رعى رئيس جامعة اليرموك الدكتور إسلام مسّاد، الندوة التي نظمها كرسي المرحوم سمير الرفاعي للدراسات الأردنية في الجامعة، بالتعاون مع المنتدى الثقافي في إربد، بعنوان "دور الوصاية الهاشمية في حفظ الهوية العربية الإسلامية للمقدسات الإسلامية في مدينة القدس"، والتي شارك فيها كل من رئيس جامعة اليرموك الأسبق الدكتور زيدان كفافي وأمين عام وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية الأسبق المهندس عبد الله العبادي، والدكتور رياض الحاج ياسين من قسم التاريخ في كلية الآداب.
وقال مساد إن تنظيم جامعة اليرموك لهذه الندوة الهامة ليؤكد حرصها على التعريف بالدور الأردني الهام في المحافظة على مدينة القدس وتراثها الحضاري، مبينا أن هذا الدور بدأ منذ ما يقارب مائة عام تخللها الكثير من التحديات والإنجازات التي يشهد لها العالم أجمع، مؤكدا أن "اليرموك" ستبقى حاضنة لمثل هذه الفعاليات لمساهمتها في تنمية الوعي الثقافي وتعميق القيم الوطنية لدى الطلبة بشكل خاص، ومجتمعنا الأردني ومؤسساته بشكل عام.
وأضاف لقد كانت مواقف جلالة الملك عبد الله الثاني المشرفة تجاه المقدسات في القدس حاضرة مرارا وتكرارا، فكانت حاضرة في كل خطاباته بوصفها جزءا أساسيا من ثوابت السياسية الأردنية، منذ تأسيس الدولة الأردنية.
وتابع: كانت الوصاية الأردنية عند بيعة الشريف الحسين بن علي في العشرينات، البداية لمسيرة طويلة من الارتباط الهاشمي بالمدينة، وقد حرص الملك المؤسس على العناية بالمدينة وأهلها من منطلق ديني وقومي، وزاد الاهتمام بها عندما أصبحت جزءا من أراضي المملكة بعد وحدة الضفتين عام 1950م، ودفع الملك المؤسس حياته دفاعا عن مواقفه المشرفة لإيمانه بعدالة القضية الفلسطينية وجوهرها القدس، ومع الملك الحسين الباني تجلت الروح الأردنية في الحفاظ على المدينة المقدسة وطابعها الديني، فتشكلت لجان الإعمار، وحرص الحسين على تفقد أحوال المدينة وأهلها بشكل يليق بها وبقداستها، وظل هاجس المحافظة عليها وعلى ترابها راسخا في توجهاته وسياسته ووجدانه لحين رحيله، فكتب التاريخ سيرته ومسيرته بأحرف من نور الإنجاز لهذه المدينة العظيمة.
وأكد مساد أن جلالة الملك عبد الله الثاني، واصل مسيرة الآباء والأجداد، فأعلن بوضوح أن القدس خط احمر بالنسبة للأردن، وأنها من ثوابت السياسة الأردنية الراسخة التي لا نستطيع التنازل عنها، فقضية القدس أولوية من أولويات جلالته يحملها معه إلى كل دوائر صناعة القرار في العالم بوصفها القضية الأكثر أهمية بالنسبة للأردن، ويقوم جلالته باستمرار بإرسال تطمينات الى المقدسيين وإلى السلطة الفلسطينية بأن الأردن لن يتخلى عن دوره التاريخي في دعم الأهل في فلسطين وتحديدا المقدسيين الصابرين الصامدين المرابطين القائمين العاكفين.
وخلال الندوة التي أدارها شاغل الكرسي الدكتور محمد عناقرة، أكد كفافي في ورقته التي حملت عنوان " القدس قبل الإسلام بين المصادر التوراتية والكتابات التاريخية والآثار" والتي اعتمد في عرضها على ما تناوله في كتابه "القدس قبل الإسلام" الصادر في عام 2021.
وأشار كفافي إلى أن دراسته هذه اعتمدت على تقديم المعلومات الصحيحة وفق المصادر الأصلية كالآثار والكتابات القديمة حول بقعة من الأرض مر على أرضها الناس قبل أكثر من ربع مليون سنة، وتطورت من حالة حضارية ومدنية إلى أخرى كغيرها من المدن الكنعانية والأمورية في بلاد الشام، غير أنها اكتسبت صفة دينية هامة لدى أبناء الديانات السماوية الثلاث لربطها بأحداث دينية سواء صلب السيد المسيح وبناء كنيسة القيامة فيها ومعراج الرسول الكريم، وبناء المسجد الأقصى فوق حرمها الشريف.
وأضاف أننا جميعا مسكونون بالقدس المدينة والسكان، وعلى أرضها وفوق حرمها القدسي سقط الشهداء من مسلمين ومسيحيين، فإذا كان سيدنا الرسول الكريم قد عرج منها إلى السماوات العُلى، فإن بطريركها وكاهنها المسيحي "صوفرونيوس" هو من سلم مفاتيح المدينة للخليفة عمر بن الخطاب، وفي ترابها أيضا دفن الشريف الحسين بن علي، وعلى أرضها استشهد الملك المؤسس، وعليه جاءت أهميتها الدينية التي علت على أهميتها السياسية.
من جانبه، أشار العبادي إلى أن دور "وزارة الأوقاف" في الحفاظ على القدس والمقدسات فيها، مبينا أن هذا يأتي من حرص المملكة، وعلى رأسها جلالة الملك عبد الثاني، على العناية والرعاية للقدس ومقدساتها.
وشدد على أن وزارة الأوقاف ومديرياتها في القدس ولجنة اعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة، تواصل أعمالها بالرغم من الاحتلال الإسرائيلي للمدينة المقدسة، للحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للمدينة.
ولفت العبادي إلى ما قدمه الشريف الحسين بن علي من تبرع للمسجد الأقصى عام 1924 حينما قدم 24 ألف دينار ذهبي للمسجد الأقصى، وما أوصى به بإن يُدفن في جنبات الحرم القدسي الشريف، تجسيدا لتمسكه بالقدس وفلسطين والأقصى، الذي استشهد على عتباته الملك المؤسس، واستمر من بعده الملك طلال بالرعاية والاهتمام بهذه الأرض المقدسة.
وتابع: بتوجيهات من جلالة الملك الحسين الباني، صدر القانون الأردني رقم 32 لسنة 1954 بتشكيل لجنة اعمار المسجد الأقصى المبارك والصخرة المشرفة للعناية بالحرم القدسي الشريف وما يشتمل عليه من معالم إسلامية خالدة، ولتقوم هذه اللجنة بمهمة الرعاية والصيانة والترميم والمحافظة على المسجد الأقصى والصخرة المشرفة والمرافق كافة، مضيفا أنه وبتوجيهات من جلالة الملك عبد الله الثاني، صدر قانون الصندوق الهاشمي لأعمار المسجد الأقصى وقبة الصخرة رقم 15 لسنة 2007 بهدف توفير التمويل اللازم لرعاية المسجد الأقصى وقبة الصخرة والمقدسات الاسلامية في القدس لضمان استمرارية اعمارها وصيانتها وتجهيزها وتوفير جميع المتطلبات لها، نظرا لأهميتها وحرمتها لدى المسلمين بشكل عام والهاشمين بشكل خاص.
وتناول ياسين في حديثه "فكرة "الوضع الراهن" و"الوضع القائم" و"ستاتيكو" والأمر الواقع "الوضعية الأصلية" في القدس، مبينا أن المصطلح اللاتيني ستاتيكو يشير إلى الوضع القائم ويستخدم للدلالة على الحالة الراهنة، حيث تسعى الانقلابات والتحركات الحاسمة إلى تغيير الوضع الراهن أو إطاحته أي العودة إلى حالة ما قبل الحرب، في حين أن مبدأ "ستاتيكو" يرتبط تاريخيا بالأماكن المقدسة ويتمثل في أن يبقى الوضع القائم على ما هو عليه بحيث لا يحق لأحد المس به.
وتابع: إن ستاتيكو أطلق أساسا على الوضع الراهن الذي يختص بكنيسة القيامة وساحتها وكنيسة العذراء مريم في الجثمانية وكنيسة المهد في بيت لحم وكنسية الصعود على جبل الزيتون في القدس ودير السلطان على سطح كنيسة القيامة.
وقال: إن إشكالية هذه التسمية لهذا المصطلح الذي يتخذ طابعا سياسيا، وعليه فإن الدولة الأردنية لا تفضل تسمية الوضع الراهن، لأن "الراهن متغير"، بينما تستخدم "إسرائيل" المصطلح بنية سيئة لأن الوضع الراهن حاليا مختلف عما كان قبل عام 2000، فالوضع الحالي يشمل اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي.
ورأى ياسين أنه من الأفضل استخدام الوضع التاريخي والقانوني من منطلق اعتراف المجتمع الدولي ومنظمات الأمم المتحدة بخصوصية الوضع والدور الأردني في مدينة القدس.
وأشار إلى القوانين الثلاثة التي أقرها الكنيست الإسرائيلي عام 1967 والتي أثرت في مكانة القدس والأماكن المقدسة، تمثل تعديا صارخا على الأعراف والقوانين الدولية وإلغاء للوضع الراهن من طرف واحد، وبموجب هذه القوانين عرفت "إسرائيل" نفسها بأنها صاحبة الولاية الإدارية والدينية المفهومة ضمنا نتيجة استحقاق السيطرة السياسية والعسكرية الفعلية على الأرض، وبالتالي الغت القوانين الأردنية واستبدلت بها التشريعات والقوانين الإسرائيلية، بينما يُفهم من الوضع القائم الدور التاريخي الأردني ضمن الوصاية على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية في القدس وما يتضمنه ذلك من السماح للمصلين المسلمين بالدخول، ولغير المسلمين بالزيارة.