بحضور نخبة من الخبراء والمهتمين بالقطاع الزراعي، قدم الدكتور نزار حداد مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية محاضرةً تفاعليةً في مقر جمعية البحث العلمي والريادة والإبداع تحدث فيها حول "مُحركات التغيير في البحث العلمي الزراعي"، كانت الإضاءات فيها بشكل رئيس منبثقةً عن دور المركز الوطني للبحوث الزراعية في كونه مظلةً وطنيةً للبحث العلمي الزراعي على مستوى الوطن والمنطقة لتحقيق تنمية زراعية مستدامة، وبإشارة إلى أن المركز عمل على مواءمة أهدافه الاستراتيجية مع أهداف التنمية المستدامة، ويعمل بالتوافق مع رؤية التحديث الاقتصادي وخطة التنمية الزراعية المستدامة المطلقة من وزارة الزراعة.
في مستهل اللقاء، استعرض حداد مجموعةً من أبرز التحديات التي تحفّ القطاع الزراعي، مع التركيز على أكثرها أهميةً على المستوى العالمي وهو التغير المناخي، والذي بات عاملاً أساسياً ومحورياً يلعب دوراً ملحوظاً في عمليات صنع القرار وتحديد ماهية الإجراءات التي من الضروري اتخاذها للحد من الآثار المباشرة وغير المباشرة، انطلاقاً من التأثيرات التي يصنعها على مستوى العالم، لتحاكي معطيات المنطقة، من جهة. من جهة أخرى، أوضح حداد أن مفهوم التغير المناخي أصبح يعاني تشويهاً واضحاً من قبل الكثيرين من غير أصحاب الاختصاص ممن يتداولونه في ضوء عدم الدراية الكافية بكل حيثياته، ما يجعل هناك آراءً كثيرةً متباينةً على الساحة، تدعو للتفكير بشكل حثيث للبحث عن حلول وآليات موجهة بالبحث العلمي الزراعي السليم.
وفي معرِض حديثه عن محركات التغيير، أشار حداد إلى الضغوط المتولدة بسبب عدد من العوامل على الموارد الطبيعية كالمياه على سبيل المثال، لا سيما وأن الأردن يعد من الدول الشحيحة بالمياه على الرغم من استخدام مصادر غير تقليدية للمياه، حيث كان أحد هذه العوامل النمو السكاني المتزايد بشكل مطّرد جرّاء موجات اللجوء السوري، وتراجع معدلات التغذية لمصادر المياه الجوفية، ما من شأنه التأثير بشكل دراماتيكي وسلبي على مخصصات الفرد من المياه، والتي تراجعت لتصل إلى 61% بعد أن كانت حوالي 79% قبل ثلاثة أعوام، وعلى مستويات المياه الجوفية التي انخفضت بمعدل 100 متر مكعب بحسب استراتيجية وزارة المياه والري الأخيرة، على الترتيب، على الرغم من محاولات الأردن في التعامل مع هذه الطفرات في عدد السكان التي غالباً ما يتعارض معها مستجدات أخرى تطفو إلى السطح لتجعل المهمة أكثر صعوبةً.
وبشكل موازٍ، فقد أشار حداد أن موجات الزيادة السكانية والانفجار الديموغرافي أثرت كذلك بشكل ملحوظ على سوق العمل ونوعية الأعمال التي يحاول سوق العمل توليدها، مع ما يرافق ذلك من ازدياد في أعداد الخريجين من الجامعات وعدم قدرة سوق العمل على استيعاب هؤلاء الخريجين وعدم قدرة الجامعات على تأهيلهم بشكل كافٍ بما يتواءم مع متطلبات سوق العمل، ليشكل كلُ ما سبق سبباً مركباً في إحداث ضغوطات على الموارد الطبيعية الشحيحة في الأردن.
وانطلاقاً من الاهتمام الوطني وتوجيهات جلالة الملك نحو تسليط الضوء على موضوع الأمن الغذائي، أوضح حداد أن المركز الوطني للبحوث الزراعية يأخذ على عاتقه من خلال البحث العلمي الزراعي مهمة التفكير في استحداث الوظائف التي يستدعيها القطاع الزراعي، بالإضافة إلى التوجه نحو المنتجات الزراعية التي تحقق الاكتفاء الذاتي وتلبي الاستهلاك المحلي بالدرجة الأولى، والتي تسمح فيما بعد بفتح باب التصدير للمنتجات ذات القيمة المضافة والجودة العالية والتي يمكن إنتاجها دون التأثر بالواقع الملتهب سريع التغير في المنطقة.
كما أردف حداد قائلاً أن أحد محركات التغيير الهامة يكمُن في كُلف الطاقة التي تحدّ من إمكانيات المزارعين في ضخ المياه الجوفية لري مزارعهم، على سبيل المثال، بسبب ارتفاعها ما يؤثر على سويّة الإنتاج الزراعي، وأشار إلى أن العلاقة العنقودية التي تربط بين محاور الطاقة، الغذاء، المياه، والبيئة باتت تعطي الصِبغة الغالبة لأغلب الحوارات الإقليمية المرتبطة بالقطاع الزراعي، ولدى المركز الوطني للبحوث الزراعية تجربة رائدة في هذا المجال، حيث يعكف حالياً على إعداد ورقة سياسات تتعلق بهذه المحاور على المستوى الوطني.
وأضاف حداد أن تفتت الحيازات الزراعية وما يتسبب به في تقليل الإنتاج، يؤثر بشكل كبير على إنتاجية بعض المحاصيل الاستراتيجية ولعل أهمها محصولَي القمح والشعير. ومن جانب آخر، صرّح حداد أن الموارد الوراثية النباتية وحتى الحيوانية أصبحت مطْمعاً لدى الكثيرين الذين يحاولون استباحتها دون وجه حق، وفي هذا الصدد، أكد حداد على ضرورة رفع الوعي لدى من يتداولونها للتحقق من حمايتها. كما قال حداد أن الأردن يخطو خطىً متواضعةً نحو ما يواكبه العالم من التكنولوجيات الحديثة وتقنيات إنترنت الأشياء والتعامل مع البيانات الضخمة، إلا أنه لا بد من حث الجهود والخطى في هذا الاتجاه، لتتواءم وسرعة تطور هذه التقنيات وانتشارها وخاصةً تلك المتعلقة بالقطاع الزراعي.
وفي ختام المحاضرة، أكد حداد على الارتباط الوثيق بين مهام المركز الوطني للبحوث الزراعية بما يضمن تحقيق رؤيته ورسالته في كونه يعمل جنباً إلى جنب مع شركائه ليعزز من دور المركز كمظلة وطنية للبحث العلمي الزراعي لتحقيق تنمية مستدامة ومرنة، في ظل محركات التغيير آنفة الذكر. وأضاف أن عنصر الموارد البشرية يعد من أهم العناصر التي عكف المركز على تعزيزها منذ إعادة هيكلته، من خلال استحداث عدد من المديريات البحثية المتخصصة وفق ما يتطلبه واقع الحال الزراعي، وتعيين كوادر من حمَلة الماجستير والدكتوراه لمواكبة النقص الحاصل جرّاء التقاعدات السنوية، وتعزيز قدراتهم وإمكاناتهم بُغية رفع مكانة المركز وقدرته في جذب المانحين والتمويل لإجراء البحوث العلمية الزراعية المتخصصة.
واستعرض حداد جُملةً من إجراءات المركز الوطني للبحوث الزراعية الرامية لتحقيق ذلك، استهلها بالحديث عن بنك البذور الوطني الذي يحاكي معايير عالمية، والمزمع إنشاؤه في المركز الوطني للبحوث الزراعية ليكون مُنشأةً تهدف لتعزيز عمليات الجمع السليم للبذور واستحداث شواغر مختصة تستقطب كفاءات وخبرات وطنية خبيرة في هذا المجال لتعزيز دور المركز في تحقيق التوجه الوطني نحو الأمن الغذائي.
وباستعراض الخرائط التفاعلية الثلاث التي عكف المركز على تطويرها، وهي خارطة استعمالات الأراضي، خارطة الحصاد المائي وخارطة الفيضانات الوميضية، تحدّث حداد عن جهود المركز الحالية في تطوير 6 خرائط جديدة متعلقة بالتربة، وأنها ستكون جميعُها متاحةً للمهتمين والخبراء وطلاب الجامعات على اختلاف تخصصاتهم للاستفادة منها.
وحول الريادة والابتكار، بيّن حداد أن المركز الوطني للبحوث الزراعية أنشأ حاضنة الابتكار وريادة الأعمال الزراعية لتكون موطئ قدم للكثيرين من الشباب والشابات المبدعين والرياديين ممن لديهم مشاريع ابتكارية ريادية، لتكون مركزاً لنشر العلوم والمعارف الزراعية وتحويل الأفكار الريادية والإبداعية إلى مشاريع حقيقية تعزز الاقتصاد الوطني وتساهم في التنمية المستدامة وخلق فرص عمل وقصص نجاح مميزة.
واختُتمت المحاضرة بنقاش مفتوح بين الحضور من المهتمين والخبراء في القطاع الزراعي والدكتور حداد، تضمن أسئلةً تناولت عدداً من القضايا الراهنة على المستوى الوطني في القطاع الزراعي.
وبين الدكتور رضا الخوالده رئيس الجمعية الأردنية للبحث العلمي أن الجمعية تواكب على عمل المحاضرات والندوات العلمية التي من شأنها اطلاع الحضور والرأي العام على اهم ما تم انجازه في المجالات البحثية الزراعية ،لافتا إلى أن هذه المحاضرة قدمها الخبير الأردني عطوفة الدكتور نزار حداد الحاصل على العديد من الشهادات العلمية العليا والجوائز المحلية والدولية والمحاضر في مجال الأمن الغذائي.
وبين الخوالدة اعتزاز هو العاملين في القطاع الزراعي بالإنجازات البحثية التطبيقية التي تمكن المركز الوطني للبحوث الزراعية من تحقيقها وخاصة في السنوات الاخيرة بعد إعادة هيكلة المركز الوطني للبحوث الزراعية وموائمةً أهدافه الاستراتيجية مع أهداف التنمية المستدامة وأهدافها الاستراتيجية الوطنية للتنمية الزراعية والتكامل ما بين المركز الوطنية والقطاع الأكاديمي في الجامعات الحكومية والخاصة عبر كليات الزراعة والعلوم والبيئة.
كما عبر الخوالدة عن اعتزازه لهذا الصرح العلمي الذي تمكن من استحداث حاضنة الابتكار وريادة الأعمال الزراعية التي أصبحت تقدم خدمات جليلة وبخاصة لي المبتكرين والرياديين من القطاع الخاص.