تقول الأدبية السورية غادة السمان في مقال تخاطب وتخاطر به ما كتبه المناضل الفلسطيني الشهير غسان كنفاني : "أطمئن يا غسان، قد يختبئ فلسطيني في الخزان حتى الاختناق، كما في روايتك التحذيرية، ولكنهم اليوم فجروا الخزان".
وأكتب ردا عليهما : أي تفجير هذا يا غادة، وأي خزان ذاك يا غسان!! وأي مشاهد تلك التي رأينا بالأمس، لم تُمزّق قلوبنا فحسب، ولم نشعر بالاختناق وكفى، بل تمزقت الكرامة العربية بعد الذي جرى، فعذرا غادة، عذرا غسان، لا حروف عندي تستوعب كل هذا القهر، ولا مشاعر عندي تستوعب كل هذا الأحزان، بعدما تفجر الخزان.
ها نحن وكعادة العدو الصهيوني الذي يتسم ويتصف بأعلى درجات ومراتب الإجرام والارهاب، تتواصل في شهر رمضان المبارك المشاهد المكررة لانتهاكات وحشية في باحات المسجد الأقصى المبارك، واعتداءات إجرامية على المرابطين والمرابطات، تلك الانتهاكات والاعتداءات على المقدسات فاقت ما يمكن أن تتخيله العقول خلال هذا الشهر.
اليوم، نجد أولئك المرابطين والمرابطات الذين نعتبرهم صمام الأمان الأول لحماية المسجد الأقصى المبارك، يقاتلون دفاعا عن الأقصى لوحدهم، وقد انطبقت عليهم آيات قرآنية كريمة، ابتدأت بالفرض ولا شيء غير الفرض، فما بين قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، وقوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ)، كان حال المرابطين والمرابطات في الأقصى المبارك.
أما نحن، فما زلنا نغني :الشعب العربي وين؟ ونتسائل عن أي رد يمكن أن نقوم به بعيدا عن بيانات الشجب والاستنكار والادانة، تلك البيانات التي لم تجني اية ثمار نافعة مع عدو إرهابي، وما زلنا ننتظر التحرك العربي الذي يعدو له الجميع عند حدوث أي انتهاكات مشابهة، ذلك التحرك الذي ومع الأسف لم نجد له سوى الاسم في الاجتماعات التي تعقد عقب تلك الجرائم، وفي البيانات التي تصدر عن تلك الاجتماعات.
في شهر رمضان من كل عام، كنا على موعد مع رشقات صاروخية من غزة، وتحديدا من كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، تجاه الداخل المحتل، تلك الرشقات كانت كفيلة أن تعيد الاعتبار لنا كعرب، وأن تشفي الغليل بعد احتراق القلوب على مشاهد اقل ما يمكن وصفها التجرد من الإنسانية بعيدا عن كل الاعتبارات الأخرى.
في هذا العام، وفي هذا الشهر المبارك، نجد صمتا غريبا من غزة، ذلك الصمت الذي نستغربه، وذلك الغياب لذلك الناطق العسكري الملثم الذي كنا نعتبر ان مجرد ظهوره انتصار لنا، أثار مزيدا من الرعب في قلوبنا، فإن غابت حماس وجناحها العسكري عن الواجهة في الدفاع عن المقدسات، بمن نستنجد اليوم؟
لك الله يا أقصى، ما زلت تستغيث، وتنادي : وا عرباه، فهل من مُغيث؟ لك الله يا أولى القبلتين، فما زلت تنادي لعل ضمير العروبة ينتفض، وإن كان النداء مقرونا بثقة ان الصمت سيبقى حاضرا لا محالة.