لماذا أنت من يُقدّم وأنت من يخسر؟إلى متى ستظلّ تدفع ثمن الجراح والفساد؟
وطني لي فيك هواء ونفَس لم يَزل له القلب نابضا.
كيف لا ؟! وأنا الذي من تُربك نميت ومن خيرك أكلت وتحت سمائك ترعرت. لا أرضى عنك بدلا ولا سواك يحتويني وطن .
أخي أبا محمد ،بأيّ الحروف أكتب قصائد الرثاء ،وقد كتبت مسيرتك مزيّنة بالخُلق كما شهد لك الزملاء ورفاق السلاح .
أخي أبا محمد بأيّ النعوت أصف شيب شعرك المضيء تحت قبعة الزيّ، والتي زيّن علو جبينك الشعار وتربت على كتفك النجوم والتاج .
أخي أبا محمد كيف لقلوبنا ألآ تتهاوى حبا لوجه صغيرتك المليء بالبراءة وأنت تحتضنها لصدرك ،وكلك أمل بأن تجعل منها شيئا عظيما كما هي عظيمة على عرش قلبك .
أخي أبا محمد أيّ الدموع تلك التي تواسي قلب والدتك ،أيّ ماء في الأرض يُسكِن وهج صدرها ويطفئ في قلبها الحنين .
آهٍ يا أم عبد الرازق بأيّ طريقة أردت استقبال العقيد ؟أبطبخة أحبها أم بدعوة رجاها مستجابة من فيكِ يا خالة .
يا خالة وأنتِ تُشيعين الإبن وفلذة الكبد تنضمين لقائمة الخنساوات اللواتي قدّمن الأبناء محبة ورجاء .
محمد..جلست جِلسة الرجال ناظرا لكفن الأب نظرة الوداع ،ولم تبلل الدموع شاربك الذي خطّ وجهك مُعلنا مولد رجل من صُلب رجل ،حاملا عبء الأسرة من الجدة الثكلى والأمّ الأرملة والأخوات اليتيمات ،فلك الله يا بُنيّ يُعينك على نائبة دهرك الكبرى ،ويخفف عنك ألم الوداع.
أما أنت يا أبا عبد الرزاق..فإن لله ما أخذ وله ما أعطى، وأن الأشبال لا تلد إلا للأسود ،وأن القمم وإن اتسعت للجميع فإن الواصلين لها قليل ،وإن الشهادة يا عماه قمة تُبتغى .
دموعك غالية وقد تبلل بها شماغك الأحمر .
أبا عبد الرزاق.. إن كان انتماؤنا جميعا لأبوتك يخفف عنك الألم فكلنا بنيك .
رحمك الله يا عبد الرزاق، ولا نملك في حضرة الموت إلا الرضى والتسليم للبارئ عزوجل ،وإن كان الحزن قد افترش القلوب وملئ السواد الأفق ،فرحيل الشباب صعب ،ومغادرة الدنيا إلى لقاء لا يعلمه إلا الله مؤلم .
مؤلم ذاك الإنتظار على الوالدة والوالد والزوجة والأبناء، مؤلم ذاك الفراق الذي قد يطول وذاك الموت الذي قهر وأخذ من صفوف النشامى وحملة الشعار والسلاح وقد بدا ذلك جليّا عليهم وأنت تتربع في كفنك على أكتافهم، وكأن لسان حالهم يقول أننا جزء من الوطن ،من شبابه ومن الحالمين والطامحين لغد أفضل ،وكأن لسان حالهم يقول أن حمل الشعار ليس جرما، وأن الزيّ العسكري شرف ،وكأن لسان حالهم يقول أنهم يملئون مركباتهم بنفس المحروقات اللعينة تلك وسيُدفئون بيوتهم وأبناءهم بنفس طريقتنا ،فلماذا يدفعون فوقها الثمن حياتهم ودمائهم وأحزان أهلهم ؟
أخي عبد الرزاق ،نم قرير العين بإذن الله، وسيظل الأردن عزيزا بفسحة الأمل ،أما من أجرم فعليه من الله ما يستحق ،وأما من ابتغى الحياة الفضلى فالله ناصره
رحمك الله ووسّع مدخلك وأنت تُضاف إلى قافلة المغادرين نحو السماء .