دور ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية للشركات في إعادة تشكيل استراتيجيات الاتصال المؤسسي للعلامات التجارية
بقلم سوكانيا شاكرابورتي، مدير الاتصال المؤسسي لدى «في إف إس غلوبال»
يتركز اهتمام المستثمرين والمستهلكين مؤخراً على مكونات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية للشركات، ما يساهم في تعزيز مكانة الاستثمار المستدام لاستشراف مستقبل أفضل للأجيال القادمة. وأظهر استبيان جديد أجراه بنك "إتش إس بي سي" عام 2020 أن 41% من المستثمرين في الشرق الأوسط يرغبون في تبني سياسة استثمار فعالة عبر مجالات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. بينما أضاف تقرير صادر عن "بي دبليو سي" في مايو 2022، أن التنوع والمساواة وتغير المناخ والسلامة تعتبر من أهم أولويات استدامة الشركات في المنطقة.
ومن المؤكد أن العلامات التجارية بحاجة للمزيد من الوقت لتتمكن من استكشاف الإمكانات الكاملة لوضع استراتيجيات فعالة في مجالات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، تساهم في تعزيز رسالتها وتحسين صورتها في نظر المستهلكين عبر الأسواق العالمية. وما يزال وعي هذه العلامات في مراحله الأولى لناحية إدراك التأثير الهائل لملامح الحوكمة على خلق القيمة الاقتصادية لأعمالها والارتقاء بقدراتها التنافسية، ما يؤدي إلى فقدانها لأحد أهم محركات ودوافع القيمة.
وتحتاج الشركات إلى وضع إطار اتصال متكامل، لتحقيق أهدافها المتمثلة في تقديم خططها وتطلعاتها على نحو ناجح. وستتمكن الجهات المعنية من التعمق في فهم الآثار طويلة المدى لاستثماراتها بناء على خطة الاتصال الفعالة في مجال الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. وأطلقت «في إف إس غلوبال»، تقريرها المتكامل في يونيو، الذي شهد وضع استراتيجية الاستدامة للشركة على أساس خمس ركائز تتماشى مع استراتيجية أعمالها وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة والأولويات الوطنية المساهمة في النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز الحوكمة ورعاية الزملاء وحماية البيئة وتوفير الدعم للمجتمعات.
تطوير إطار فعال للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية
تتجلى المرحلة الأولى من تطوير مسار عمل ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية بفهم الجمهور المستهدف. وتتزايد أهمية هذا التوجه في عالمنا المعاصر، الذي تشهد فيه مجالات التركيز والتحديات تحولات جذرية بالتزامن مع المفاهيم الاجتماعية والديموغرافية المتطورة. لذا، تتطلب الرؤية الهادفة لإنشاء إطار عمل مخصص لممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، ضرورة فهم أنظمة القيم السائدة في السوق الذي تستهدفه الشركة. ومن المفترض في هذا السياق، أن يهتم المتخصصون في مجال الاتصال المؤسسي بنشر ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية للشركة على نحو استباقي، بالإضافة إلى تحديد الخطوات الواجب اتخاذها لمساعدة الجهات المعنية على فهم أهمية إطار عمل الشركة بشكل أفضل. وتتمثل الطريقة الأمثل في هذا المجال باستعراض الإحصائيات ذات الأهمية الاستثنائية لدى الجمهور المستهدف، وإنشاء إطار عمل يتوافق مع رؤية الشركة ورسالتها وقيمها. ويتجسد المغزى الأساسي هنا في ضرورة الانفتاح على تبني المقاييس المختلفة التي تستعرض ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية للشركة لدى الجهات المعنية، مع الحرص على موثوقيتها وقابليتها للقياس والمقارنة.
وخير مثال على ذلك، شركة آبل الرائدة في عالم التكنولوجيا، التي أعلنت في تقريرها لتقدم العمل البيئي (2022)، عن استخدام المواد المعاد تدويرها بنسبة 20% من إجمالي المصادر المعتمدة في تطوير وصناعة منتجاتها لعام 2021. وقامت الشركة باستخدام الذهب المعاد تدويره والمرخص لتصنيع منتجاتها، وتعزيز جهودها المستدامة لاعتماد المصادر البديلة في عملياتها. وبحسب التقرير الصادر عن جلف نيوز، من المتوقع أن يصل سوق ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية إلى 53 تريليون دولار بحلول عام 2025، وقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة التزامها في هذا الإطار، عبر هيئة الأوراق المالية والسلع التي وضعت مسودة المتطلبات المخصصة للمؤسسات المدرجة في دبي وأبوظبي، والتي يتوجب عليها استعراض ممارساتها في مجال الحوكمة بما يتوافق مع معايير معهد التقارير العالمي.
وقد عزز انتشار مفهوم العالم الافتراضي خلال العامين الماضيين، روابط الاتصال بين الجمهور المستهدف والعلامات التجارية المفضلة لديهم، عبر رواية القصص المؤثرة ونشر رسائل ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية الهادفة، لتسليط الضوء على أفضل الطرق الممكن اتباعها من قبل العلامات التجارية للتواصل بكفاءة مع جمهورها في هذا الإطار.
نشر إطار عمل ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على نحو فعال
يحتاج خبراء الاتصال المؤسسي في العصر الرقمي إلى الوعي بأهمية القنوات المتاحة واعتماد نهج متعدد القنوات لنشر إطار عمل الحوكمة الخاص بشركاتهم. ويكمن السر في نجاح مسارات الاتصال المؤسسي بالنظر في أهمية كل قناة على حدة ومعرفة مدى تناسبها مع استراتيجية الاتصال المتكاملة للشركة. وتمتلك معظم العلامات التجارية شرائح متنوعة من الجمهور بتفضيلات مختلفة، ما يعزز أهمية نهج الاتصال متعدد القنوات باعتباره من أكثر الطرق فعالية لنشر رسائل الشركة ورؤاها بعيدة المدى على المستويات البيئية والمجتمعية والمؤسسية، مع الحفاظ على الروابط المتماسكة مع الجهات المعنية الأساسية.
ومن الأهمية بمكان في هذا الإطار، أن تهتم العلامات التجارية بتعزيز مستويات مشاركة القوى العاملة بنشاط في سلوكيات الاستدامة، بحيث تكون مصداقية الشركة أكثر تماسكاً عند اعتماد الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية كهدف أساسي من أهدافها المستقبلية. ويعد امتلاك الخبرة أحد أفضل الطرق لإشراك الموظفين وتشجيعهم على تطوير حملات الحوكمة والاستدامة في أماكن عملهم عبر الأسواق المختلفة والتعاون في دعم المبادرات الناجحة. وتكتسب الاستراتيجية اللامركزية التصاعدية فعالية استثنائية في هذا الإطار.
بشكل عام، على الشركات مواجهة التحديات ذات الصلة باستراتيجيات الاتصال المخصصة لممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، وتعد القضايا المتوافقة مع قيم الشركة والموظفين بالإضافة إلى الشفافية ومشاركة الرؤى الاستشرافية مع العالم الخارجي من الأمور الضرورية في هذا الاتجاه. وتكمن ركيزة النجاح الرئيسية في هذا النهج بتوجه العلامات التجارية لصناعة القصص الملهمة والاهتمام بحبكها على نحو مبتكر قبل الانتقال لمرحلة السرد ونشرها عبر قنوات الاتصال المتنوعة.