صحيح أنني لم أزور مدينة نابلس قط،لكنها مدينة دخلت تفاصيل حياتي اليومية،فهي مسقط رأس من أحب ،ومدارج صبا زوجتي التي رحلت عن هذه الدنيا قبل شهور ،ولي من نابلس وفي نابلس أصدقاء أعتز بهم ،لذلك كله فإن كل مايجري في نابلس يهمني على الصعيد الشخصي ،ناهيك عن الإحساس الديني والشعور القومي ، فكيف إذا كان مايجري بمستوى ما نشاهده ونتابعه هذه الأيام في الضفة الغربية بقيادة نابلس ،التي تؤكد من جديد أنها جبل النار،ومعقل الثوار.
إن مايجري في الضفة الغربية بقيادة نابلس هو درس لكل الواهمين بأن الشعوب تستسلم لجلاديها،ففي الوقت الذي آمن فيه الكثيرون بأن الضفة الغربية خلعت رداء المقاومة ،وانشغل فيه أهلها عن مقاومة الاحتلال ،وانصرفوا إلى هموم حياتهم اليومية، بحثا عن لقمة الخبز،وهي السلاح الذي طالما استخدمه الطاغية والمحتل لإشغال الناس عن قضاياهم الكبرى ظنا منه أنه يلهي الناس عنه.
وفي الوقت الذي ضنت فيه عواصم القرار المتواطئة مع المحتل أن شعب فلسطين استسلم لانقسامات من ظنوا أنهم قادته وزعمائه،هاهي الضفة الغربية تؤكد أن الزعامات المصنعة لا تفيد صانعها ولا تحميه إذا جد الجد وحان الحين.
وفي الوقت الذى ظن فيه المحتل ومن حالفه أن جيلا جديدا قد ترعرع في الضفة الغربية، لا علاقة له بالمقاومة ،وصار شغله الشاغل متابعة التوك توك،والفيسبوك،والبحث عن فرص الحياة .
في هذا الوقت بالذات انفجرت الضفة الغربية لغما مدويا في وجه المحتل ومن حالفه،فسقطت كل مراهنات الأجهزة الأمنية وتنسيقاتها، وطار النوم والاسترخاء من جفون الآلة العسكرية المحتلة،وخابت كل تحليلات من فرضوا على الناس كخبراء ومحللين سياسيين وعسكريين واستراتيجيين ،فعادت الأمور إلى نصابها ،فعادت نابلس إلى مكانتها الطبيعية والتاريخية مدينة للثورة ومعقلا للثوار ،وأسقط فتية الضفة الغربية وشبابها كل مخططات التميع ونظريات الاستسلام ،وأكدوا من جديد أن الشباب هم أمل أمتهم ، وان تكميم الافواه لا يخفي الحقائق الكبرى التي تبرز الآن في فلسطين ،وأولها الحقيقة التي تقول أن الشعوب لاتستسلم لمحتليها وجلاديها، ولا تسلم قيادها للطغاة ومهما طال الليل فلابد من أن يبزغ الفجر، ليقول للمحتل والطاغية ها قد حان وقت دفعك ثمن علوك واستكبارك ،وإهمالك لتطلعات الشعوب وإدارتك ظهرك لأناة المقهورين.
مايجري في نابلس و سائر مدن الضفة الغربية وقراها ومخيماتها ليس نهاية المطاف ، لكنه جولة وجولة حاسمة في تاريخ الصراع مع العدو ،لأنها أثبتت فشل نظريات التميع والاستيلام،وأسقطت نظرية التجويع من أجل التركيع ،وأكدت أن الشعوب الحية لاتموت ،ولا تستسلم لضيم. فتحية لفلسطين التي مازالت تعلمنا دروس الحرية والحياة.