و من البسملة "بسم الله الرحمن الرحيم " يمكننا أن نتعلَّم علوم الدنيا كلها.. حروفها هواء يخترق الروح.. عطر لا تركيبة له.. فكر متجدد منفرد عميق من الفرقان الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم " إِنَّآ أَنزَلْنَٰهُ قُرْءَٰنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ " (سورة يوسف - ٢)
يتميز القرآن الكريم عن سائر معجزات الرسل السابقين و عن سائر كتب أحكامهم بأنه جمع المعجزة و المنهج في شيء واحد . و كانت مناهج الرسل السابقون منفصلة عن معجزاتهم . فلهم معجزة يتحدون بها ليثبتوا صدق بلاغهم عن الله و لهم كتاب منهج من الله
أما القرآن فقد جاء المنهج هو المعجزة لأنه جاء للدنيا كلها في كل أزمنتها و في كل أمكنتها . فلابد أن تبقى المعجزة مع المنهج ليقول كل واحد آمن بمحمد قبل قيام الساعة . محمد رسول بمنهج و هذه معجزته. و نقول عربيا مادام
قد أرسل للناس كافة.
و قد نتساءل لماذا كان باللسان العربي و الأمم تختلف ألسنتنا باختلاف مواقعها من تواضعها على لغتها..؟
و هنا نجيب بأن القرآن نزل عربيا لأن القصد الأول فيه إثبات التحدي لمن ينزل فيهم الرسول بلسان قومه الذين يستقبلون دعوته أول استقبال وبعد ذلك حين يؤمنون به ينساحون في الدنيا ليحملوا معجزة من نوع آخر . فهذه المعجزة هي تحدي كل الحضارات في ما وضعت من التقنين الذي يسعد حركة الحياة في الإنسان مع أنهم أمة أمية لا حظ لهم من علم و لا حظ لهم من معرفة و لا حظ لهم من ثقافة. و مع ذلك تحدوا الحضارة الشرقية في فارس و الحضارة الغربية في روما . و أيضا ليتحدوا بغير اللغة يتحدوا بالإستنباءات التي جاء بها القرآن قبل أن تحدث في الكون و ينبأ القرآن بها.. فإذا ما انتهت إليها عقول البشر في العصور متأخرة .
و هنا القرآن الكريم سبق و لمح إليها و أشار إليها و ذلك على أن الذي نزل عليه استقبله ومن ربه الذي يعلم ما تكون عليه الأحداث في الكون و ذلك هو الإعجاز .
فإذا قال قائل كما يقول المستشرقون كيف تقولون إن القرآن عربي ؟ وبعدها تأتي ألفاظ تقول :
هذا اللفظ فارسي و هذا اللفظ رومي و هذا اللفظ يمني و هذا اللفظ حبشي.. حتى آمين التي نأمن بها على دعاء هي كلمة حبشية فكيف تقولون أنها عربية ؟ لكن هم يظنون أن كلمة عربي يعني أن يكون العربي نطق بها من أول ما نشأ و ما نشأت لغة العرب.. و طبعا لا..
العربي استقبل ألفاظا باختلاطه بالأمم ثم دارت هذه الألفاظ على لسانه فأصبح حين يتكلم بها يفهمها العربي فأصبحت عربية. لذلك كلما استجد شيء نأتي باللفظ و نترجمه و نعربه و ندخله في لغتنا "اللغة العربية"
و بعدما نستعمله في كلامنا يصير عربيا ..
و قوله تعالى " لعلكم تعقلون " يستنهض مهمة العقل ليفكر في الأمر و المنصف بالحق يهمه أن يستقبل الناس بالعقل
إنما المدلس يهمه أن يستر العقل جانبا لينفذ بمراده من وراء العقل . و هنا نرى أن الذي يدلس يستر العقل .
و الذي لا يدلس ينبه العقل .
الحق سبحانه و تعالى حينما يتكلم عن فعل يأتي بضمير الجمع .
و هنا نسأل لماذا ؟
نجيب:
هذا لأنه كل فعل يتطلب وجود صفات متعددة. يتطلب علما بها و حكمة و قدرة و إمكانيات.
فحين يقول نحن يعني أنه عندما تكون لدينا الصفات التي تقوم بكل مطلوب في الحياة و مقدر . لكن عندما نتكلم عن الذات لابد أن يوحد يقول : إنني أنا الله .
" نحن نقص عليك أحسن القصص فالذي يقص هو الله " فإذا وجد فعل لله . نأخذ هنا الفعل بذاته و خصوصه و لا تحاول أن تشتق منه إسما لتطلقه على الله. فإذا قال نحن نقص فإياك أن تقول الله قاص . أتركها كما قالها سبحانه و تعالى
لكن إذا كان الفعل له صفة من صفاته التي علمنا في أسماءه الحسنى.. "الله خلق" يبقى الله الخالق. "الله وهب" يبقى الله منه وهاب . الله أعز يبقى الله منه معز.. الله أذل يبقى الله منه مذل . فإذا رأيت فعلا له من أوصاف الذات الأقدسي إسم من الأسماء الحسنى . أطلق الإسم كما أطلقه الله . فكأنك في كل ما يتعلق به بل به ذات و صفات و أفعال ملتزم ما يقوله. نحن لا نعرف شيء عن الله إلا ما أخبرنا الله عنه .
فإذا قال نحن نقص.. فتقول الله يقص مثلا : في سورة الرحمن " الرحمن علم القرآن " فالذي يعلم هو الله. فإذا وجد فعل لله . خذ الفعل بذاته و نصوصه و لا تحاول أن تشتق منه إسما لتطلقه على الله.. اختصر فقط على الفعل "علم" . إياك أن تقول: ( الله معلم ) لا تقولها أبدا .
قال الله تعالى: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ} [سورة النساء:176] هنا وجب القول: "الله يفتيكم" لكن إياك أن تقول: ( الله مفتي ) اختصر فقط على الفعل "يفتيكم"
و إذا جاء بفعل في مقابل فعل يجب أن تقول - فعل في مقابل فعل - لا تقل : الله يمكر .. وحده يجب أن تقول هم يمكرون و الله يمكر... هم يخدعون و الله يخدع ... يجب أن نلتزم الأدب مع الذات الأقدس . الذي أطلقه إسما نطلقه إسما و الذي أطلقه صفة نطلقه صفة . الذي أطلقه فعلا نطلقه فعلا ...
نحن نقص عليك .. قال : القص قصصا يعني الاتباع
لأن القصة كلمة تتبع كلمة فسماها قصة لأن هذه الكلمة تتبع الكلمة ..كل حديث و إن لم تكن قصة كلمة تتبع كلمة .. قصة مأخوذة من قص الأثر.. و تعني شخص مشى و ترك آثارا في الأرض فنقوم بتتبع أثره ... يعني أنت تابع لأثر فلا تنحرف عن الأثر لا هكذا و لا هكذا ...
و مثلا قالت : " قصيه فبصرت به عن جرم "
قصيه يعني تتبعي خطاه... و ليس تتبع كلمة بكلمة و إلا كل الكلام و إن لم يكن قصة تتبع الكلمة فيه الكلمة
إنما قص يعني تبع بقوله ما حدث بالفعل . - فارتد على أثرهما قصصا -
القصة وجدت إذن لأن الكلام الذي يتحدث عن القصة هو بعينه يتبع واقع القصة . قصص القرآن يعني يتبع القضية كما حدثت تماما لأننا نأخذ القصة للعبرة. و القصة نوع من التاريخ. و التاريخ هو ربط الأحداث بأزمانها. هذا هو معنى التاريخ . نربط الحدث بزمنه . لكن هل فقط ربط الأحداث بأزمانها أم أيضا ربط الأشخاص أيضا بأحداثها ؟
لأن التاريخ : قد يأتي كحادثة من الحوادث فتكون هي الأصل الذي يدور عليه محور الكلام و الحادثة نفسها.
و قد يأتي بالأشخاص مهما يكونوا كثيرين و قد يأتي تأريخا للحدث .