قدم الدكتور محمد حمزة، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، ورقة بحثية في الندوة الدولية المصاحبة لملتقى الشارقة للخط "الذي تتواصل فعالياته لنهاية الشهر أكتوبر الجاري والتي جاءت تحت عنوان "الخط العربي.. مدن وتاريخ" بمقر بيت الحكمة بالشارقة ، وذلك ضمن فعاليات الدورة العاشرة من الملتقى "ارتقاء"، والتي تناول خلالها دراسة نماذج الخط العربي المسجلة على تلك المواد الأثرية من حيث الشكل والمضمون لإثبات قيمتها التاريخية والفنية، في محاولة جادة لإثبات تاريخية التاريخ الإسلامي المبكر وحقيقة أحداثه العامة وعلى رأسها الفتوحات الإسلامية وأعلامها، مشيراً إلى أن الكتابات تقدم أدلة دامغة بخطها العربي ونصوصها المختلفة على تاريخية التاريخ الإسلامي بما لا يدع مجالا للشك.
وبين الدكتور الباحث محمد حمزة بأن أهمية البحث تكمن في وجود أدلة مادية كثيرة على مختلف المواد الأثرية من الآثار الثابتة (العمائر والنقوش الصخرية) أو الآثار المنقولة والتي تحتفظ بها العديد من المتاحف في مصر والعالم ترجع إلى عصري الخلفاء الراشدين والأمويين، من البرديات والمسكوكات، والصنج، والأختام الرصاصية، والمكاييل، والمنسوجات، والنقوش الشاهدية.
وقد تصدى الدكتور محمد حمزة لإدعاءات المستشرقين الذين يروجون لفكرة " بأن لا تاريخ بدون آثار" وهذا يعني أن التاريخ الإسلامي لا وجود له ما دام يفتقد للتأريخ والآثار المادية، وهذا يعد منهج غير علمي، موضحاُ الدكتور حمزة أن علم الاستشراف نشأ في فرنسا لأول مرة في مؤتمر باريس 1873 وعرف بالاستشراق القديم، إلى أن انتهى مصطلح الاستشراق رسمياً في مؤتمر باريس للاستشراق عام 1973 بمناسبة مرور قرن على بدايته، وتم في المؤتمر إلغاء التسمية مع استمرار المؤتمر باستخدام مصطلح "المؤتمر العالمي للدراسات الإنسانية حول أسيا وشمال أفريقيا، وقد تم استبداله بعد مؤتمرين إلى " المؤتمر العالمي للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية" وله أربعة محاور" دراسة المناطق – مستودعات الأفكار – ما بعد الاستشراق – استشراق ما بعد الحداثة" وللحقيقة العلمية.
وقال الدكتور محمد حمزة أن هؤلاء المستشرقين القدامى تمكنوا من اكتشاف حضارتنا ونشر التراث في الأفاق، مع أن دوافعهم في البداية كانت البحث عن دلائل تفيدهم وكانت المفاجأة عند دراسة التوراة ووجدوا فيها أدلة عن حضارتنا، وهذا يجرنا إلى علم الساميات والأقوام السامية الذي نشأ في ألمانيا على يد العالم اللاهوت "شلتزر" وفي عام 1865 نشأ علم التوراتي وكان الغرض منه حفائر لكل الأماكن التي تهدف للتوراة،وكذلك جاءت مع حملة الكاشف "تشارلز وارين" ومن أعظم العلماء " وليام ماثيو فلندرز بيتري" وله متحف في لندن، وهو الذي اكتشف لوحة مرنبتاح وتعد من أعظم الاكتشافات، وسميت هذه اللوحة "فرعون الخروج "وتعني إسرائيل وظلت على هذا الاسم لوقت قريب حتى أن زاهي حواس يذكرها باسمها، مؤكداً بأن أهمية هذه اللوحة يكمن في ذكر أسماء المدن من خلال 28 سطراً، ولكن للأسف تم تأديب هذه المدن وتم القضاء عليها حسب الترتيب الجغرافي.
وأشار الدكتور حمزة إلى أن هؤلاء المستشرقون كانوا يدسون العسل في السم، ولذلك علينا أن نتأمل لأرائهم بحذر وخاصة في الفترة الإسلامية وإخضاعها للتحليل والدراسة والمقارنة التاريخية ، ومن أشهر المستشرقين القدامى، "يثو دور نولدكة " صاحب أول رسالة عن تاريخ القرآن 1859ونقشت وطبعت وترجمت إلى اللغة العربية ولكن بها أخطاء كثيرة، ومنهم أيضا "أبراهام جايجر" و " جولد تسيهر" أول من شكك في الحديث النبوي ، و " صمويل مارينوس زويمر و" مرجليوث" الذي شكك في الشعر الجاهلي، واعتمد عليه الأديب طه حسين وكان متأثر بالحداثة والعلمانية الغربية وبالنظرية التي تقول أن لا تاريخ بدون آثار، وقال حسين في كتابه الشعر الجاهلي ص 30 فلتحدثنا التوراة وليحدثنا الإنجيل إنكاراً منه بوجود أدلة مادية عن وجود أنبياء بعينهم.
وأردف الدكتور محمد حمزة ، عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، أن برغم ما أثاره من المستشرقين من حملات التشكيك حول التراث الإسلامي والحضارة والسيرة النبوية الشريفة والحديث وتاريخ الصحابة والفتوحات التي أطلقوا عليها غزوات، إلا أن خطورة هذه الأبحاث كانت في حيز ضيق جداً قياساً بأفكار المستشرقين الجدد الذين بدأت حملاتهم 1973 م ، وكان من بينهم المستشرق برناد لويس وأطلقوا على أنفسهم المراجعون الجدد وأصحاب التنوير وأخذوا يعيدون كل ما نشر وإعادة تنقيحه من المستشرقين القدامى، وقد دعمتهم القوى كما الحال في المعهد الألماني والأبحاث الشرقية وتتجلى خطورة هذه المرحلة أنهم سخروا من بين جلدتنا العربية من يهاجمنا ويشكك في حضارتنا وثوابتنا، عبر القنوات الفضائية ووسائل الإعلام المختلفة ولعل القارئ الكريم يعلم لمن أشير فهم لا يخفوا على أحد.
وأوضح الدكتور محمد حمزة أن دلائل هؤلاء المستشرقين تقوم على إلا منهجية ولا واقع، بل استشهدوا بأن الفترة المبكرة التي تبدأ بمولد الرسول الكريم صل الله عليه وسلم في 132 ه و750 ميلاد إبان الفترة العباسية تخلو من وجود آثار ، ومن هؤلاء الذين يروجون لهذه الأفكار القس اللبناني الذي اختار لنفسه اسماً مستعاراً "لكسمبورج" وهو مؤسس معهد إنارة في ألمانيا وصاحب كتاب قراءة القرآن الكريم وأن علم القراءات غير سليم، حتى انه أشار إلى أن اسم محمد بن عبد الله المنقوش على قبة الصخرة الذي أمر به هو عبد الملك بن مروان هو إشارة إلى نبي الله عيسى، أما محمد الثاني فهو صنيعة العباسيين، حتى أنه شكك في أن معاوية ليس عربياً، والأسرة الأموية ليست من مكة ولكنها من الكومنولث، وجاء المستشرق "دان جيبسون " الذي درس المنهج الإسلامي وأشار إلى أن مكة هي البتراء في الأردن وشكك في قصة الإسراء منوها بأنه لا علاقة به ومحمد صل الله عليه وسلم، بل وغيروا اسم السورة إلى بني إسرائيل ويعد مروج للديانة الإبراهيمية، ومنهم من يرى أن قريش ليست من مكة وأنهم من شمال سوريا وبالتالي يشكك في السيرة.
ومن تلاميذ المستشرقين الجدد، حامد عبد الصمد ، محمد المسيح ، أبلال الرشيد الذي يريد أن ينسف البخاري، وله كتاب صحيح البخاري نهاية الأسطورة، وسامي الديب والأخت فارحة والقمس زكريا بطرس آدم المصري ووفاء سلطان وسلوى بالحاج وغيرهم، وكانت حجة هؤلاء عدم وجود أدلة تثبت زمن الرسول صل الله عليه وسلم، ولأنهم لا يؤمنون بالمنهج العلمي مضوا في ضلالهم، فمن الأدلة الدامغة على بهتانهم وجود سيق أهداه سعد بن عبادة وموجود حاليا قاعة أنشأها عباس حلمي الثاني، وتابعة للآثار المصرية ويثبت أن السيف مكتوب بالخط المستخدم أثناء مرحلة الخلفاء الراشدين"وقد أشارة إلى سيدنا .محمد رسول الله من سعد بن عبادة" ووردت الإشارة إليه بالغضب هذا الشق الذي في النصل، ومن الأدلة للخلفاء الراشدين بردية "اهناسيا" في قنا جماد الأول 22 هجرية 642 ميلادية في عصر عمر أبن الخطاب وهذه البردية كتبت باليونانية والنص العربي وضع في خمسة اسطر وتضم بأن عبد الله بن جابر قد حرر إيصال نظير شرائه 65 شاة منها 50 لجنود البر و15 لأصحاب السفن أي تكفي 650 جندي، أي ما يدل على أن مصر تم فتحها براً وبحراً، وأن البردية كتبت بالخط العربي وقد حذف منها الألف والمد مثل الرحمن ، أصحب وغيرها، وهذا يدل على التوثيق كما اهتموا بالتقويم وبدايته سنة 17 هجرية، وهذه البردية تعبر عن مدى الرحمة وأن القائد المسلم اخذ على نفسه عهد بأن يعطي للشعب المهزوم إيصال بقيمة ما اشتراه في حين أنه كان من الممكن أن يأخذه تحت مسمى الغنائم.
وذكر الدكتور محمد حمزة سلسلة من الدلائل، منها نقش زهير في 24 هجرية والذي يؤكد مقتل عمر بن الخطاب، حيث جاء في النقش أنا زهير وقد توفي عمر بن الخطاب، بعد أسبوع نقش زهير الثاني اكتشف في السعودية ليؤرخ تولي عثمان بن عفان حيث كتب أمر أبن عفان 24 هجرية، ونقش عروة بن ثابت في قبرص 29 هجرية، ومسلمي 23 هجرية وعبد الرحمن الحجري 31 هجرية وعباسة بنت جريس 71 هجرية وقبة الصخرة 72 هجرية ودار صك العملة ومن الطريف أن نقش قبة الصخرة 72 هجرية 691 م كان تنقيط حرف القاف ينقط بنقطة من أسفل وهى من المغاربة، كما جاءت كتابة من اليسار إلى اليمين كالتي نقشت على الأختام والعملة وعرفت بالكتابة المعكوسة.
وأكد الدكتور محمد حمزة عميد كلية الآثار جامعة القاهرة، أن نظرية المستشرقين القدامى والجدد ليس لها أي أساس من الصحة وهذه الأدلة وبالدليل القاطع تفتت ادعاءاتهم المكذوبة وأنهم ليسوا أمناء تجاه المنهج العلمي وأنهم أرادوا إثارة الفتن، لذلك نطالب بتشكيل لجان علمية لتجميع النقوش وتشكيل لجنة علمية لكتابة التاريخ الإسلامي وترجمته إلى الألمانية والفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى تخصيص قناة متلفزة لإعداد برامج للرد على هؤلاء المدعين وتوضيح التاريخ الإسلامي المبكر ، مشددا على أن المسلمين جميعا عليهم الاطلاع المباشر والمستمر على ما ينشر عنهم حول العالم، من أبحاث ونقد وتحليل مزيف،و الهدف منه التشكيك وكتابة التاريخ من وجهة نظرهم، فعلينا جميعا التصدي لهذه الحملات بالعلم والمنهج السليم والرد المستشرقين في الخارج والداخل.