في القديم كان هنالك راع "لقرية ما" يرعى الغنم في مكان يبعد قليلاً، فكان من ضجره إن أراد أن يحظى بما يملأ فراغه من مزاح ركض مسرعا باتجاه القرية مخبرا أهلها بأن ذئبا قد هجم على القطيع، فيخرج الأهالي بما يملكون من أدوات لطرد الذئب وعندما يصلون القطيع لا يرون شيئاً. فيقول لهم: أنه يمزح!!
وبعد فترة أعجبه اهتمام الأهالي وأعاد فعلته، فخرج معظم الأهالي، فلم يجدوا إلا مزاحاً سخيفاً، وبعد فترة هجم الذئب، فركض الراعي هذه المرة صادقاً ولكن للأسف لم يخرج أحدا لإنقاذ القطيع كونه قد خدعهم أكثر من مرة بمزاحه وهنا خسر القطيع وخسر ثقة الناس به.
هذه القصة التي نكررها أحيانا لأطفالنا في سبيل العبرة أوردتها هنا لنستذكر دوما أن نقل الأخبار علم ثابت ونتاجه أساس أول ما ورد في القرآن الكريم من "إقرأ". فالأخبار عموما والأخبار العلمية عن الكوارث الطبيعية خصوصا ليست مادة للتندر ولا مادة لبيع الوهم أو استقطاب المتابعين سعياً للشهرة، وخاصة إذا كان الخبر مبنياً على تنبؤ وتنجيم.
فهذا يترتب عليه إثارة الرعب ونشر البلبلة بين الناس، فلا يعقل ونحن وصلنا للقرن الحادي عشر ولا زلنا نستمع للعرافين والمنجمين ومحبي الشهرة بينما نحن نمتلك مقومات للبحث العلمي وإن كانت غير مستغلة بشكل كامل ولا زالت بحاجة للتحديث و التطوير والدعم السخي بدلا من إرهاق الدولة في ديون تتضاعف بصورة كبيرة، كان وما زال من الأولى استغلال الثروات البشرية من باحثين وخبراء من الممكن استثمارهم لجلب المكاسب للبلد.
عندما يُطلب منا رأينا فيما نعرف من العلم فإن كتم العلم خيانة للأمانة وكذلك فإن تغيير المعلومة لتضلل الآخرين لا تقل إهانة لمن حولنا.
و هنا أشير لما تتوجه إليه الجامعة الأردنية الجامعة الأم التي أنتمي لها ،حيث أنها ضمن خطوات ايفاداتها وتعييناتها تأخذ بعين الاعتبار أننا بحاجة لتحديث التخصصات الكلاسيكية ودراسة الحاجة لتفريعات لها في السنة الأخيرة، ومن ثم عمل خطة شاملة لاستجلاب الدعم للبحث العلمي و زيادة أعداد الباحثين من أوائل الخريجين ورسم خارطة طريق لما نحتاجه من الابتعاثات و مجالات الابتعاث بحيث تلبي احتياجاتنا المحلية وتكون مفيدة علميا وعمليا،وآمل أيضا من رئاستها التركيز على التخصصات المتعلقة بكل ما هو عملي وفيه حلول لبعض المشكلات التي يعاني منها الوطن ، للاستفادة في سوق العمل واستغلال الموارد البشرية والثروات الطبيعية في جميع أنحاءه.
لا يمكن الاكتفاء بالتدريس والبقاء بعيدا عن التطبيق العملي وعن المستوى الدولي للبحث العلمي.
نحن كالرائد الذي يسبق قومه لاستشراف الأراضي المزمع الرحيل لها فيعود لهم مبشراً أو منذراً، وهو عامل خطير وحاسم لمستقبل العشيرة.
سنتحرى الصدق في كل حال، فالرائد لا يكذب أهله وإلا ضاع الأهل والوطن.