هل تعرفون ماذا يعني أن 16 فصيلاً فلسطينياً قد وقع على إعلان الجزائر من أجل المصالحة الوطنية؟ وماذا تعني الرعاية الجزائرية لهذا التوقيع الذي تم بالعاصمة الجزائرية بحضور الرئيس عبد المجيد تبون شخصياً الذي تعمد أن يُشهد المجتمع العربي والدولي معه على التوقيع من خلال دعوة 70 سفيراً معتمداً في الجزائر ليشهدوا على الاتفاق؟. الجواب حتماً إن ذلك يعني الكثير للجزائر وفلسطين ولكل العرب، فالتوقيع بحد ذاته كما قال الرئيس تبون يحمل رمزية خاصة، فعدا أنه قد تم بالقاعة نفسها التي أعلن فيها الراحل ياسر عرفات عن قيام دولة فلسطين، فهو إستمرار لجهود إقامة هذه الدولة بتعايش لمكونات وأطياف كل الشعب من يمينه الى وسطه الى يساره.
لقد تضمن الاتفاق الذي صار يعرف باسم إعلان الجزائر تسعة بنود كان من أهمها التأكيد على دور منظمة التحرير الفلسطينية بإعتبارها الكيان السياسي الذي يعترف به الغرب على أنه الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، كذلك إعادة إنتخاب المجلس الوطني الفلسطيني عبر نظام التمثيل النسبي بمشاركة الجميع خلال عام واحد من تاريخ الإعلان، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في الضفة وغزة والقدس خلال ذات الفترة وهذا الأمر كان يشكل حجر عثرة أمام أي اتفاق سابق، ومنعاً لأي تفرد حركي لأي من الفصائل تم الاتفاق على تفعيل دور الأمناء العامين للفصائل، وهذا يعني توسيع قاعدة المشاركة في عملية إتخاذ القرار خاصة المصيري منها. لقد حضرت حركة فتح أكبر الفصائل الفلسطينية هذا الاجتماع وتعهدت بالعمل على تنفيذ كل بنود الاتفاق، كذلك أكدت حركة حماس ثاني أكبر الفصائل حرصها على إنجاح الاتفاق وتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني نحو إنهاء الانقسام، لكنه يبقى مجرد ترحيب إعلامي وقد لا يرى النور ما لم يلقى دعم عربي قوي في اجتماعات القمة كضغط على قيادتي حركتي فتح وحماس للعمل به.
قد لا تعني كثيراً تلك الصورة الجماعية للوفود التي توسطها الرئيس الجزائري مع ممثلي حركتي فتح وحماس تم خلالها رفع إشارات النصر احتفالا بهذا الإنجاز الا أنه يبقى إتفاقاً حبراً على ورق وبعيد عن الميدان، وقد شككت الكثير من الاواسط الفلسطينية بفرص نجاح هذا الإتفاق كونها عاصرت سابقاً فشل وعود الانتخابات السابقة في تحقيق ذلك عدا عن الخلاف الحاد أثناء محادثات المصالحة على موضوع تشكيل الحكومة الوطنية الذي آثرت الجزائر في النهاية على شطب موضوعه من بنود الاتفاق تجنباً لإعلان فشل الاتفاق برمته.
برأينا قد يكون هذا الاتفاق أخر فرصة متاحة للفلسطينيين لوقف الانقسام السياسي السائد بينهم منذ عام 2007 والذي حال دون إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد رفض فوز حماس بالانتخابات التشريعية وقتذاك، ومما زاد من هوة الانقسام هو سيطرة حماس على قطاع غزة وبقاء حركة فتح ممسكة بمقاليد السلطة في الضفة الغربية. لكن، لا يخفى الأمر أن هذا الاتفاق يخدم الجزائر التي تستضيف قمة جامعة الدول العربية الشهر المقبل، فهي تريد من خلاله تجسيد مكانة الجزائر كقوة إقليمية مؤثرة، لذا، تولت الجزائر مسألة تبني اجراء حوار مع طرفي الانقسام على مدى شهور مع جميع الفصائل لتمهد الطريق إلى هكذا اتفاق، ضماناً لها من خلال الورقة الفلسطينية بإنجاح القمة ولأنها تراه خطوة أمام قطع الطريق أمام تزايد أعداد الدول العربية المطبعة مع الكيان.
بقي أن يشير أنه لا يجب الأخذ على مجمل الجد ترحيب المجتمع الدولي بإتفاق الجزائر، فالغرب الأن منهمك بالصراع الروسي الاوكراني، كما هو ذاته الذي تعهد لإسرائيل ذات يوم أن يدعم جهودها في استثناء سكان القدس من أي مشاركة في انتخابات تشريعية قادمة، بالتالي، قد تعود بنا الأيام الى المربع الأول، أي مزيد من الانقسام الفلسطين أمام جمود الحل مع إسرائيل، وتخلي المجتمع الدولي عن التزاماته بحكم أولوياته مقابل مزيد من الهرولة العربية نحو التطبيع مع دولة الكيان، فكل المؤشرات تدعو بكل أسف للتشاؤم وليس للتفاؤل.