لعل الأردن كانت من اوائل الدول في صياغة تشريع يتناول حماية الشهود والمبلغين والخبراء في قضايا الفساد ، بحيث يتواءم هذا التشريع مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتي صادق عليها الأردن.
بحيث كرست هذه الإتفاقية ضمن بنودها مسألة حماية الشهود والمبلغين والخبراء وأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم في المادة (32) بحيث نصت المادة في الفقرة الأولى على أن « تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقا لنظامها القانوني الداخلي ، وضمن حدود إمكانياتها لتوفير حماية فعالة للشهود والخبراء الذين يدلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرمة وفقا لهذه الإتفاقية ، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص مثيقي الصلة بهم عند الإقتضاء ، من أي إنتقام او ترهيب محتمل «
وقد صدر نظام حماية الشهود في قضايا الفساد عام 2014 ، مقتصرا على قضايا الفساد فقط ولم يتناول بالحماية الجرائم الاخرى والتي تضمنتها إتفاقيات أخرى مثل إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية
والتي تشمل سائر الجرائم الخطيرة مثل قمع ومعاقبة الإتجار بالبشر وبخاصة النساء والأطفال ، ومكافحة صنع الأسلحة النارية واجزائها والذخيرة والإتجار بها بصورة غير مشروعة وتهريب المهاجرين وكافة الجرائم التي تشمل عبور الحدود الوطنية والمشاركة في جماعات إجرامية منظمة .
و بالعودة الى نظام الحماية الاردني نجد بأن هناك بعض الملاحظات التي نتمنى على المشرع أخذها بعين الإعتبار ، مثل تحديد مدة الحماية المقررة للشخص المحمي ، كما في تشريعات كثير من الدول بحيث لا تظل المدة مفتوحة ، كذلك العمل على توسيع نطاق الحماية الجزائية لتشمل المدعي العام والقاضي ، بالإضافة الى رصد مكافأة مالية لكل من يقدم معلومات لحالات فساد مالي او إداري ، من شأن هذه المعلومات المساهمة في كشف ملفات فساد والعمل على إستعادة الأموال العامة نتيجة للتحقيق بهذه الملفات ، وهذا الامر معمول فيه في كثير من البلدان .
كذلك من ضمن الضمانات التي يجب توفيرها للشاهد هو حمايته من اي اجراءات إنتقامية ، مثل نقله من وظيفته الى وظيفة اخرى او تقييد صلاحياته في العمل الموكل اليه او إحالته على التقاعد المبكر وبالنتيجة حمايته من اي قرارات إداريه تتخذ بحقه لاحقا كنوع من الترهيب والتخويف حتى يتراجع عن شهادته او التأثير عليه من خلال الضغط وممارسة كافة الاساليب التي من شأنها التضيق على الشاهد ومنعه من تقديم شهادة صحيحة وغير معيبة .
ونتمنى كذلك أن يكون التوجه مستقبلا الى توسيع مظلة الحماية لتشمل الشهود ليس فقط في جرائم الفساد وإنما لتشمل أيضا حمايةالشهود والمبلغين في الجرائم التي اشتملت عليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية ، إنسجاما مع التوجه الحديث في المجتمع الدولي الذي يؤكد دوما على وجود علاقة وثيقة ما بين سياسة مكافحة الفساد ومناهضة الجريمة بشكل عام.