*المستشار محمد الملكاوي يكتب: كازاخستان تحتفل (بيوم الدستور) في مرحلة تشهد إصلاحات رسّخت الديمقراطية الجديدة*
*"جوهرة العرب" الإخباري / كتب المستشار محمد الملكاوي*
تتضمن رحلة أي أمة عظيمة عدة مراحل رئيسية تؤثر بشكل جماعي على هويتها الوطنية. فإلى جانب إعلان الاستقلال، فإن اعتماد الدستور يشكل أهم أساس للنظام السياسي والعمليات في الدولة، حيث أنه يُحدد المبادئ المسؤولة عن توجيه مسار الأمة في المستقبل. وهذا ما شعرت به كصحفي ومواطن أردني عند زيارتي لكازاخستان، وأعددت العديد من المقالات والتقارير الإخبارية التي نشرت في موقع (جوهرة العرب الإخباري).
وبادئ ذي بدء أود أوضح بأنه في 30 آب / أغسطس من كلّ عامٍ تحتفل كازاخستان بيوم الدستور. واستناداً إلى قيم الحرية غير القابلة للنزع الممنوحة لكل مواطن، فقد أثبت الدستور أنه أساسي لإنجازات كازاخستان، وزود هذه الدولة بالدليل نحو التنمية والازدهار الذي تتمتع به كازاخستان اليوم.
وبرأيي وآراء الكثير من المتابعين والمُحللين للشأن الكازاخستاني فإن هذا العام 2023، يحظى يوم الدستور بأهمية خاصة، حيث يتم الاحتفال به لأول مرة بعد دخول التعديلات عليه حيّز التنفيذ، والتي تمت الموافقة عليها بعد استفتاء شعبي في حزيران / يونيو من العام الماضي 2022. لهذا غيّرت هذه الإصلاحات كازاخستان وأدت إلى مبادئ ديمقراطية جديدة فيها. وتم منح المزيد من الصلاحيات والنفوذ للبرلمان والحكومة المحلية، بينما تم الحد من الصلاحيات الرئاسية، مما يعني أن الحكومة أصبحت الآن أكثر عُرضة للمساءلة أمام الأشخاص الذين انتخبوا البرلمان. بالإضافة إلى ذلك، وتمشيا مع الدستور المُحدث، يتم الآن انتخاب رئيس كازاخستان لفترة ولاية واحدة فقط مدتها سبع سنوات، دون أن يكون له الحق في إعادة انتخابه، وهو أمر فريد تماماً في المنطقة هناك (وسط آسيا).
لقد أنشأت كازاخستان وعززت الآليات التي تحمي حقوق الإنسان والديمقراطية من خلال تعزيز دور ومكانة ديوان المظالم لحقوق الإنسان، وديوان المظالم لحقوق الأطفال، وديوان المظالم لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة.
كما أعادت كازاخستان إنشاء المحكمة الدستورية، التي تضمن المزيد من الحماية لحقوق الإنسان وحرياته. ويمكن الآن لمواطني كازاخستان، بمن فيهم المدعي العام وديوان المظالم، التقدم مباشرة إلى المحكمة الدستورية لإعلان القواعد غير القانونية التي (في رأيهم) تتعارض مع مبادئ الدستور.
وقد كان تأثير التعديلات الدستورية واضحاً بشكل خاص خلال الانتخابات البرلمانية والمحلية التي أجريت في آذار / مارس من هذا العام 2023، وأسفر تبسيط عملية تسجيل الأحزاب السياسية عن أحزاب جديدة شاركت في الانتخابات، مثل ريسبوبليكا وبايتاق. ويعتبر العديد من الخبراء السياسيين المحليين والدوليين أن هذه الانتخابات كانت الأكثر تنافسية في تاريخ كازاخستان الحديث، وتماشياً مع التعديلات الدستورية، والتي تشمل أيضاً الانتخابات المباشرة لرؤساء البلديات في المناطق الريفية، وتم استخدام نموذج الأغلبية النسبية في الانتخابات البرلمانية، للمرة الأولى منذ عام 2004. وقد مكّن هذا العديد من المرشحين المستقلين من المشاركة في دوائر ذات ولاية واحدة إلى جانب مرشحي الحزب. ونتيجة لذلك اتسعت بشكل كبير فرص مشاركة المواطنين في الحياة السياسية لكازاخستان. وقد تمكنت ستة أحزاب من تجاوز عتبة الخمسة في المائة اللازمة للدخول إلى البرلمان، الأمر الذي أدى إلى إنشاء هيئة تمثيلية متعددة الأحزاب لها آراء سياسية مختلفة.
وبينما تحتفل كازاخستان بذكرى دستورها، تحتفي كازاخستان أيضاً بمواطنيها، الذين جسدوا قيمها الأساسية وأظهروا دعمهم من خلال الاستفتاء على التعديلات الدستورية في العام الماضي، والذي مكّن من ترسيخ مُثُل الحرية والمساواة والوفاق بشكل أكبر ضمن نسيج المجتمع الكازاخي. وتجدر الإشارة إلى أن خمس حملات انتخابية جرت في كازاخستان في حوالي عام واحد، بما في ذلك الاستفتاء، مما يعني أن مواطني كازاخستان كان لهم رأي مباشر في جميع التغييرات.
في النهاية وبفضل التعديلات والإصلاحات الدستورية، تشكلت ثقافة مدنية وسياسية جديدة في مجتمع كازاخستان. بالطبع فإن الطريق لإصلاح النظام الحالي في كازاخستان لم ينته بعد. حيث أن التحولات والإصلاحات، بما في ذلك الاجتماعية والاقتصادية، هي عمل مستمر لضمان مواكبة الدولة للتغيرات والتوجهات والتحديات العالمية التي تظهر باستمرار.
ومن الجدير الإشارة له فإنه عند التوقيع الأولي على دستور جمهورية كازاخستان في عام 1995، واجهت كازاخستان العديد من التحديات التي تواجهها البلدان المستقلة حديثًا في جميع أنحاء العالم. وسعياً إلى صياغة هوية كازاخستان الوطنية، وضع دستورها القيّم التي تعتز بها، وحدد المبادئ التي أرست الأساس لاستقرار وإنجازات كازاخستان، واليوم بتنفيذ التعديلات الدستورية التي طالت ثلث مواد الدستور فإن كازاخستان هي في الأساس دولة جديدة حتى بالمقارنة مع السنوات القليلة الماضية.
ولضمان حريات التعبير والتجمّع وحرية الدين، بالإضافة إلى التنوع السياسي والحرية الشخصية، فإن الدستور قدّم مخططاً للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لكازاخستان. مجتمعاً متسامحاً، حيث يمكن لكل مواطن (بغض النظر عن عقيدته) أن يشعر بالتقدير والحرية، بالإضافة إلى ازدهار كازاخستان المحلي الأوسع، والذي هو شهادة على طبيعة التفكير المستقبلي لدستور كازاخستان كدليل للنجاح، غير مقيد بالزمن أو سياق تاريخي.
شكراً لوزارة خارجية جمهورية كازاخستان، وشكراً لسفارة جمهورية كازاخستان في الأردن، ولطاقم السفارة الذين يحرصوا على تعظيم العلاقات الأخوية بين الأردن وكازاخستان على المستويات القيادية العُليا والحكومية والشعبية في مختلف المجالات والميادين.