تُدين الشبكة الدولية للقضية الفلسطينية هجوم قوات الاحتلال الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة والذي بدأ في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لقد أثبتت عدة أدلة قاطعة أن أفعال الاحتلال الإسرائيلي في القطاع ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي، وعلاوة على ذلك، يرقى القصف العشوائي والحصار المشدد الذي تمارسه إسرائيل بحق أهالي القطاع إلى كونه جريمة حرب في حد ذاته، كما قد يعد الاحتلال الإسرائيلي مسؤولاً أيضاً عن ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما يشمل القتل، والإبادة، والترحيل القسري والفصل العنصري.
تسعى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، بموجب مادتها الأولى، إلى منع جريمة الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها وتجريم السلوكيات المرتبطة به، وبذا فهي لا تسلط الضوء على ضرورة منع الإبادة الجماعية المستمرة أو وقفها فحسب، بل توضح أيضًا أن تقاعس الدول الأطراف في المعاهدة، بما في ذلك الدول الثالثة منها، ينطوي على تواطؤ إجرامي على فعل جرم الإبادة الجماعية بالذات. كما تحظر الاتفاقية من بين جملة أمور أخرى، قتل أعضاء من الجماعة، أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم، أو إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يقصد بها تدمير أفرادها المادي كلياً أو جزئياً. وترقى هذه الأفعال إلى حدّ الإبادة الجماعية في حال كانت الجماعة ذات صفة قومية، أو إثنية، أو عنصرية أو دينية، وأيضاً إذا ما ارتكبت هذه الأفعال بقصد تدمير هذه الجماعة كلياً أو جزئياً، ويُفسّر مصطلح "جزئي" باستهدافه أي جزء كبير من الجماعة. ولا تسمح الاتفاقية بأي تبرير يسوغ الإبادة الجماعية، إذ لا يُسمح بارتكاب هذا الجرم على سبيل الانتقام أو الرد على الأفعال غير المشروعة مهما كانت خطورتها.
وتشير التقديرات إلى أن الهجوم الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر قد أسفر عن قتل أكثر من 2800 فلسطينياً، من بينهم أكثر من 724 طفلاً، وإصابة أكثر من 10850آخرين بجروح بما مثل انتهاكاً للأفعال المحظورة السابق ذكرها أعلاه بموجب المادة 2 (أ) و(ب) من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية. ويُفهم الأذى الجسدي أو الروحي الخطير على أنه تلك الأفعال التي "تلحق أذى خطيراً بالصحة، أو تسبب تشوهاً أو تُلحق ضرراً خطيراً بالأعضاء الخارجية أو الداخلية أو الحواس". (المدعي العام ضد كاييشيما وروزيندانا، الحكم، المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ICTR-95-1-T، 21 أيار/مايو، 1999، الفقرة 109). كما يفي الحصار الكامل المفروض على قطاع غزة، بما في ذلك قطع الكهرباء وحرمان سكانه من الكهرباء والغذاء والوقود، وذلك بعد 17 عاماً من الحصار الجوي والأرضي والبحري الذي كان له أثر جسيم على الخدمات الأساسية، بتعريف المادة 2(ج): إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي.
لم تبدأ سياسات الإبادة الجماعية تجاه قطاع غزة أو الفلسطينيين مع الرد على هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر ، بل سبقت ذلك بفترة طويلة، إذ جاء الهجوم نتيجة 16 عامًا من الحصار الجوي والبري والبحري الذي أثر بشدة على الخدمات الأساسية، والتي كان لها تأثير حاد وتراكمي و"دمرت الاقتصاد في غزة وساهم في تفتيت الشعب الفلسطيني ويشكل جزءاً من جرائم سلطات الاحتلال الإسرائيلية ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والقمع الذين تمارسهما ضد ملايين الفلسطينيين" بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش.
ووفقاً لعلماء بارزين في مجال الإبادة الجماعية ومنظمات حقوق الإنسان، تُظهر تصريحات المسؤولين الإسرائيليين نية ارتكاب الإبادة الجماعية. فعلى سبيل المثال، توعّد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتحويل غزة إلى "أنقاض"، كما قال الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ إن "ثمة أمة كاملة مسؤولة هناك. ليس صحيحاً ما يقال عن عدم علم المدنيين أو عدم تورطهم. هذا غير صحيح على الإطلاق". وصرّح رئيس الدفاع الإسرائيلي يواف غالانت قائلاً: "نحن نفرض حصاراً كاملاً على ]غزة[. لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود -كل شيء مغلق. إننا نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف وفقاً لذلك". هذا وأعلن اللواء غسان عليان منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية أن "... سكان غزة يحتفلون. سنتعامل كما يجب مع وحوش بشرية كهذه...، إسرائيل فرضت إغلاقاً كاملاً على غزة، ولن يكون لديكم كهرباء ولا مياه، فقط دمار. بدكم (تريدون) جهنم؟ راح تحصلوا (ستحصلون) على جهنم". وقد تشكل هذه التصريحات بالإضافة إلى ما سبق تحريضاً مباشراً على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية المحرّمة بموجب المادة 3(ج) من الاتفاقية. ففي الإبادة الجماعية في رواندا، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية لرواندا المقالات الإعلامية المنشورة التي تُجرد شعب التوتسي من إنسانيتهم باعتبارهم صراصير بمثابة تحريض على الإبادة الجماعية. وكذلك، طرأت زيادة في عنف المستوطنين في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين، فضلاً عن المدنيين منهم الذين قضوا على أيدي جيش الاحتلال الإسرائيلي.
تقر الشبكة بالأثر المدمر الذي خلفه هجوم حماس على الاحتلال الإسرائيلي في 7 تشرين الأول/أكتوبر، بما قد يحمل في بعض من ثناياه ما قد يشكل انتهاكات للقانون الإنساني الدولي. ومع ذلك، لا تسمح الاتفاقية بأية ظروف مخففة فيما يتعلق بالأفعال التي تشكل فعل إبادة جماعية. إن تحذير جماعة ما مسبقًا وحث أفرادها على مغادرة منازلهم حفاظًا على سلامتهم أمر لا ينفي جرم الإبادة عن هذا الفعل، كما هو الحال بالنسبة للحقيقة القائلة بأن الهدف من هذه الإجراءات هو البحث عن مقاتلين داخل صفوف هذه الجماعة.
ومع احتفاظ قطاع غزة بوضع "الأرض المحتلة"، فإن حجة الاحتلال بالدفاع عن النفس غير مبررة. إن مطالبة الكيان الإسرائيلي للفلسطينيين في شمال قطاع غزة بالنزوح إلى جنوبه هو مطلب لا يمكن تلبيته في ظل الظروف الحالية ولا يعفيه من مسؤولياته بموجب اتفاقية جنيف الرابعة بشأن أمن الشعب المحتل ورفاهه، بما في ذلك أولئك الذين لا يستطيعون النزوح من منازلهم أو ممن اختاروا عدم الامتثال لهذه الأوامر.
وبموجب المادة 9 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، يجوز للدول أن تعرض على محكمة العدل الدولية النزاعات التي تنشأ بين الأطراف المتعاقدة بشأن تنفيذ هذه الاتفاقية أو تطبيقها. وقد أقامت غامبيا دعوى قضائية ضد ميانمار بدعوى انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، إذ وجدت محكمة العدل الدولية أن لديها الولاية القضائية على الرغم من اعتراضات ميانمار. وإننا نحث الدول التي لم تُبدِ أي تحفظات على المادة 9 من الاتفاقية على رفع دعوى لدى محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل منوهين إلى أن تشجيع الدول للأفعال التي ترتكبها إسرائيل، بما في ذلك الترحيل القسري للمدنيين، ودعمها لذلك قد يؤدي أيضاً إلى تحميلها المسؤولية القانونية.
بالإضافة إلى الإبادة الجماعية، فإن القصف الإسرائيلي العشوائي لقطاع غزة، بما في ذلك الغارات الجوية المميتة على المدنيين داخل ما يسمى بـ"الممرات الآمنة" وإبادة عائلات بأكملها واستخدام الفسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان، تُعدّ جميعها انتهاكات لاتفاقيات جنيف وقد ترقى إلى جرائم حرب. ويقع على عاتق إسرائيل باعتبارها القوة المحتلة التزام واضح بضمان تلبية الاحتياجات الأساسية للسكان المدنيين في غزة، كما ينتهك قطع الماء، والكهرباء، وإمدادات الغذاء والوقود عن القطاع بشكل متعمد التزامات دولة الاحتلال الإسرائيلي حياله بوصفها قوة احتلال بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
لا يمكن النظر إلى الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة بمعزل عن العنف المنظم الذي يشهده الفلسطينيون في حياتهم اليومية تحت الاحتلال الإسرائيلي حيث تخضع غزة للحصار منذ عام 2007. فالاحتلال غير الشرعي والفصل العنصري المستمرين في فلسطين متأصلان في المشروع الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، ما ينتهك حق الفلسطينيين في تقرير المصير وحقهم بالعودة بشكل صارخ.
في ضوء ما سبق، فإننا نناشد المجتمع الدولي:
التدخل الفوري لحماية الشعب الفلسطيني من الإبادة الجماعية وذلك باستخدام جميع السبل المتاحة لردع دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيقافها، بما في ذلك فرض العقوبات عليها؛ السعي إلى إخضاع دولة الاحتلال الإسرائيلي من خلال محكمة العدل الدولية للمساءلة عن انتهاكها لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وكذلك من خلال المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من الجهات المتاحة لمحاسبة أولئك المسؤولين عن ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، مع ضمان حصول الضحايا على جبر الضرر والتعويض الواجب وفقاً للقانون الدولي؛ الإقرار بهيمنة إسرائيل القمعية كقوة استعمارية استيطانية على الشعب الفلسطيني ووضع حد لأفعالها غير المشروعة، بما في ذلك نظام الفصل العنصري والاحتلال.
إعادة التأكيد على حق الفلسطينيين الثابت في تقرير المصير الذي ينطوي عليه حق العودة لجميع الفلسطينيين النازحين من ديارهم على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية.
وأخيرا، ونظراً لإخفاق الأمم المتحدة في ضمان حل عادل ودائم ومحدودية الأمل حيال تحقيق العدالة من خلال المؤسسات الدولية، فإننا نحث المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المنخرطة في مسألة القضية الفلسطينية على النظر في جدوى إنشاء محكمة شعبية للتداول في جرم الإبادة الجماعية الحاصلة في قطاع غزة.