يحتوي النظام التشريعي الأردني على العديد من القوانين التي تعنى في مجال استخدام التكنولوجيا، ويهدف تنظيمها وضبط الممارسات الخاطئة والتي قد ترتكب من خلال أنظمة المعلومات، على سبيل المثال وليس الحصر: قانون العقوبات وتعديلاته رقم 16 لسنة 1960، وقانون الاتصالات رقم 13 لسنة 1995، وقانون جرائم أنظمة المعلومات المؤقت رقم 30 لسنة 2010، وقانون المطبوعات والنشر رقم 8 لسنة 1998.
ولما يشهده عصرنا الحالي من تطور واسع في مجال استخدام تكنولوجيا ورقة موقف حول قانون الجرائم الإلكترونية وسائل الاتصال، وما رافقها من انتشار متسارع في استخدامها، وصنع شكلا ً جديدا من أنواع التواصل الاجتماعي عبر شبكة الإنترنت، ما أدى إلى ظهور نمط جديد من الممارسات تتطلب ضبطا لمنع إضرارها بالمصالح العامة والأشخاص وتوفير الحماية اللازمة لمستخدمي شبكة الإنترنت وأنظمة المعلومات المختلفة، كان لابد من وجود قانون خاص يوائم التطورات الحاصلة. وعليه تم إقرار قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لسنة 2015 والذي توسع في تصنيف الجرائم الالكترونية تبعا للتغيرات والتطورات التي تحدث. وفي عام 2022، طرحت الحكومة الأردنية مسودة تعديل لقانون الجرائم الإلكترونية، القانون والذي يعتبر ناسخ للقانون السابق والمكون من 17 مادة، بينما القانون المستحدث مكون من 41 مادة ليصبح أكثر شمولا وتوسعا عن القانون السابق من حيث نوعية الجرائم الالكترونية، الأمر الذي يؤثر على حرية الرأي والتعبير والذي كفله الدستور الأردني في المادة 15/1 والتي جاء فيها:
"تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ان لا يتجاوز حدود القانون”.
وعليه؛ ارتئينا نحن شباب وشابات نشطاء النهضة الفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي إطلاق ورقة موقف تنشد تحقيق التوازن بين الواقع والمواد التي جاءت في قانون الجرائم الإلكترونية، بما يتوافق مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير.
إذ نرى أن مشروع القانون يمثل تهديداً مباشراً للحقوق الرقمية، بما فيها حرية التعبير والحق في المعلومات، ولن يحقق في النهاية أهداف الحكومة الأردنية المعلنة المتمثلة في التصدي لـ”الأخبار الكاذبة”، و”الكراهية”، و”القدح والذم” على الإنترنت. مما يؤدي إلى تدهور مساحات الفضاء المدني وتقييد المشاركة المدنية والسياسية الفعالة للشباب والشابات وأفراد المجتمع كافة على المستويات.
الملاحظات حول مشروع القانون
الملاحظات العامة
محدودية المشاورات الوطنية حول مشروع القانون نظراً لإعطائه صفة الاستعجال من قبل الحكومة وكان الأجدر أن يتم فتح حوار ونقاش عميق حول مشروع القانون.
عدم موائمة مشروع القانون مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان ولا سيما الحق في حرية الرأي والتعبير
توجه القانون إلى البعد الجزائي والعقابي، مع أن الأجدر أن يتضمن مشروع القانون عدداً من التدابير المؤسسية والوقائية للحد من الظواهر السلبية في البيئة الرقمية.
عدم أخذ مشروع القانون بالعقوبات المجتمعية غير السالبة للحرية والتي نص عليها قانون العقوبات.
التوجه نحو تغليظ العقوبات وعدم اتباع خطة تشريعية حول التدرج في فرض العقوبات أو رفعها.
كان من المتوجب عدم إعطاء القانون صفة الاستعجال، وفتح نقاشات وحوار وطني عميق حول مشروع القانون.
كان من الأجدى الاسترشاد بالأوراق النقاشية التي قدمها جلالة الملك بالسنوات الماضية وحثت على أهمية الانخراط في الحياة السياسية والتحلي بـ”المواطنة الفاعلة” ويعتبر الفضاء الرقمي جزء من أدوات هذه المشاركة.
الملاحظات الخاصة:
يستخدم مشروع القانون مصطلحات فضفاضة ومبهمة التعريف للغاية
حيث تستخدم المواد 14 و15 و16 و17 و19 من المسودة مصطلحات غير دقيقة وغامضة وغير محددة، مثل "الأخبار الكاذبة”، مع أن هذه النصوص لا تفي بمتطلبات القانون الدولي الخاصة بصياغة النصوص القانونية بدقة كافية للسماح للأفراد بتنظيم سلوكهم بمقتضاها.
لم يتضمن القانون تنظيماً تشريعياً واضحاً حيال خطاب الكراهية والدعوة له والتحريض عليه بشكل واضح فضلاً عن عدم تحديد مشروع القانون مفهوماً للكراهية والمعايير التي تقوم عليها.
خلو مشروع القانون من أي تدابير تصحيح أو إلغاء أو وأوامر منع نشر كتدابير مؤسسية وقائية يجب اتباعها قبل التوجه نحو العقاب.
تضمن مشروع القانون نصوصاً من شأنها ان تؤثر على الاستثمار في البيئة الرقمية في الأردن واقتصادها بشكل عام.
لم يتضمن مشروع القانون أي معايير تتعلق بالنقد العام المباح.
لم يتضمن مشروع القانون تحديداً أو تعريفاً للشخصية العامة.
لم يتضمن مشروع القانون نصوصاً تؤكد عدم مساس مشروع القانون بالصحفيين والمؤسسات الصحفية
يخالف مشروع القانون القواعد العامة في النظرية الجزائية من حيث الاشتراك الجرمي والشروع بالجريمة.
يعيق القانون حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، ويزيد الرقابة على الإنترنت مما يحد من مساحات المشاركة المدنية للمواطنين والمواطنات.
تُجرّم هذه الأحكام فعلياً أي خطاب قد يسيء إلى المسؤول العام. مع أن الحق في مشاركة المحتوى الذي يحتوي على انتقاد المسؤولين علناً هو أمر أساسي في المعايير الدولية لحرية التعبير، بحسب ما ينص عليه "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”، الذي صادق عليه الأردن. يمكن أن تعزز هذه المادة الرقابة والرقابة الذاتية من خلال تقييدها لقدرة الأشخاص عموما الحديث علنا عن عمل المسؤول العام والسماح فقط لمجموعة محددة ومصرح لها مسبقا بالتحدث حول مواضيع معينة. ويمكن أن تحول هذه المادة أيضا دون مساءلة المسؤول العام والسلطات الحكومية عن القرارات التي يتخذونها، مما يعيق من قدرة الأردنيين على المشاركة الكاملة في العمليات السياسية والحياة المدنية.
يخالف المشروع توصيات الأمم المتحدة بضرورة تعديل قانون الجرائم الإلكترونية ساري المفعول بما ينسجم والتزاماته الدولية، أي بما يضمن الحريات، في الوقت أن هذا المشروع للقانون الجديد قد أضاف قيوداً أكثرا مما هي عليه، من هذه التوصيات ما جاء في توصيات الاستعراض الدوري الشامل لحقوق الإنسان ووعدت الحكومة بالالتزام بها، وهي توصية رقم 71 "التأكد من ان جميع التشريعات المحلية متوافقة مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ولا سيما فيما يتعلق بالحق في حرية التعبير”، وتوصية رقم 133 "تعديل القوانين التي تعوق حرية التعبير والمعلومات”، وتوصية رقم 143 ” ضمان حرية التعبير ووقف احتجاز جميع الكتاب والصحفيين ومحرري المواقع الشبكية بتهم تتعلق بحرية التعبير، والغاء مواد قانون العقوبات التي تضع قيوداً غير جائزة على حرية التعبير على شبكة الانترنت وخارجها على السواء”، وتوصية رقم 135 "مراجعة وتحديد تعريف التحريض على الكراهية في قانون الجرائم الإلكترونية المعدل لعام 2011″ وغيرها من التوصيات، كما أن الملاحظات الختامية للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 2017 قد أوصت المملكة:” أن تراجع تشريعاتها لضمان ألا تطبق عقوبات جنائية على الأشخاص الذين يعربون عن آراء انتقادية، ولضمان امتثال أي قيود تفرض على أنشطة الصحافة ووسائط الإعلام للعهد.”
أجاز مشروع القانون رفع دعوى الحق العام من النيابة مباشرة، وكان الأجدر أن يتم ترك ذلك للمشتكي لتحريك دعوى الحق العام.
تابعنا مناقشات مجلس الأمة بغرفتيه النواب والأعيان حول مشروع القانون، وكذلك التفاعل من كافة الأوساط المعنية من إعلاميين، وصحفيين، ونقابيين، وحزبيين، وحقوقيين، ونشطاء ومعنيين بالرأي العام التي جاءت لتؤكد أن هناك العديد من الملاحظات على مشروع القانون والتي من شأنها ان تؤثر على حرية الرأي والتعبير وبالتالي التضييق على مساحات الفضاء المدني والحد من المشاركة المدنية للشباب والشابات، وعليه نود أن نبدي توصياتنا على مشروع القانون قبل إقراره أو رده من قبل جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم.
التوصيات:
إعادة النظر في تعديل النصوص القانونية المجحفّة بحق مستخدمي الانترنت بما يفضي لإقرار نصوص قانونية متوازنة ومتوافقة مع الحقوق الأساسية كالحق في الخصوصية، الحق في تبادل المعلومات والحق في التعبير عن الآراء والأفكار والتي كفلها الدستور الأردني في المادة (7) والتي تنص على أنه "كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.” والمادة (15) التي تنص على "تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني ان يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير بشرط ألا يتجاوز حدود القانون.” بالإضافة إلى كفالة هذه الحقوق بموجب القانون الدولي ومعاهدات حقوق الإنسان. إذ أن مؤشر حريّة الإنترنت في الأردن قد يتراجع نتيجة تمرير هذه النصوص التعسفيّة.
اضافة فقرة في القانون تنص على أنه في حال أُسقِطت الدعوة من قبل المشتكي، فإن العقوبة ستسقط سواءً بالحق العام أو الحق الشخصي، لضمان عدم تضييع الجهود القضائية والمحاكمة العادلة وتقديسا لمبدأ المصالحة.
هنالك خلط بين مفهوم المواقع الالكترونية الوارد في القانون والمفهوم العام للمواقع الالكترونية المرخصة وعليه يجب توضيح أن المقصود بمصطلح "المواقع” في القانون ليس المواقع الإلكترونية المرخصة بشكل قطعي، لتفادي الارتباك، وعدم استخدام هذا المصطلح في سياق ضيق.
يجب تحديد مسار سير الدعوى في القضايا الإلكترونية بمدة لا تتجاوز ٦٠ يومًا، لتحقيق العدالة الناجزة وتنظيم سير الملفات بفعالية. ويجب أن تكون الغرفة المخصصة لهذه القضايا مجهزة بالخبرات الفنية لتحديد الجرم وتقدير الضرر الناجم عنه.
تضمين نصوص توضح المقصود بالمصطلحات الفضفاضة شكل قانوني سليم وواضح في القانون ومنها: أخبار كاذبة، ذم، قدح، تحقير، اغتيال الشخصية، إثارة الفتنة، إثارة النعرات، ازدراء الأديان.