من جديد، تعيد سلسلة الجرائم الأسرية التي ارتكبت خلال الفترة الماضية، والتي راح ضحيتها نساء وأطفال، إلى الواجهة المطالبات القانونية والحقوقية بتبني سياسات فاعلة وخطاب مجتمعي أكثر حزماً لحماية الأسرة من العنف المتواصل.
ورغم التعديلات القانونية التي طرأت على قانون العقوبات لعام 2017، بحيث ألغت الاستفادة من العذر المخفف فيما يسمى بجرائم "القتل بدافع الشرف”، فإن طبيعة الجرائم المرتكبة اليوم داخل الأسرة تتخذ منحى تصاعدياً وأكثر قساوة في تنفيذ الجريمة بما ينذر بخطورة تنامي الظاهرة، في الوقت الذي أظهرت فيه دراسة سابقة للجنة الوطنية لشؤون المرأة أن 77 % من قضايا القتل الأسرية يستفيد الجناة فيها "من إسقاط الحق الشخصي”.
في ضوء ذلك، ولفهم واقع جرائم الأسرة في المملكة، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض) وشركة درة المنال للتنمية والتدريب، ضمن إطار حوارات تعزيز ثقة الجمهور في قطاع العدالة من خلال الحوار الاجتماعي، لقاءً حوارياً حول "الجرائم الأسرية في الأردن: تحولات ودوافع”، الثلاثاء 22 آب/ أغسطس، وأدارته مع الحضور مسؤولة الشبكات في منظمة النهضة (أرض)، إيمان أبو قاعود.
وبين مدير إدارة حماية الأسرة والأحداث، العميد سائد القطاونة، أن البلاغات التي تلقتها الإدارة منذ بداية العام الحالي وصلت لـ 28 ألف بلاغ من خلال 10 وسائل تبليغ مختلفة، لافتاً إلى أن الإدارة استقبلت منذ بداية عام 2023 ولغاية اليوم 1320 حالة عنف جسدي، مقارنة بالنصف الأول من العام 2022 الذي شهد تسجيل 1273 حالة خلال الفترة ذاتها من العام الحالي.
ورأى القطاونة أن هذه الزيادة "طبيعية” بسبب الزيادة السكانية وارتكاب حالات عنف من قبل جنسيات أخرى، مشيراً إلى وجود حالات عنف لم تسجل ويتم تسويتها خارج نطاق القانون. داعياً المواطنين بالتبليغ عن حالات العنف لدى أقسام الإدارة التي تبلغ 17 قسماً في مختلف محافظات المملكة، إضافة إلى التواجد في مخيمي الزعتري والأزرق.
وأشار إلى أن الفضاء الإلكتروني ومنصاته المتعددة ساهم في زيادة أعداد هذه القضايا، وهو ما انعكس على زيادة عدد البلاغات التي وردت للإدارة من طرف ثالث خارج نطاق دائرة العنف، مؤكداً على استجابة الإدارة في التعامل مع التبليغات بالتشارك مع جميع المؤسسات في هذا الإطار.
أما الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة، د. محمد مقدادي، ، فرأى أن هناك انطباعاً عاماً بازدياد عدد الجرائم الأسرية خاصة القتل رغم عدم وجود إحصائية موثقة حتى الآن، مشيراً إلى أن معالجة هذه المشكلة لا يتعلق فقط بإجراءات منظومة الحماية من العنف.
وبين أن الفريق الوطني يقوم بإجراء تقارير تقص دورية لا تنشر تفاصيلها في وسائل الإعلام لاعتبارات تتعلق بالمعالجات مع الأطراف المعنية والمؤسسات ذات العلاقة، خاصة فيما يتعلق بالأدلة الإجرائية للعاملين في المؤسسات، مؤكداً أن هناك حاجة لتأهيل أكبر لهم وتدريب واتباع إجراءات الاستجابة بشكل أكثر فاعلية وأكبر.
ورأى مقدادي أن لا "حاجة لتعديل التشريعات للتعامل مع حالات العنف الأسري، فهناك أسباب واعتبارات أخرى تتعلق بمشكلات اجتماعية واقتصادية موازية منها "تعاطي المخدرات والبطالة والفقر وقلة فرص العمل.. وغيرها”، مشدداً على أهمية المتابعة الاجتماعية للضحايا، وتكثيف العمل على الجانب التوعوي اجتماعياً، وتحفيز النساء على طلب الخدمة الاجتماعية.
من ناحيتها، اعتبرت خبيرة العنف المبني على النوع الاجتماعي، د. خولة الحسن، أن جرائم العنف هو حلقة من حلقات عنف متواصل داخل الأسرة لم يتم التبليغ عنه وأصبح عنفاً مركباً بمرور الوقت، حتى وقوع الجريمة، محملة مؤسسات المجتمع المدني والقطاعين الحكومي والخاص والمدارس والجامعات مسؤولية التوعية الوقائية للطلبة والمقبلين على الزواج والأزواج الجدد، حفاظاً للسلم المجتمعي.
وفق تلك الطروحات "المهمة” للخبراء المتحدثين، خرج اللقاء بالتأكيد على أهمية تعزيز المنظومة الاجتماعية الوقائية قبل وقوع العنف، وتوفير دور إيواء أكثر للنساء المعنفات وأطفالهم، ومساهمة وسائل الإعلام بالتوعية الإعلامية، وزيادة أعداد الكوادر والباحثين الاجتماعيين العاملين في هذا الجانب، خاصة أن هذا الملف مسؤولية وطنية وتحد كبير يتجاوز حماية حياة الفرد والأسرة والمجتمع، إلى الالتزام بحماية حقوق الإنسان والمرأة والطفل بالشرائع السماوية والقانون والاتفاقيات الدولية.
وأوصوا بضرورة تعزيز نظام تتبع حالات الأتمتة في رصد حالات العنف المبلغ عنها، وتنفيذ العمل التشاركي الوقائي ببرامج توعية مستدامة قابلة للرصد وقياس النتائج، وكذلك التركيز على الطب النفسي، إضافة لبرامج الوقاية من العنف والإدمان وبرامج التوعية الوالدية، والكشف المبكر عن العنف الأسري وخدمات الاستجابة العاجلة لهذه الحالات.