أعادتني زيارة المديرة العامة لمُجمّع التلفزيون والإذاعة في رئاسة جمهورية كازاخستان راوشان قاجيباييفا للأردن حالياً، إلى عام 2007 عندما أقامت وزارة الثقافة حينذاك (في عهد الوزيرة الدكتورة نانسي باكير) الأسبوع الثقافي الأردني في العاصمة الكازاخستانية (أستانا)، وشاهدت حينها انبهار شعب كازاخستان (الذي قابلته لأول مرة في حياتي) بالحضارة والتراث والتاريخ الأردني، الذي لامسوه بشغفٍ في صور البترا، ووادي رم، والبحر الميت ومنتجاته، والمدرّجات الرومانية القديمة، والقلاع والحصون الأردنية التي تتكئ على قمم الجبال والهِضاب، والمياه المعدنية الساخنة في المخيبة وماعين والشونة الشمالية.
مثلما أحسست حينذاك (كمستشار إعلامي وتنموي في وزارة الثقافة) بدماء الحياة تجري في شرايين قلبي ونحن نستقل مصعد برج "بايتيريك – شجرة الحياة" الذي ترى من فوقه جمال وجمالية العاصمة "أستانا"، وكذلك قصر السلام والوئام، الذي يربض على شكل هرم في العاصمة "أستانا"، مثلما شاهدت مُخططات لتوسعة هذه العاصمة، والتي منها مسجد "نور أستانا" الذي اكتمل بناءه عام 2008، وهو يُعتبر أكبر مساجد آسيا الوسطى، والذي يتسع لحوالي رُبع مليون مُصلٍ، ويشعر فيه الإنسان بقدسية خاصة، تضيئ شجرة الإيمان والمحبة والتسامح والتعايش التي يتمتع بها شعب كازاخستان الذي يربو على (20) مليون إنسان حالياً، وأرى من علو مآذنه (روحياً ووجدانياً) مآذن المسجد الحُسيني في وسط العاصمة عمّان، الذي أعيد بنائه عام 1923 على أنقاض مسجد من العهد الأموي.
ولأني أتلذذ بعبق "أرض الكازاخ" إيماناً منّي بأنها أرض خير وعطاء، ومراكز عِلمٍ وعملٍ، وميادين بطولات وانتصارات، وحواضن ديمقراطية وشموخ، فهي أيضاً الأرض الوحيدة برأيي التي أرى أنها ربطت بين بداوة الصحراء وثلوجها وخيولها وشلالاتها، وهي الوحيدة أيضاً التي عانقت بين أحلام النسور الذهبية الكازاخية مع فضاءات السماء من خلال محطة (بايكونور) الفضائية التي شهدت على أول إنسان امتطى صهوة مدارات الفضاء من هذه المحطة الفضائية عام 1961 (وهو رائد الفضاء يوري غاغارين)، عندما كانت دولة كازاخستان ضمن مجموعة دول الاتحاد السوفييتي الذي انهار عام 1991 ميلادي.
وزيارة (راوشان قاجيباييفا للأردن) تأتي بصفتها الرسمية الإعلامية حرصاً من جمهورية كازاخستان على تطوير التعاون الإعلامي مع الأردن، لهذا حرص سفير كازاخستان في الأردن (أيداربيك توماتوف) وطاقم السفارة ومدير مكتب وكالة أنباء (كازإنفورم) الكازاخستانية في الشرق الأوسط على أن يكون جدول أعمالها مفعماً بالأنشطة الإعلامية، والتي توجتها (راوشان) بلقاء وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول، إضافة إلى زيارة وكالة الأنباء الأردنية / بترا وتوقيع اتفاقية تعاون مع بترا، وزيارة التلفزيون الأردني، وقناة "المملكة"، والمدينة الإعلامية، فيما شملت زيارتها أيضاً كليتي الإعلام في جامعتي البترا والشرق الأوسط في العاصمة عمّان، وذلك بهدف تعميق التعاون بين البلدين في مختلف الشؤون الإعلامية والأكاديمية، لضمان انعكاسها إيجابياً على كافة مجالات التعاون بين البلدين.
ولأن العلاقات الأردنية الكازاخستانية قوية منذ ما يزيد على (30) عاماً، أي منذ استقلال كازاخستان عام 1991 إثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي، فإن جلالة الملك عبدالله الثاني يحرص على توثيق وتوسيع هذه العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين بشكل مستمر، ويعمل على ترجمة هذه العلاقات بشكل دائم مع رئيس جمهورية كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، الذي يؤمن بأن بناء جسور تعاون بين كازاخستان والدول العربية وفي مقدمتها الأردن على رأس أولوياته في السياسة الخارجية، لهذا فمن المفيد أن تتكامل اتفاقيات التعاون بين الأردن وكازاخستان في المجالات المختلفة، حيث بإمكان الأردن أن يكون محطة رئيسية لكازاخستان في منطقة الشرق الأوسط، وأن تكون كازاخستان محطة رئيسية للأردن في آسيا الوسطى، إضافة إلى أنني أرى أهمية البدء بوضع خِطط ثنائية اقتصادية وزراعية وسياحية وعلمية وتعليمية. كما أرى بأن على وسائل الإعلام في الدولتين أن تعملان على تسويق التعاون والتشارك في هذه المجالات، وإتاحة المجال للشباب كذلك للعمل على بناء قنوات شبابية تخدم مستقبل العلاقات المشتركة، هذا إلى جانب فتح آفاق التعاون بين الجامعات، سواء كان ذلك بين الهيئات التدريسية أو بين الطلاب، والعمل على بحوث ودراسات أكاديمية وعلمية لتكون لنا بصمة مشتركة على المستوى الجامعي العالمي.
ولعل التعاون والتبادل السياحي هو أسرع الطرق لتوسيع مجالات التعاون بين الأردن وكازاخستان، فمن الجيد أن يوفر الأردن محطات سياحية لكازاخستان في فصل الشتاء على سبيل المثال، والذي تصل فيه درجات الحرارة هناك إلى (50) تحت الصفر، حيث ستكون الأغوار والبحر الميت والعقبة والمياه المعدنية منتجعات للسيّاح الكازاخستانيين الباحثين على الدفء في الأردن، هذا إلى جانب استثمار الصيف ليكون الأردن محطات سياحية للمناطق الأثرية والتراثية والتاريخية والطبيعية في الفصول الأخرى، فيما يمكن لكازاخستان أن تكون محطات سياحية وترفيهية ورياضية للسيّاح الأردنيين خلال كافة فصول السنة، فهذه الجمهورية تمتلك حوالي (9) ألاف معلم حضاري وثقافي، وفيها ما يزيد على (7) آلاف بحيرة تشكل طبيعتها الخلاّبة، وفيها حوالي (1300) نوع من الزهور، و (2000) نوعِ من الأحياء المائية.
ومن الجيد أن نبدأ (أردنياً وكازاخستانياً) بعمل توأمة بين جبال (ألتاي) في كازاخستان مع جبال (الشراة، وعجلون والكرك والبلقاء)، وتوأمة مدينة (مأدبا) مع مدينة (تاراز) الكازاخستانية، وأن نربط أيضاً البحر الميت بشواطئه الدافئة ومياهه المعدنية التي تصلح للعلاج والسياحة والاستجمام، مع شواطئ بحر قزوين الكازاخية. وأن نبني أيضاً جسوراً سياحية وعلاجية بين نهر اليرموك وأودية الموجب والهيدان والبربيطة المائية في الطفيلة ومياه ماعين والمخيبة في أقصى شمال وادي الأردن مع أنهار كازاخستان والتي أبرزها أنهار: تشو، وإمبا، وإلي، وإيرتيش، وإيشيم وغيرها، هذا إلى جانب أن توأمة (وادي رم) في الأردن الذي يُعرف بوادي القمر ضرورية أيضاً مع الأخاديد والصحاري الكازاخية، والتي أبرزها أخدود ونهر (شارين) في حديقة (شارين) الوطنية، الذي يبعد عن مدينة (ألماتي) / العاصمة الاقتصادية لكازاخستان حوالي (200) كلم، بالقرب من الحدود الصينية.
وأخيراً أطمح بأن تكون (زيارة راوشان قاجيباييفا) المديرة العامة لمجمّع التلفزيون والإذاعة في رئاسة جمهورية كازاخستان ولقاءاتها مع بعض المسؤولين الإعلاميين في الأردن، استهلالاً طيباً لتعميق التعاون بين الأردن وكازاخستان، وحافزاً للإعلاميين من البلدين لتوثيق العلاقات الأخوية سياسياً واقتصادياً وسياحياً واستثمارياً وتجارياً وعلمياً وأكاديمياً وغير ذلك من القطاعات التي يمكننا أن نعمل فيها على مختلف الأصعدة، خاصة وأن السفارة الأردنية في العاصمة (أستانا)، مثلما هي السفارة الكازاخستانية في العاصمة عمّان، تعملان على توطيد العلاقات بين البلدين، مما يستلزم منّا كإعلاميين أن نضع خِططاً إعلامية توازي تميّز العلاقات بين البلدين الشقيقين، ترتكز على تبادل الخبرات والزيارات الإعلامية، وتوفير محتوى إعلامي عن مجالات التعاون الواعدة، إلى جانب اعتماد الأردن مركزاً إقليمياً للتدريب في الشرق الأوسط، واعتماد كازاخستان مركزاً إقليمياً للتدريب في منطقة آسيا الوسطى.