كثيرا ما يكون هناك تقاطعات ما بين الفساد و إنتهاك حقوق الإنسان على اكثر من صعيد،فالفساد بشكله العام يؤدي الى إنهيار الدول بسبب إتساع الفجوة ما بين المواطن و الحكومات و زعزعة الثقة بينهما ، بحيث يفقد المواطن شيئا فشيئا ثقته بدولته، عندما يرى غياب الشفافية و إنعدام وسائل الرقابة و المساءلة ، فعندما يتم إستبعاد الكفاءات و أصحاب الخبرة من المشاركة في رسم السياسات والتشاركية في إعداد الخطط الوطنية ، ومن تبوأ المراكز القيادية ،بخلاف ما هو منصوص عليه في جميع القوانين و المواثيق الدولية
فالحق في حرية المشاركة ، و المشاركة في الشؤون العامة و الإنتخابات هي من الحقوق التي تضمنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
فالدولة التي يعمل بعض صناع القرار فيها على إقصاء الكفاءات و تهميش ذوي الخبرة و إسناد المناصب الإدارية الى زمرة من الأصدقاء و محاباة البعض على الرغم من عدم إمتلاكهم للكفاءة المطلوبة او الخبرات الكافية لإدارة المنصب الذي يشغلونه ، سيؤدي حتما الى زعزعة ثقة الأفراد بالدولة ، و يخلق نوع من عدم الشعور بالإنتماء للوطن ، بسبب الحرمان من حق اساسي و الإحساس بإنعدام العدالة الإجتماعية والمساواة .
على عكس ما يجري في الدول التي يستشري فيها الفساد ، نجد بالمقابل أن في دول عدة حول العالم التي تحترم حقوق الإنسان ، تمتثل لمفهوم المواطنة التي تعطي لجميع رعاياها الحق القانوني بالمشاركة في شؤون الدولة ،
كما شهدنا في اكتوبر الماضي في بريطانيا من فوز لريشي سوناك و هو من اصول آسيوية بمنصب رئاسة الوزراء ، لأن معيار القيادة في الدولة هو الكفاءة في الإدارة ،وذلك بعد أن حذر من أن الخطة الإقتصادية لرئيسة الوزراء التي سبقته ليز تراس ستجربريطانيا لخسائر كبيرة و هذا ما حدث بالفعل بعد أن تسلمت رئاسة الحكومة البريطانية ، بحيث اعلنت إستقالتها بعد ستة اسابيع من توليها لمنصبها على أثر قرارات وصفت بأنها كارثية .
ففي الدول التي تحكمها الديموقراطية لا يتوانى أن يعترف فيها اصحاب القرار ، بإرتكابهم لأخطاء إدارية من خلال تقديمهم للإستقالة من مناصبهم ،لأن الإستمرار في إرتكاب نفس الأخطاء و تكررها ، و الإستمرار و كأن لا أحد يلحظ هذه الأخطاء و على أمل أن تصلح الأموربعصى سحرية ، لا ينم عن جدية في العمل العام و لا عن رغبة حقيقية في التطوير و التغيير .
فالفساد الإداري كمحصلة نهائية يشجع على تجاهل القوانين و الأنظمة و الإفلات من العقاب ، كما و يمس كافة الحقوق كالحق في الصحة و التعليم و سلامة البيئة و غيرها من الحقوق ، و يؤدي الى إنتشار الجرائم كغسيل الأموال و الإتجار بالبشر و جرائم العصابات المنظمة و غيرها من الأفعال المجرمة بالقانون .
ومن أجل التصدي للفساد الإداري تحتاج الدول الى تطبيق التزاماتها الثلاث الملقاة على عاتقها بمجال حقوق الإنسان من حيث احترام الدولة لحقوق الافراد ، و حماية هذه الحقوق بحيث تمنع إنتهاكها ، و اخيرا الالتزام بالوفاء بتلك الحقوق سواء السياسية و المدنية ، كذلك الحقوق الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و غيرها من الحقوق التي اقرتها المعاهدات و المواثيق الدولية حتى تتحقق سيادة القانون و يتم القضاء على الفساد بكافة اشكاله .