بمناسبة إصدار التقرير البحثي "مستقبل العمل الخيري"، عُقِدت لجنة نقاش محورية حضرها 700 مشاركاً من القطاع الخيري والاجتماعي الدولي لمناقشة نتائج هذا التقرير واستشراف مستقبل الأعمال والمبادرات الخيرية في الأسواق الناشئة. وأدار دفة النقاش نخبة من الشخصيات منهم بدر جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع، وروهيني نيليكاني، مؤلفة ومؤسسة روهيني نيليكاني فيلانثروبيز، ولورينس ليين، رئيس مجلس ليين فاونديشن والرئيس التنفيذي لآسيا فيلانثروبيز سيركل، والدكتورة بريشيس مولوي-موتسيبي، المؤسسة المشاركة لموتسيبي فاونديشن ورئيسة جامعة كيبتاون.
نُفذ هذا المشروع البحثي البارز وتقريره لعام 2023 بتكليف من بدر جعفر، وأجريت ضمنه مئات المقابلات مع جمع للبيانات على نطاق واسع للاستعلام عن ممارسات القطاع الخيري والمسارات الخيرية المستقبلية في ثلاث مناطق رئيسية هي: أفريقيا، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا.
ويبين التقرير المنبثق من هذا البحث نقطتين حاسمتين: أولهما الحاجة إلى بيانات أكثر وأعمق، وثانيهما أهمية تعزيز التعاون بين رواد الأعمال الخيرية ليس فقط ضمن مجالاتهم واختصاصاتهم بل وكذلك عبر مختلف القطاعات الأخرى. ويؤكد التقرير أيضاً قدرة التكنولوجيا الهائلة على إحداث تغييرات جذرية في القطاع الخيري، وذلك بثلاث صور هي: دعم نمو العمل الخيري على المنصات الرقمية، وتحسين الشفافية في العمليات الخيرية، والمعالجة الفعالة لمجموعات البيانات الكبيرة.
ويقدم التقرير أيضاً توصيات عملية لرواد الأعمال الخيرية في هذه الأسواق ويوجههم نحو السبل الأمثل لمواكبة هذه المسارات المستجدة التي تشكل ممارسات القطاع الخيري، وتمكينهم بالتالي من تحقيق أفضل النتائج من مبادراتهم الخيرية.
وتحدث بدر جعفر، الذي عيّن ممثلاً خاصاً للأعمال التجارية والخيرية لدى كوب28 ورئيس منتدى المناخ عن الأعمال الخيرية والتجارية لكوب28، عن التداخل العميق ما بين العمل الخيري والعمل المناخي، مشيراً إلى أن التمويلات الخيرية اليوم تصل إلى أكثر من ترليون دولار أمريكي سنوياً، أي أكثر من 5 أضعاف المعونات التنموية المقدمة من الحكومات. وتحدث جعفر عن مجموعة من التوجهات التي ستسرع ضخ التمويلات الخيرية في مساعي تحقيق أهداف إدارة المناخ وحماية الطبيعة، إذ قال: "مع الانتقال الحالي لثروات ضخمة عبر الأجيال، نرى إقبالاً شديداً على إدارة الأعمال الخيرية وتنسيقها وحوكمتها عبر الجنوب العالمي."
وأضاف: "باتت هذه الأسواق أكثر وعياً بتداخل قضايا المناخ مع مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية، إذ نرى التداعيات المناخية التي تؤثر على الصحة العامة وأمن الغذاء والتنوع الحيوي والمساواة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية."
وأفاد جعفر أيضاً أن تركيز مؤتمر كوب28 سينصب في المقام الأول على ضمان توفير الدعم الكافي من قطاع الأعمال والقطاع الخيري في هذه المناطق التي من المتوقع أن تكون المستفيد الأكبر من الجهود المناخية، وكذلك على تخصيص المزيد من الأموال لهذه المناطق وزيادة ما تقدمه هي أيضاً من تمويلات، مؤكداً أن مثل هذه الجهود والممارسات تحتاج إلى أطر متينة تقوم على تعاون بين مختلف أصحاب المصلحة وتغذيها أهداف وقضايا مشتركة.
وتخلل النقاش أيضاً مداخلات قيمة من قادة الحوار سلطوا الضوء فيها على هذا الموضوع كلٌّ من منظور بلده.
فروهيني نيليكاني مثلاً أشادت بالتقدم المحرز في الهند فيما يخص بناء قاعدة بيانات خيرية موثوقة وفعالة، وقالت في هذا الصدد: "لقد لمسنا تحسناً مطرداً من حيث تقديم رواد الأعمال الخيرية في الهند للبيانات. ومع تزايد الإقبال على تشارك البيانات حتى وإن لم يكن بصورة متسقة في البداية، بدأنا نرى بالفعل زيادة في عدد الأشخاص في الهند المستعدين للإفادة عن مبادراتهم الخيرية، وهذا أمر سيساهم بشدة في معالجة التحديات الاجتماعية المدنية."
وناقشت الدكتورة بريشيس مولوي-موتسيبي الأساس الذي تتجذر منه ثقافة العطاء في أفريقيا، وهو مفهوم "الأوبونتو" الذي يربط نجاح الفرد بنجاح الكل. وتحدثت أيضاً عن الآثار الإيجابية للتعاون مع الحكومة في بناء القدرات، وعلقت: "الحكومة شريك شديد الأهمية، فهي صاحبة الموارد الأكبر، لذا تعاوننا مع الحكومة يساعدنا على العمل مع المدارس في جميع أنحاء أفريقيا الجنوبية. صحيح أن هذه المهمة قد تكون صعبة في بعض الأحيان، لكنها عند نجاحها تحقق نتائج شديدة الإيجابية."
وأبرز لورينس ليين بدوره العقبات التي تواجه العمل الخيري الاستراتيجي في آسيا، واستند في حديثه إلى خبرته في قيادة آسيا فيلانثروبي سيركل، وهي شبكة لرواد العمل الخيري الآسيويين، إذ قال: "في سينغافورة وجزء كبير من جنوب شرق آسيا، ما تزال الشراكات مع الحكومات حديثة العهد. وفي الوقت الحالي، يتقدم العمل الخيري بوتيرة بطيئة جداً وخالية من المجازفات، إذ يكبح الجيل الأول إقبال الجيل التالي من المانحين ويحد من روح مبادرته. ولكني، مع ذلك، متفائل بالتغيير فهناك الكثيرة من الأصوات المنادية بالتغيير والكفيلة بكسر هذا الركود."
وأدار هذا النقاش تشارلز كيدان المحرر التنفيذي لألاينس، إذ شدد على أهمية الشراكات عبر القطاعات قائلاً: "يعتمد حلّ المشكلات المستعصية على التعاون الوثيق والفعال بين القطاع الخيري والحكومات والأعمال. ولكن ما يحدّ من تأثير العمل الخيري هو النقص في الأبحاث والتحليلات، وفي بعض الأحيان، القيادة الحكيمة. هذا ما يجعل من تقرير ‘مستقبل العمل الخيري‘ العالمي أداة قوية، لأنه يطرح أفكاراً ورؤى قيمة توضح أهم التوجهات السائدة التي تشكل معالم القطاع الخيري ويقدم توصيات عملية توجه مقدمي المنح والتمويل في مبادراتهم."
وجدير بالذكر أن هذا التقرير يفيد بأنه بحلول 2030، ستنتقل ثروات تزيد قيمتها على 15 ترليون دولار أمريكي من الجيل الحالي إلى القادم، وسيكون هذا الانتقال الأبرز والأكثر تأثيراً في آسيا حيث سيصبح 35% من هذه الثروات في متناول أبناء الألفية في السنوات الخمس إلى السبع القادمة. ووفقاً لتقرير Ultra High Net Worth Philanthropy 2022 الصادر عن Wealth-X، فقد بلغت التمويلات الخيرية المقدمة من أصحاب الثروات الضخمة 175 مليار دولار أمريكي في 2022 (ما يعادل 36% من التمويلات الفردية عالمياً)، مع 8 مليارات دولار من الشرق الأوسط بالتحديد.
وقد جاءت دراسة "مستقبل العمل الخيري" إتباعاً لمشروع بحثي نُفذ في 2018 عن الأعمال الخيرية بتكليف من بدر جعفر أيضاً. يناقش تقرير 2023 الشامل هذا الأهمية البالغة للبيانات والتعاون للوصول إلى نتائج اجتماعية أشمل وأقوى وتحقيق التغيير المستدام المنشود.
ويستند تقرير هذا العام إلى مخرجات مشروع 2018 ويستقي معلومات من مصادر وإصدارات أخرى، كما يقوم محتواه أيضاً على مقابلات مكثفة أجريت مع خبراء في القطاع في ثلاث مناطق هي – أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا. ويبرز التقرير أيضاً مجالين حاسمين يحتاجان إلى التحسين: الحاجة إلى بيانات أكثر عمقاً عن الأعمال الخيرية والتدفقات المالية الخيرية، والحاجة إلى تعزيز التعاون بين رواد الأعمال الخيرية وعبر القطاعات المختلفة.