من نافلة القول التأكيد بأن الأردنيين على اختلاف مواقعهم وانتمائاتهم، يتفقون على تشخيص واقعهم ويلتقون على تحديد مشاكلهم الرئيسية والتحديات التي تواجههم،وإن اختلفوا بعض الشيء حول الأسباب الحقيقية لهذه المشاكل والتحديات،وهو إختلاف لايحول بينهم وبين الإتفاق على مايعانونه من مشكلات وتحديات،أعتقد أن أخطرها الأحجام عن مواجهتها والسعي لحلها ، وهو أحجام ناتج في معظمه عن غياب الإرادة والخوف من تحمل المسؤولية عند الكثيرين ممن يتولون إدارة مواقعا عامة ،وهي حقيقة أشار إليها جلالة المللك في أكثر من مناسبة.علما بأن الكثير من الحلول لايحتاج إلى أموال غير مقدور عليها، بل لعل بعض هذه الحلول من شأنه المساهمة في الحد من أزمتنا الإقتصادية،من ذلك على سبيل المثال وقف الهدر في الكثير من ممارساتنا وسلوكياتنا،وهنا لا أريد الحديث عن السيارات الحكومية، ولا عن المؤسسات المستقلة، فهناك أوجه هدر أكبر وأخطر منها على سبيل المثال ان الدراسات تقول أن الهدر في القطاع العام الصحي تبلغ عشرات الملايين من الدنانير سنويا من الأدوية وغيرها ،آخذين بعين الاعتبار أن الهدر ممارسة تتكرر في الكثير من مرافق القطاع العام ،ووقفه لايحتاج إلا لتنسيق حقيقي بين مؤسسات الدولة ،حتى لاتتكرر الخدمة التي تقدمها هذه المؤسسات دون طائل ،وفي هذا المجال يبرز التأمين الصحي نموذجا صارخا لغياب التنسيق الذي ينجم عنه التكرار كمدخل من مداخل الهدر وغياب العدالة.
كثيرة هي المشكلات والتحديات التي نحجم عن مواجهتها ، غير أن أخطرها هي غياب الثقة بالمؤسسات ،كما تدل على ذلك استطلاعات الرأي العام الأردني.الذي طالما قلنا أنه مختطف وموزع بين الكثير من الروايات ،ليس بينها رواية متماسكة للدولة الأردنية،بعد أن جرى شرذمة مؤسسات صناعة الرواية ومضمون هذه الرواية وصولا إلى تهميش الرواية ومؤسسات صناعتها ،فقد صارت المؤسسة الإعلامية الرسمية الأردنية محل رثاء الجميع، مع إن الإعلاميين الأردنيين يحملون على كواهلهم تسير الكثير من المؤسسات الإعلامية المتميزة وعلى أكتافهم قام نجاح هذه المؤسسات ذات الحضور الحاد، سواء كانت هذه المؤسسات ملك القطاع الخاص الأردني ، أو مؤسسات عربية او عالمية ،وهي حقيقة تؤكد أن العيب ليس في القوى البشرية الأردنية ، لكنه عيب في حسن الاختيار وأسسه وأهدافه،وهو في النهاية عيب في إدارة القوى البشرية ،من خلال وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب.
ماينطبق على المؤسسة الإعلامية الأردنية ينطبق كذلك على المؤسستين الدينية والثقافيةاللتين يجب أن تلعبان دورا مركزيا في صناعة رواية الدولة التي يجب أن تحملها وسائل الإعلام ومنابر الخطابة والتدريس وأدوات الثقافة على تنوعها،وهو ما لا يحدث في بلدنا لغياب التنسيق الناتج عن غياب الإرادة،لذلك تتعمق مشاكلنا،وتزيد حدة التحديات التي نواجهها.