ربما صحوة متأخرة… وربما في غير محلها..وربما آن أوان تصحيح مسيرة سنوات طويلة من العشوائية وإنعدام التخطيط في مسيرة القبولات والتخصصات والبرامج في جامعاتنا الأردنية.
ربما صحوة متأخرة لقرارات مجلس التعليم العالي وهيئة الإعتماد… منذ أكثر من عقدين من الزمن ومسيرة فتح التخصصات في الجامعات الاردنية ينتابه العشوائية وإنعدام التخطيط… في سباق محموم وتنافس أقرب ما يكون لقواعد التجارة في جامعاتنا الوطنية، دخلنا طفرة الحاسوب وتسابق الجميع لفتح التخصصات دون ضبط ذاتي أو حكومي… وبعدها طفرة بعض التخصصات الهندسية… وانتقلنا لطفرة الذكاء الصناعي وانترنت الأشياء و البيانات الضخمة وغيرها… وعلى التوازي كانت وما زالت ثقافة (دكتور، مهندس، طيار… التي حفظناها من أيام الطفوله… وسؤال شو بدك تصير..؟) تحط رحالها مع خفوت الوهج للهندسة قي ظل بطالة تطال ما يقرب 40 ألف مهندس لتاريخه، ولا ننسى طفرة الجامعات الخاصة وانتشارها بشكل كبير حيث وصلنا لأكثر من 32 جامعة وطنية، والمبررات تسوق وقد تكون صحيحة أو غير صحيحة، ولا نعرف من بدأ أولاً… وقبل الآخر..!، ثقافتنا بامتلاك الشهادة الجامعية..! أم إستغلال اصحاب رؤوس الأموال لهذه الثقافة للإثراء السريع… مع ان العنوان جامعات غير ربحية....! هكذا كانت البداية..!.
والسؤال ماذا كانت تعمل دوائر التخطيط للتعليم العالي طيلة سنوات خلت؟ وهل التوقيت حضر فجأةً ( وراحت السكرة وإجت الفكره..!) وهل عشوائية وعدم انضباط سنوات طالت وكرست كثقافة، تحتمل قرارات جراحية متسرعة من لدن مجلس التعليم العالي وهيئة الإعتماد، ففي قائمة القبول الموحد هنالك مجزرة إيقاف للبرامج لمستوى البكالوريوس ومستوى الدبلوم، وتخيلوا أن جامعة البلقاء كمثال؛ أوقف فيها هذا العام 38 برنامج بكالوريوس و105 برنامج دبلوم… ! بحجة الطاقة الإستيعابية والإعتماد…أو غيره، مع انها تخصصات بمعظمها موجودة منذ سنوات طويلة، وتخرج طلبة وكانت تحت سمع وبصر الجميع..! ومسكوت عنها لأسباب كثيرة… منها محاباة الجامعات الحكومية، أو ما وراء الأكمة..!، فهل يصح أن ينتفض مجلس التعليم العالي وهيئة الإعتماد مرةً واحدة لإعمال سيف الإيقاف مرةً واحدة دون إنذار مسبق، أو فترة سماح لتعديل الأوضاع، مع أن ذات مبررات الإيقاف كانت حاضرة ومعروفة منذ سنوات لديهم..!، وهل تم دراسة أثر الإيقاف للبرامج والتخصصات( بغض النظر عن مسوغات صحتها ٱو عدمها) على الطلبة والجامعات وبالذات الحكومية… والمجتمع..!؟، نطالب التوسع في الإنخراط في التعليم التقني ونلغي كم هائل من تخصصاته..!؟، وسيتقلص عدد المقبولين بشكل كبير جدا، أيضًا ماذا ستفعل الجامعات الحكومية المثقلة بالديون في ظل الأثر المالي للقرار؟ وماذا ستفعل الجامعات بأعداد كبيرة من المدرسين الذين تم تعيينهم لهذه التخصصات..!؟ هل ستسرحهم ونخلق مشكلة بطالة جديدة ومشاكل إجتماعية جديدة لهم وللطلبة وللمجتمع..! وبلدنا بكل صراحة ( مش ناقصه).
أيضًا قبولات الطب، وتخفيضها 70% عن السنة الماضية، حيث كان القبول الموحد طب 2150 طالباً، يضاف إليه الأقل حظاً والإستثنائات ليصل 3000 طالباً، يتم إنقاصها لتصل 640 طالباً..! ومتوقع في ظل هذا الرقم لمن لا يعرف:
١- عدد المقبولين على التنافس لن يتجاوز ال٤٠٠ طالب وطالبة كحد أقصى.
٢- أقل معدل سيتم قبوله على التنافس في كلية الطب / الجامعة الأردنية لن يقل عن ٩٩,١٪
٣- أقل معدل سيتم قبوله على التنافس في كافة كليات الطب في الجامعات الرسمية لن يقل عن ٩٨,١٪
٤- أقل معدل سيتم قبوله على الموازي في كلية الطب / الجامعات الرسمية لن يقل عن ٩٧,٥٪
قلناها نحن مع تجويد التعليم العالي ومع التقيد بالطاقات الإستيعابية وهو مبرر مجلس التعليم العالي، ولكن لسنا مع قرار متسرع للنسبة 70% ومع التدرج في تقليل نسب المقبولين طب وكما أعلن في السنة الماضية 20%… من قبل المجلس.
الأثر سيكون كبيراً، أعداد كبيرة من الطلبة بحدود 1500 لديهم الرغبة والقدرة من خلال معدلاتهم المرتفعة بنهاية التسعينات، احبطت أمالهم بالحصول على مقعد طب، سيذهبون إما للموازي(سيء الصيت، والغير دستوري) أو للجامعات الخاصة أو للخارج وسوق مصر ودول شرق اوروبا مفتوح منذ سنوات، واستنزاف العملات الصعبة حاضر بقوة، ثم إن دعوى الإغراق وزيادة أعداد المقبولين وتخوفات النقابة لا تتناسب مع ترخيص ثلاث جامعات طبية خاصة..!.
نكرر نحن مع تعليم عالي نوعي ذو جودة عالية بعد أن أوغلنا حد الإنفلات في عالم الكم وعشوائية التخطيط وتنافر العرض والطلب.
وبذات الوقت نحن مع حلول تدريجية تأخذ أبعاد القرارات وانعكاسها على الوضع الإجتماعي والأقتصادي، وهذا دور المجلس والهيئة بعمل مقاربة وخطة تدريجية لتصحيح الوضع… إنفلات وعشوائية 20 سنة بحاجة على الأقل 7 سنوات تصحيح… ومبضع الجراح لا يخدم هنا والحل اللحظي لا يخدم أيضاً وآثاره السلبية أكثر من إيجابياته.
فهل يصل مجلس التعليم العالي وهيئة الإعتماد إلى مقاربة، يكون أثرها محدوداً على الطالب والأهالي والمجتمع والجامعات ومديونيتها… والتجويد والنوعية بذات الوقت..! نأمل ذلك، فبلدنا وأهلنا يستحقون الأفضل… حمى الله الأردن.