رئيس التحرير : خالد خطار
آخر الأخبار

م.علي أبو صعيليك يكتب : التغطية على معاناة الشعوب بقضايا ساذجة، أسلوب ناجح في إغراق المركب

م.علي أبو صعيليك يكتب : التغطية على معاناة الشعوب بقضايا ساذجة، أسلوب ناجح في إغراق المركب
جوهرة العرب _ م.علي أبو صعيليك / كاتب اردني 


 

دائرة الأحداث اليومية التي نتعامل ونتعايش فيها ومعها في معظم الدول العربية خصوصاً تلك التي تستحوذ على اهتمامات الغالبية العظمى من البشر تحتوي الكثير من التفاهات والأمور الساذجة وتستهلك الكثير من الوقت على حساب القضايا الجوهرية المؤثرة على حياتنا، ونتائج تلك الاهتمامات يدفع ثمنها الأفراد ومن ثم المجتمع وتلقائيا الدولة.

 

سهولة انتشار تلك التفاهات وسيطرتها على اهتمامات البشر ليس وليد الصدفة، بل إنها نتاج نظام فكري مدروس تتم الاستعانة به بين الحين والآخر خصوصاً عندما تكون هناك حاجة لتمرير حدث استراتيجي، فيتم صناعة حدث في حقيقته عديم الأهمية ولكنه مثير للاهتمام خصوصاً قصص الفضائح المثيرة للغريزة أو قضايا الفنانات أو لاعبي الكرة على سبيل المثال لا الحصر.

 

وتطورت صناعة تلك الأحداث لتلامس الروح الوطنية والدفاع عنها، عندما يتم تجسيد الوطن من خلال فريق كرة قدم وصناعة صراع من منطلق وطني يؤجج الصراع بين شعبين، ويتم تغذيته بسهولة باستخدام حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك برامج التلفزيون ومذيعي البرامج المباشرة.

 

وفي شكل آخر لتلك القضايا بعض الفتاوي الدينية التي تغرد خارج السرب وهذه تحديداً يجدها العديد من رواد وسائل التواصل فرصة ثمينة لتفريغ الاحتقان مع بعض رجال الدين، الذين ينظر لهم كمقصرين في نصرة قضايا الشأن العام!

 

وقد يرتفع سقف تلك الأحداث لتأخذ شكلا جديا في ظاهره بينما هي ساذجة في باطنها، لأنها لا تعالج أصل الأزمات والمشاكل، كالإطاحة بوزير أو حتى رئيس وزراء بينما يبقى نفس النمط الإداري في العمل بغض النظر عمن تمت الأطاحة به، بحيث تكون الإطاحة نتيجة مرضية لعامة الناس، وقد جسدها "دريد لحام" في مسرحية "ضيعة تشرين" ونظرية إعادة تدوير الوزراء!

 

المفكر الأمريكي المعاصر ناعوم تشومسكي الذي نشر عشر استراتيجيات تشكل إحداها محور هذا الفكر الذي نناقشه هنا، فقد إحدى كُشِفَت وثائقه السرية عام 1986 بعنوان "الأسلحة الصامِتة لِخَوْض حرب هادِئَة" والتي تعتبر مدرسة فكرية متكاملة الأركان للتحكم في الشعوب أبرزها وأولها إستراتيجية الإلهاء.

 

وتنص تلك الإستراتيجية على "جذب انتباه الجمهور بعيدًا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية مسائل ليس لها أهمية حقيقية. اجعل الجمهور مشغولاً  مشغولاً  مشغولاً لا وقت للتفكير، فقط عليه العودة إلى المزرعة مع غيره من الحيوانات الأخرى.” ورد هذا النص حرفياً في وثيقة "أسلحة صامتة من أجل خوض حروب هادئة”

وعلى الرغم من أنها أصبحت أساليب مكشوفة في عصر الانفتاح الإعلامي، إلا أنها لا زالت تلقى رواجاً عند عامة الناس، بل وعندما ينتهي مفعول قضية ما وتفقد بريقها، يبدأ الانتظار لشيء جديد تافه أو مُسَلٍّ يشغل الوقت المهدور بلا قيمة!

 

لقد وصل الحال بأن لا يحظى خطاب العقل والحكمة بذلك الشغف بالمقارنة من تلك التفاهات؟ وابتعد الكثير من العقلاء ممن يستطيعون صناعة الفارق عن المشهد العام، وكذلك ينطبق الأمر على الخطاب الديني، فكيف يعتبر تجهيل الشعوب وأبعادها عن المشاركة في تحديد مصيرها نجاحاً وما هي مقاييس ذلك النجاح؟

 

لا شك أبداً أن مقاييس قوة الدول هي النواحي الأساسية للقوة وهي المرجع الحقيقي لنجاح السياسات والاستراتيجيات، بينما استمرار تبعيتها لغيرها وعدم قدرتها على إنتاج غذائها وسلاحها وأساسياتها تعني بالضرورة فشلها.

 

استراتيجيات النجاح ليست بالخلطات المبهمة فهنالك تجارب لشعوب ليس غربية نجحت بل وتفوقت كثيراً، سنغافورة واليابان على سبيل المثال، وعندما تفشل استراتيجية معينة في تحقيق أهدافها لا تتم إعادة تدوير المسؤول عنها وإعطاءه فرصه في موقع آخر كسفير مثلا كما جسده دريد لحام.

 

لم يعد يخفى على أحد النمط الذي اتبعته اليابان أو سنغافورة أو كوريا الجنوبية لتكون في مقدمة الدول اقتصاديا وصناعيا، النظام أولاً وهو الذي يصنع العلم وباقي متطلبات الريادة، فماذا ينقصنا لكي نستنسخ على الأقل أفكارا ناجحة بما يتلاءم مع مجتمعاتنا العربية؟ ينقصنا الكثير ولكنه يصبح قليلا عندما نمتلك فقط إرادتنا وقراراتنا التي سلمناها للدول الإمبريالية التي تجيد نهب خيراتنا، فهل يعقل على سبيل المثال أن يعاني المواطن العراق الفقر وبلاده عائمة على بحر من النفط؟ لماذا لا تمتلك أسباب قوتها بدلا من إغراق المجتمع بأحداث تافهة يتم صناعتها وقد أهلكت الوطن والمواطن؟

لم يعد من المقبول أبداً أن يتنحى العقلاء والمخلصون عن واجهة الأحداث، والمركب التي تغرق لا تستثني أحدا ركباها، كذلك إذا استمر جفاء مع الفكر الإسلامي فإننا سنبقى بعيدين جداً عن الطريق الصحيح لمستقبل مجتمعاتنا