لماذا ندَّعي المفاجأة من تصريحات المستوطن الصهيوني "سموتريتش"، مع أنه كرر فقط الفكرة التي قام عليها ومن أجلها الكيان المحتل، هل فعلا وصل الوهم السياسي بأن اتفاقيات التطبيع مع المحتل ستغير حقيقة وأهداف الاحتلال التوسعية؟ ولماذا لا زال البعض يعيش في وهم عودة الأرض من المحتل من خلال اجتماعات ومكاتب؟
المشكلة ليست في "سموتريتش" الباحث من خلال النفخ الإعلامي عن الاستمرار تحت الأضواء لأطول فترة زمنية ممكنة، إنما المشكلة في الفكر السياسي العربي الذي يصنع الوهم بشرعنة وجود الاحتلال، وهو مدرك بأن هدف الحركة الصهيونية ليس فلسطين فحسب بل أبعد من ذلك بكثير، والخريطة واضحة أمام الجميع فماذا ننتظر؟
الحقيقة أنه وفي زمن أصبحت فيه الخيانة وجهة نظر، لم يعد هنالك شيء يشكل صدمة للمواطن العربي، لا خريطة ولا غيرها، ففي الوقت الذي يقتل فيه الاحتلال خيرة شباب فلسطين خصوصا في نابلس وجنين، تجري أيضا في وضح النهار اجتماعات وتنسيقات بين السياسيين العرب والصهاينة في عواصم ومدن عربية، فماذا يعني ذلك !
رغم أن "سموتريتش" يشغل منصب وزير لكنه ليس من الصهاينة الذين يمتلكون عمقاً حقيقياً، ولذلك فإن تصريحاته السابقة والحالية تندرج تحت مفهوم النفخ الإعلامي الشعبوي الذي يبحث عن أهداف الانتخابية، وهذه نفس منهجية العديد ممن سبقوه ومنهم "بينيت" الذي اعتدى جنوده على جنازة "شيرين أبو عاقلة" رغم عدم رضا داعمي وجود الكيان المحتل، كما هو الحال مع تصريحات "سموتريتش"، ورغم ذلك غادر "بينيت" المشهد السياسي بخفي حنين.
لا تخلُ حكومة من حكومات الاحتلال من شخصية مثيرة للجدل تشغل الرأي العام بتصريحات تستحوذ الاهتمام الشعبي، وهي بذلك تغطي على أحداث أخرى قد تكون ذات قيمة أعلى، مثلا في الكيان الصهيوني حالياً أزمة تعديل قانون القضاء، لذلك لسنا مع إعطاء زخم إعلامي يبحث عنه صانع القرار الصهيوني من خلال إثارة الجدل وتحويل البوصلة بعيداً عن الحدث الرئيسي.
أما الموقف الأمريكي فهو كالعادة، يعتمد سياسة "الكيل بمكيالين" عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني، وعلى الرغم من أن التطرف جاء من وزير في حكومة الاحتلال، وموجه بشكل استعماري تجاه دولة تعتبر حليفة لأمريكا، إلا أن الموقف الأمريكي لا يرقى لمستوى الحدث، بعكس ردة الفعل عندما تدافع عن حق الكيان الصهيوني في الوجود، فكيف لدولة تديرها الحركة الصهيونية العالمية أن تأخذ موقفاً من طفلها المدلل!
الكيان الصهيوني مرتبط وجودياً بالدعم الأمريكي، بل إنه أهم المصالح الاسترايجية لأمريكا في المنطقة، لذلك لا يجب أن نعول كثيراً على أي موقف سياسي أمريكي، لأنه في أحسن الأحوال لن يكون أكثر من مجرد كلاما عاما في مؤتمر صحفي، بينما الحقيقة إن تلك الخريطة تتواجد في مكاتب العديد من الصهاينة صناع القرار في أمريكا.
منذ نكبة فلسطين ولغاية تصريحات "سموتريتش" عن حقيقة وجود الشعب الفلسطيني، فإن كل الأحداث من جانب الاحتلال تؤكد أننا كمسلمين في صراع وجود مع اليهود، ليست المسألة احتلال فلسطين فحسب بل إنه كيان استعماري توسعي يعمل وفق أجندة على تحقيق هدفه الأكبر وهو "إسرائيل الكبرى" أو كما ورد في سفر التكوين: 15/18 "لنسلك هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”.
وهو المفهوم الذي تحدث عنه زعيم الحركة الصهيونية "ثيودور هيرتسل" بأن حدود دولة إسرائيل "من نهر مصر إلى الفرات"، وهو ما يؤكده الفكر الصهيوني وذكره العديد من الحاخامات في القرن الماضي.
لذلك فإن مواجهة تلك الخطة الاستعمارية لن تكون بالدبلوماسية واستعطاف دول العالم، بل من خلال استعادة أسباب قوة هذه الأمة، تلك القوة التي جاءت أساساً من الدين الإسلامي، وهو الحاضر الغائب في الوقت الحالي، حيث أصبحت العديد من القوانين التي تنظم الحياة في بلاد المسلمين مستوردة من الفكر الغربي.
إن عودة طرح مفهوم "أرض الميعاد" يعني تدويل الاحتلال، وهو ما يقود إلى المواجهة الكبرى، المواجهة الوجودية التي لا تقبل القسمة على اثنين، ولن ينقذنا من حالة الوهن التي وصلنا لها إلا بالإسلام، فهذه الأمة قد جربت خلال القرن الماضي العديد من الأفكار والأشخاص، وتبقى العودة للإسلام هي من سيحيي هذه الأمة من سباتها العميق.