريقان مختلفان تماما لا تستطيع أن تجمع بينهما إلا قليلا ، وهم الشيعة والسنة ، فجاء بداية الاختلاف للأسف الشديد سياسيا ، والسياسة بعد ذلك جرت بعدها بالدين ، وعلي هذا الدرب سارت الدولة العباسية وما بعدها من مملوكية وأتابكة وأغالبه ، وصفوية وفاطمية علي الجانب الآخر الشيعي ، ومن السنة زنكيين وأيوبيين ومرابطين وغيرهم ،كان هناك ما يسمي بالسنة والجماعة أو ما يجري في ركابهما .
كان هناك أتفاق وكنت تعرف منهم في المجمل ، ولا تنكر من خلال الفريق الواحد وهو السنة والجماعة ، أما التفرقة التي بين الشيعة والسنة فهي تفرقه استثنائية ولا تستطيع أن تذكر الاختلاف أو الاتفاق ، لأن الرؤية أسفرت على أنهما فريقان وليس فريق واحد ، وإن كان كلاهما مسلم .
إلي أن جاءت نهاية الدولة العثمانية فإذا بالعالم الإسلامي كله ، تعرى منها وتنكر ، وما تنكر منه أحيانا أكثر مما تعرف ، مصداقا لأحد روايات حديث حذيفة بن اليمان.
إن السنة الذين هم غير الشيعة وما في ركابهم، لديهم أفكار كثيرة : فهم الصوفية وهم غلاة الصوفية ، وهم السلفية وغلاة السلفية ، وهم الإخوان وغلاة الإخوان من التكفيريين ، وهم القطبيين ، وهم التبليغ والدعوة ، وهم الجمعية الشرعية ، وهم أنصار السنة ، وهم الجماعة الإسلامية ، وهم جماعة الجهاد ، وهم الجهادية السلفية وهم التكفير والهجرة وهم الوهابية ، وهم داعش وغيرها،
إنهم أيضا حماس وفتح وحزب الوفد وهم حزب التجمع (الشيوعي) وهم الحزب الوطني وهم مستقبل وطن .
كل هؤلاء هم ألسنه والجماعة بغض النظر عن التفسير الحرفي أو المذهبي للكلمة وما فيها من اتهام ليبرالي أو علماني لكلمة السنة أو الجماعة ، فأنا اقصد أنا هؤلاء جميعا هم من المسلمين ألسنه ، وبغض النظر عن أن الحزب السياسي الليبرالي لا دين له ، فإنما أقصد أنه لا يمنع من كونك مسلم سنه أن تكون في ركاب الحزب ، أو أن يبني لك حزب التجمع الشيوعي مسجدا ، وأن ألدوله دينها الإسلام السني تفريقا في ذلك عن خطر الهيمنة الشيعية السياسية .
إن الاختلاف بين حزب التجمع والحزب الناصري أو أي حزب آخر ليس اختلافا دينيا وإنما هو اختلافا سياسيا أو اقتصاديا لا علاقة له بالدين ، وإن كان الدين يهتم بالسياسة وبالاقتصاد.
وينبغي ألا يتدارك لفهم أحد عن كلامي أنني أحاول أن أقرب بين الآراء والمذاهب ، ولكنها رسالة تصنيفية من وجهة نظر الدين لا السياسة ، فالجميع مع التحفظ علي الجهات السياسية هم سنة أو كما يقال أهل السنة والجماعة .
وهذا التحفظ صحيح فإنه مرت أوقات كثيرة تعاون فيها الإخوان ألسنه مع (ألشيعه) ، وتعاون الإخوان مع حزب الوفد ، لماذا ؟ ..لأن الموضوع هنا سياسة وليس دينا ، فالتحفظ الذي ذكرت هاهنا صحيح .
وأنا لا أدعوكم إلى الاهتمام بهذا الحشد من الحصر ، وإنما أذكر هذه التعددية لنؤكد علي بيان حذيفة بن اليمان الذي يقول فيه تعرف منهم وتنكر ، وربما أيضا الرواية الثانية التي تقول ما تنكر منهم أكثر مما تعرف ، أنني هنا علي العكس من هذا إنما اقصد التمييز لا التعميم . فإن كل طائفة من هؤلاء تنكر علي الأخرى وتعرف .
فهل تقتصر فائدة بيان حذيفة بن اليمان عن أنها مجرد محطة تاريخيه أو علامة زمنيه بين العصور المتعاقبة ، لإبراز البعد الزمني للأمة فقط ، كلا..
فالحقيقة غير ذلك كله إن حذيفة بن اليمان يضعنا جميعا علي خريطة أهدنا الصراط المستقيم صراط. الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ، وهي خريطة تربوية يندر من يفهمها .
إن عصر القرن التاسع عشر والقرن العشرين هو مقصد حذيفة بن اليمان ، أو بالأحرى هو مقصد رسول الله صلي الله عليه وسلم من أنه هو عصر الشر ، إنه العصر الذي سقطت فيه كرامة الأمة بالرضا بالاحتلال الإنجليزي أو الفرنسي أو غيرهما ، ثم يسمي هذا الخنوع تنويرا . وانه أمجاد يا عرب أمجاد .
إن الخير الثاني الذي فيه دخن ،هو ما بعد نهاية ألدوله العثمانية وليست ألدوله العثمانية نفسها وليس نهايتها أيضا ، أنه عصر التحرر من الاستعمار ، وهي الفترة من ١٩٤٨ حتى الآن ، كما أنه تحديدا بأنه الشر المقصود هو أواخر ألدوله العثمانية ونهايتها ، وهذا هو الشر الثاني الذي يلي شر الجاهلية ، والذي احتلت فيه أوروبا العالم الإسلامي والعربي جميعا.
وتحديدا جاءت البدايات منذ حالة الالتفاف البرتغالي والأسباني حول العالم الإسلام وسقوط دولة المماليك في الأندلس حينها .
خلاصة ما أقول إن العصر الذي نحن فيه هو الخير ، علي عكس ما يعتقد ويعتنق التكفيريين من ألشيعه أو من ألسنه على السواء ، أننا بخير وأن السيسي والجمهورية الجديدة ومؤسسة تحيا مصر سلسله من سلاسل هذا الخير : فإن كنت تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم .
أقول لكم بعد هذه النتيجة الاخيره أن استمتعوا بالخير الذي انتم فيه ، وإن كنت تعرف من هذا الخير أو تنكر ، وأننا علي وداع حلقه من حلقات الخير ، وذلك لأن الشر الحقيقي قادم .