آخر الأخبار

د.محمد ابو حمور …. الاقتصاد العالمي 2023... ارث ثقيل ومستقبل محفوف بالمخاطر

د.محمد ابو حمور …. الاقتصاد العالمي 2023... ارث ثقيل ومستقبل محفوف بالمخاطر
جوهرة العرب 


أنتهى عام 2022 بارث ثقيل يتمثل في ارتفاع التضخم وارتفاع أسعار الفائدة والتوترات الجيوسياسية، ومع بداية عام 2023 لا زالت حالة من عدم اليقين تميز التحليلات والتوقعات حول مستقبل الاقتصاد العالمي خاصة مع الضغوط التي تفرضها العديد من التحديات الجيوسياسية والاقتصادية، فالاقتصاد العالمي عانى خلال عام 2022 من تضخم جامح نتج عن الحزم التحفيزية السخية والتي كان الغرض منها المساعدة على تجاوز الاثار الاقتصادية التي فرضتها جائحة كورونا، يضاف لذلك ما تمخض حتى الان من نتائج عن الحرب الروسية الاوكرانية، والتي يصعب التنبؤ بتطوراتها المستقبلية، والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على الاقتصاد الروسي واثارها على سلاسل الامداد خاصة ما يتعلق بالمواد الغذائية والطاقة، ويلاحظ ان معظم الاقتصادات الكبرى وخاصة الاقتصاد الامريكي واقتصاد دول الاتحاد الاوروبي والمملكة المتحدة شهدت نسباً قياسية من التضخم، وهذا أدى الى تدخل البنوك المركزية عبر رفع أسعار الفائدة الذي لم يقتصر على هذه الدول فقط وانما لجأت له العديد من الدول الاخرى، وهكذا أصبح الاقتصاد العالمي يواجه موجة تضخمية أدت الى ارتفاع أسعار معظم السلع وبالتالي تراجع مستوى المعيشة وخاصة في الدول الفقيرة، يضاف لذلك الاثر المترتب على الاستثمار وارتفاع كلفة الديون على الدول والمواطنين في ان معاً، ووفقاً لتقرير منظمة الامم المتحدة للتجارة والتنمية " الاونكتاد" فقد انخفضت الاستثمارات الاجنبية العالمية المباشرة خلال الربع الثاني من عام 2022 بحوالي 31% مقارنة بالربع الاول من نفس العام، وتشير التوقعات الى ان التجارة العالمية سيقتصر نموها على 1% خلال عام 2023 .
ووفقاً لنشرة ايكونوميست انتيليجنس هناك العديد من المخاطر التي ستلقي باثارها على الاقتصاد العالمي في عام 2023 ، منها ما يتعلق بالاثار التي قد تنتج عن موجة جديدة من الوباء واحتمالات تطور الصراع بين روسيا وأوكرانيا والتوترات بين الصين وتايوان والصراعات التجارية بين الاقتصادات الكبرى، ونقص أو ارتفاع كلفة مصادر الطاقة الذي سيؤثر على الدول الاوروبية بشكل خاص ومخاطر ارتفاع التضخم يضاف لذلك الاخطار المتعلقة بالبيئة.
وكان صندوق النقد الدولي قد أشار في تقرير أفاق الاقتصاد العالمي الى أن النمو سيتراجع من 6% عام 2021 الى 3.2% عام 2022 ، وصولاً الى 2.7 % عام 2023 وهناك فرصة بنسبة 25% أن ينمو الناتج القومي الإجمالي العالمي بأقل من 2% وهو ما يعني ركودا عالميا، وسيرتفع التضخم العالمي من 4.7% في 2021 إلى 8.8% في 2022 ليتراجع لاحقاً إلى 6.5% في 2023 و4,1% في 2024.، أما مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال البريطاني فقد توقع أنّ العالم سيواجه ركوداً عام 2023، بحيث تؤدي تكاليف الاقتراض المرتفعة، والتي هي في الأساس محاولة من البنوك المركزية لمعالجة التضخم، إلى انكماش عدد من الاقتصادات، وذكر تقرير لمعهد التمويل الدولي (الركود العالمي في عام 2023) أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي إلى 1.2% في عام 2023.
وتعزى هذه التوقعات الى اجراءات السياسة النقدية الهادفة الى كبح جماح التضخم وارتفاع سعر صرف الدولار والى الاثار المترتبة على الحرب الروسية الاوكرانية مما سيلحق اضراراً بالنمو في مختلف الاقتصادات العالمية، وأشارت مديرة صندوق النقد الدولي :" بالنسبة إلى جزء كبير من الاقتصاد العالمي، فإنّ 2023 سيكون عاماً صعباً باعتبار المحرك الرئيسي للنمو العالمي -الولايات المتحدة وأوروبا والصين- كلها تعاني من الضعف"، وأضافت أنّ العام الجديد(2023) سيكون أصعب من العام الماضي".
ومن الواضح أن التحديات التي قد يشهدها الاقتصاد العالمي في عام 2023 لا تقل، من حيث درجة التنوع أو عمق التأثير، عما شهدناه خلال عام 2022، الا أن الاثر الاقتصادي لهذه التحديات يتفاوت بين دولة واخرى، فالدول التي تعتمد على استيراد مصادر الطاقة والمواد الغذائية وكذلك الدول النامية التي تعاني من مديونية عالية سيكون الاثر عليها أشد، وتشير التوقعات الى أن أقتصاد الصين والهند سوف تحقق معدلات نمو ايجابية، وكذلك دول الخليج التي توقع تقرير افاق الاقتصاد العالمي ان تبلغ نسبة نموها 6.5% مستفيدة من ارتفاع أسعار الطاقة، مع تحقيق فائض في موازناتها.
أما على المستوى المحلي فالأردن تتأثر بالظروف والتحديات الاقتصادية التي تواجه دول العالم المختلفة، ومن الواضح أن أثر رفع نسبة الفائدة على الدولار، دفع البنك المركزي الاردني الى رفع مماثل للفائدة على الدينار وذلك بهدف الحفاظ على الاستقرار النقدي وعلى جاذبية الودائع بالدينار، ومن المفهوم ان هذا الرفع ستكون له اثار جانبية على المقترضين وعلى الاستثمار، الا ان نسبة التضخم في الاردن لا زالت ضمن حدود معقولة ومن المرجح ان تصل عام 2022 حوالي  4.4%  ومن المتوقع ان تبلغ 3.8% عام 2023، علماً بان الاردن يستورد جزءً كبيراً من المنتجات الغذائية وما يفوق 90% من مصادر الطاقة، وخلال عام 2022 كان لتقلبات أسعار الطاقة أثر واضح على الاقتصاد الاردني، الا أن التحدي الاساسي لا زال يتمثل في نسبة البطالة المرتفعة والتي تزيد عن 22%، وتواضع معدلات النمو والتي من المتوقع أن تبلغ 2.7% خلال العام الحالي 2023 . ومن الواضح أن هذه التحديات ستواصل فعلها خلال عام 2023 خاصة ما يتعلق باسعار منتجات الطاقة ونسبة العاطلين عن العمل، واضافة لذلك هناك العجز المزمن في الموازنة العامة وارتفاع نسبة الدين العام وفوائدة التي من المتوقع ان تناهز حوالي 1.6 مليار دينار عام 2023. 
لكن وبالرغم من التحديات الماثلة أمام الاقتصاد الاردني الا أن هناك بوادر انتعاش تتمثل في الزيادة المضطردة باعداد السياح والافاق الايجابية المتوقعة لقطاع التعدين، يضاف لذلك الاستقرار النقدي الذي حافظ عليه البنك المركزي، ولا يمكن أيضاً ان نغفل الجهود التي تبذل لزيادة التعاون والتنسيق مع الدول الشقيقة والصديقة وتحويلات العاملين الاردنيين في الخارج ، كما أن توصل الاردن لاتفاق مع صندوق النقد سيمكنه من الوصول الى مصادر تمويل باسعار فائدة معقولة في ظل الارتفاع الذي يشهده العام في كلفة الاقتراض ومصادر التمويل المختلفة، ولعل النمو الايجابي المتوقع في دول الخليج يمثل بارقة أمل بتحسن الاوضاع في الاردن أيضاً.
ولا شك بأن التحديات والصعوبات الاقتصادية التي تواجه الاردن ليست كلها محلية الا ان هذا لا يعني العجز او التقاعس عن التعامل مع هذه التحديات والبحث في سبل مواجهتها، ولعل أهم ما ينبغي الالتفات له هو تعزيز استقرار الاقتصاد الكلي والسير قدماً في  نهج الاعتماد على الذات مع توطيد التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، وفي هذا الاطار من المهم ان يستمر البنك المركزي في تأمين تمويل منخفض التكاليف للمشاريع الاستثمارية وبذل الجهود الملائمة للمساعدة على تخفيض الاعباء وكلف الخدمات والمنتجات الاردنية، ومن المهم ان تبذل الجهود اللازمة لتنفيذ برامج رؤية التحديث الاقتصادي بما ينسجم مع المعطيات المحلية والاقليمية والاستمرار في العمل على توفير البيئة الامنة والملائمة لتحفيز وجذب الاستثمار، وفي ذات السياق لا بد من ايلاء الفئات الضعيفة في المجتمع اهتماما خاصاً ومساعدتها على تجاوز الظروف الراهنة.
والاردن معني أيضاً بمواصلة الاصلاحات التي ترفع من تنافسية الاقتصاد الوطني وتزيد مستوى الانتاجية وتساهم بتوفير فرص العمل للمواطنين، وبحيث يتم ذلك في اطار من الشفافية والحوكمة الرشيدة ووفق مؤشرات قابلة للقياس في اطار زمني واضح ومحدد، فالاهداف الطموحة لرؤية التحديث الاقتصادي تحتاج الى اليات واضحة للتنفيذ وبما يخدم أكبر شريحة ممكنة من المواطنين، والقطاع الخاص الذي دائما ما ندعو الى منحه زمام المبادرة للنهوض بالاقتصاد يستطيع ان يساهم بفعالية في التخفيف على المواطنين وتوفير مزيد من فرص العمل مع مراعاة الالتزام بالمسؤولية الاجتماعية التي ترتكز على اسس مؤسسية.