شعرت بغصّة ممزوجة بالدم والألم والحُزن في قلوب الذين تحدثت إليهم من أبناء أذربيجان الشقيق عندما كانوا يستذكروا بعضاً من مراحل تاريخ جمهورية أذربيجان الحديث، خاصة قبل الاستقلال عام 1991، إثر تفكك الاتحاد السوفييتي، والتي أهمها مأساة 20 يناير / كانون الثاني 1990 التي استمات فيها المقاومون الأذريون في الدفاع عن العاصمة (باكو) في ملحمة بطولية ضد الجيش السوفييتي (ثاني أقوى جيش في العالم آنذاك) الذي اعتقد أن اقتحامه للعاصمة سيحمي الحكومة الشيوعية من السقوط، لدرجة أني ربطت فوراً بين ما جرى في معركة 20 يناير / كانون الثاني عام 1990 في (باكو)، مع معركة (الكرامة) التي سجّل فيها الجيش الأردني في آذار 1968 أول وأعظم الانتصارات العربية على الجيش الإسرائيلي الذي كان يوصف حينذاك بأنه (جيش لا يُقهر)، بعد حوالي (9) أشهرٍ من نكسة حزيران عام 1967.
مأساة يناير / كانون الثاني 1991 في (باكو / أذربيجان) رغم آلآمها إلا أنها أكدت وِحدة وتعاضد وتضامن شعب أذربيجان مع بعضه البعض ضد عدوان الجيش السوفييتي الذي اعتقد أن احتلال (باكو) عملية عسكرية سهلة، مثلما اعتقد الجيش الإسرائيلي واهماً أن احتلال بلدة (الكرامة) ومرتفعات (السلط) الأردنية الأبية عام 1968 سهلة أيضاً، ولكن كلا الجيشين (السوفييتي والإسرائيلي) غرقا في بحر الوهم وانهزما مادياً ومعنوياً وروحياً أمام شراسة وصلابة المقاومة، لأن أرض الوطن غالية، ويدافع عنها الجميع ببطولات ملحمية.
واليوم الجمعة تمر الذكرى الـ (33) لمأساة يناير / كانون الثاني وانتصار شعب أذربيجان في عقولهم وقلوبهم وأعماقهم ووجدانهم على القوات السوفييتية، مثلما ستمر علينا في الأردن الذكرى الـ (55) لمعركة الكرامة في 21/3/2023 التي حطم فيه الجيش الأردني أسطوره الجيش الذي لا يُقهر، وهناك في (باكو) يحيى شعب أذربيجان وأصدقائهم وأحبائهم أيضاً البطولة الحقيقية دفاعاً عن الأرض، والتي ارتقى فيها (147) شهيداً ومئات الجرحى والمُصابين، وفي ذكرى معركة الكرامة يحيي الأردنيون هزيمة العدو الذي اعتقد أنه لن يُهزم، في معركة ارتقى فيها (84) جندياً أردنياً شهيداً و (250) جريحاً، في سيناريو عسكري دفاعي قد يكون متقارباً في البلدين (الأردن وأذربيجان)، حيث أن القرار الوحيد المتاح كان صد الغُزاة والمُعتدين بالأرواح والمُهج، وكل أصناف الأسلحة، وهُم (مُقبلين غير مدبرين).
ولست أدري لماذا يُغفل التاريخ الحديث جرائم نظام الاتحاد السوفييتي السابق ضد الدول والشعوب التي هيمن عليها بقوّة السلاح والبطش لفرض الشيوعية والاشتراكية التي سقطت مُضرّجة بالعار على يدي آخر رئيس سوفييتي هو ميخائيل غورباتشوف، والتي حارب فيها هذا النظام الإسلام ونكّل بالمُسلمين، والمُسالمين والأبرياء، مثلما حارب الحرية والديمقراطية والمدنية والسلام، وعاث في تلك الدول تدميراً وفساداً!!!؟؟؟
ولكن التاريخ لا يستطيع إغفال أو طمس بطولات الأبطال الذين ضرّجوا بدمائهم أرض أذربيجان في دفاعهم عن (باكو)، وكذلك في منطقة (الكرامة) التي صنع فيه الجنود الأردنيون الكرامة على أرض (الكرامة). لهذا أقول من على أرض الأردن بأن بطولات الشعوب وأصحاب الحق لا تُمحى ولا تموت مهما كان جبروت الطغاة والغزاة، فالأرض الأردنية التي تعطّرت وتطهّرت بدماء شهداء الكرامة عام 1968، لا تختلف كثيراً على أرض العاصمة (باكو) التي تعطرت أيضاً وتطهّرت ببطولات جنود الكفاح الوطني التحرري الأذربيجاني عام 1990.
وفي الخِتام فلقد اقتحم الجيش السوفييتي العاصمة (باكو) بوحشية بالغة محاولاً سحق حركة التحرر التي كان يدعمها شعب أذربيجان، لكنه فوجئ بحجم المقاومة الأذرية والتي كانت السبيل القوي للاستقلال في العام 1991، وهذا هو ما حدث بالضبط عندما اعتقد قادة الجيش الإسرائيلي بأن الأرض الأردن هشّة وضعيفة، وفوجئ بأن الجنود الذين ينشدون الموت شهداء هم كلّ الجيش الأردني، فخرج الجيش الإسرائيلي من الأرض الأردنية مذموماً مدحوراً. فطوبى لأبطال جعلوا من مأساة يناير / كانون الثاني 1990 طريقاً لاستقلال في أذربيجان، وطوبى لجنود أردنيين أكدوا في معركة الكرامة 1968 بأن الأرض الأردنية وعِرة وأنها مقبرة للغزاة.