ليس
فقط جنود الاحتلال من ارتكب جريمة قتل شباب مخيم جنين، إنما هي سلسلة كبيرة جداً
ساهمت في هذه الجريمة، وتستمر مساهمتها في الجريمة الكبرى باحتلال فلسطين بطرق
متعددة، في الماضي كنا نتحدث كعرب ومسلمين عن أمريكا والدول الغربية والآن أصبحت
هنالك أطراف من ذوي القربى جزء أساسي من جرائم الاحتلال.
قبل21عاماً كانت المحاولة الأكبر لكسر إرادة المقاومة والصمود في مخيم جنين وسقط في
حينها قرابة 500شهيد فلسطيني في جريمة لا زال صداها يعري الصمت الغربي والعربي منذ ذلك الحين، واستمر
حتى اليوم عجز الاحتلال الصهيوني وداعميه أمام ثبات مخيم جنين.
ولذلك
تحمل الجريمة الجديدة باقتحام المخيم وقتل الشباب وهدم البيوت عدة شواهد، منها الاستمرار في الانتقام من أهل
المخيم الذي أصبح رمزاً للصمود وكذلك محاولة كسر إرادة المقاومة داخل المخيم وذلك
ما قد يمهد لإعادة السيطرة على الضفة الغربية وهو ما قد يكون هدف المرحلة المقبلة
وذلك لعدم وجود القناعة بما يسمى "التنسيق الأمني" على الرغم من كل ماقدمته.
والمقاومة
الفلسطينية في المخيم ممثلة ب"كتيبة جنين" و"عرين الأسود" أصبحت الهدف الأبرز
للاحتلال، ورغم تواضع الإمكانات والدعم إلا أنها أصبحت خارج التوقعات بالنسبة للاحتلال
والدليل أنها مستمرة في التزايد ووجودها بحد ذاته يزيد من دوافع الكثير من الشباب
للقيام بأدوار في المقاومة، ولذلك يتبع الاحتلال في مواجهتها سياسة الأرض
المحروقة.
ولذلك فإن ما حصل في المخيم قبل
يومين ليس نهاية المطاف، بل إن الأحداث القادمة ليست حكراً
على المخيم، فالانتقام قادم لا محالة، وقد جاء الرد سريعاً وقاسياً من خلال عملية
شمال القدس عاصمة فلسطين وتحديداً في مستوطنة النبي يعقوب مساء أمس ومقتل ثمانية
صهاينة على الأقل، وهي ردة فعل طبيعية على جريمة قتل الشهداء مخيم جنين، والمسؤول
الأول عن هذا التصعيد هي حكومة اليمين المتطرف وقوات الاحتلال التي دائما ما تكون
المبادرة بقتل الفلسطينيين.
يخطئ كل
من يدعم الاحتلال عندما يراهن على قدرته على سحق المقاومة الفلسطينية، فمن يقرأ
التاريخ يعلم جيداً أن الفلسطيني قد صمد منذ قرابة خمس وسبعون عاماً ولم يتنازل عن
وطنه، ولا زال مقاوماً ولن تنتهي مقاومته إلا بتحرير كامل التراب الوطني، ولن يتم
ذلك إلا باستهداف المستوطن حاله كحال جندي الاحتلال لأن المستوطنين هم جزء أساسي
من الاحتلال.
إن نجاح وصمود المقاومة الفلسطينية وبأقل
قدر من التسليح تُشَكَّل أكبر حافز للشعوب العربية وغيرها من الشعوب الحرة بأن يكون
لها دور حقيقي في الكفاح من أجل تحرير فلسطين، وسط غياب تام للجانب الرسمي العربي والذي
يتعامل البعض منه مع الاحتلال كصديق وشريك سلام ويتم استقبال مسؤولي الاحتلال في عواصم
الدول العربية، بينما يتم تجريم رجال المقاومة الفلسطينية ومحاصرتهم!
صحيح إن المقاومة الفلسطينية مستمرة
من أجل تحرير فلسطين وهذا حق طبيعي، ولكن وصول نتنياهو وفريقه اليميني المتطرف للحكم
شَكْل حافزاً إضافياً للمقاومة وذلك من خلال جريمته في مخيم جنين والاستفزازات في المسجد
الأقصى، بل إن هذه الحكومة المتطرفة تبعث روحاً جديدة في المقاومة من حيث لا تدري.
ولا يمكن التنبؤ بما هو قادم من جيل
التحرير الفلسطيني، وجرائم الاحتلال لا يمكن مواجهتها إلا بلغة القوة، وعملياً فإن
قوة المقاومة الفلسطينية ستؤدي لا محالة بقيادات الاحتلال أن تلهث وراء التهدئة من
خلال توسيط بعض الدول العربية.
وبالعودة
للعمق الشعبي العربي والإسلامي للمقاومة الفلسطينية، فإن الوقت قد حان لنصرة الشعب
الفلسطيني بطرق مبتكرة تكسر الحصار وتعزز المقاومة على أرض فلسطين، وليس فقط من
خلال وسائل التواصل، إنما بالمال والسلاح، خصوصاً مع استمرار الحصار الذي يستهدف
المقاومة، فهل نستمر بمتابعة الدعم الأمريكي والغربي حتى العربي للكيان الصهيوني،
ونقف نحن مكتوفي اليدين ونكتفي بدعم المقاومة معنوياً؟
ولا
بد في هذا المقام من استذكار حديث رمز المقاومة الفلسطينية الشهيد أحمد ياسين، وتنبؤه
بقدوم جيل التحرير الفلسطيني بعد مرحلتي النكبة ومن ثم الانتفاضة، وفعلاً جاء شباب
التحرير بشكل مختلف عما مضى، وفي هذه المرحلة من تاريخ الاحتلال بوجود هذه الحكومة
المتطرفة جداً، التي يعني وجودها استمرار
تسارع الأحداث باتجاه الحرب الكبرى.